ذاكرة الايام..ابرز رجال عرفتهم فى المغرب
كان من عادتى عندما كنت فى الرباط اننى اصلى الجمعة فى مسجد اهل فاس فى المشور داخل محيط القصر الملكي , وهو المسجد الرسمى الذي يصلى فيه الملك صلاة العيد كل عام , لا ادرى لماذا اخترته منذ البداية , كنت اعرف خطيب الجمعة , وكان رجلا صالحا , كان المسجد هادئا ومعظم من يصلى فيه من موظفى القصر واداراته ومن سكان المشور , والمشور محاط بالاسوار العالية , وكل من يدخل المشور يخضع للرقابة لاعتبارات امنية , كنت اجلس فى زاوية خاصة قريبة من الباب , وكان رفيقى فى تلك الزاوية الصديق الاستاذ احمد بنسودة مدير الديوان الملكى , وكان يجلس الى جانبنا السيد على ماجد القبانى سفير المملكة العربية السعودية , , كانت تجمعنا صداقة شخصية , كان الاستاذ بنسودة رجلا فى غاية النبل والتهذيب , وكان من علماء القرويين , وكان سياسيا وكاتبا وعالما وحافظا للقران , وكان يحضر مبكرا ويقرأ مع من يقرؤون قراءة جماعية , وكان محبا للعلماء , ويسعى فى تلبية مطالبهم وينصت الى مشاكلهم , كنا نجلس متجاورين وكان هناك اخ يقوم بحجز المكان , ولا يسمح لاحد ان يجلس فيه , كنا نجلس بعد الصلاة لمدة ساعة فى جلسة علمية وثقافية , كان المسجد خاليا بعد خروج كل المصلين , كان يحدثنى عن تاريخ المغرب وتاريخ فاس والقرويين ويحلو له ان يحدثنى عن تاريخ اسرته العلمية , واشتهرت اسرة بنى سودة بالعلم , وهناك الكثير مما كتب عن تاريخ الاسرة , وكان بعضهم فى خدمة الملوك العلويين , عندما كنت اتغيب كان يتصل بى ويسألنى عن اسباب تغيبى , وكنت افعل نفس الشيء , احيانا كنا نناقش قضية سياسية وكان يريد ان يسمع وجهة نظرى , احيانا كان ينقل لى رسالة من جلالة الملك او توجيها او تعليقا , كنت اقول ما اقتنع به , كان يعجبه ان يسمع منى ما اراه , كان يفهمنى جيدا وافهمه جيدا , كان كبيرا فى مواقفه , احيانا كان يزورنى فى منزلى او ازوره , كان بيننا مودة خاصة , كان يريدنى ان اشاركه بعض المناسبات ذات الطابع الثقافى او العلمى وسافرنا معا لبعض المدن , عندما اقامت له وزارة الاوقاف حفل تكريم فى الرباط القيت كلمة فى حفل الافتتاح تحدثت عن ذكرياتى معه , ودعانى لزيارة مكتبته الخاصة التى انشاها في فاس فى دار سكناه , وشاركت فى حفل الافتتاح , وكنا نحضر معا بعض المؤتمرات والندوات , كان يقول لى اننى معك فى كل خطوة , وكان معنا فى نفس المنهج كل من الاستاذ عبد الهادي بوطالب مستشار الملك والسياسي المتميز , والاستاذ عبد الوهاب بنمنصور مؤرخ المملكة , كنا نلتقى باستمرار , وكان الثلاثة من اقرب المساعدين للملك , كان الاستاذ بنمنصور يزورنى باستمرار , وكان من اقرب الاصدقاء الذين كانوا معى فى كل المواقف والازمات , وهو شخصية عاقلة يحسن التصرف , وكان معى بغير حدود , وكنا نلتقى باستمرار , وكان يحضر كل المناسبات فى منزلى , كان الصديق الاقرب لى , كان يعرف كل شيء , وكنت افهم عليه ولو بالاشارة , كان الاستاذ بنمنصور هو الاقرب لى منذ الشهر الاول الى النهاية , كان يجمع كل شيء عنى وكان يريد ان يترجم حياتى , وهناك اشياء كان يعرفها عنى اكثر منى , كان وفيا لى بغير حدود , عاش خمسين سنة فى خدمة تلاتة ملوك , وعندما اقيمت له حفلة تكريم فى جامعة الدار البيضاء القيت كلمة فى تلك المناسبة ذكرت فيها ما اعرفه عنه , اما الصديق الثالث فهو الاستاذ عبد الهادى بوطالب , وهو السياسي المتميز , كان قريبا جدا من الملك , وكان استاذا له , وكان يتصل بى فى كل مناسبة ويسألنى فيما يتوقع اننى اعرفه من القضايا , وكانت بيننا صلات خاصة وكان يحدثنى عن قضايا خاصة به مما لا يريد الحديث عنها , كان يزورنى فى البيت , اننى اذكر هؤلاء الاصدقاء الثلاثة باعتزاز , كانوا معى فى كل الازمات , كانت تجمعنا ثوابت اهمها الاعتزاز بالثقافة الاسلامية والدفاع عن اللغة العربية , ولا يمكننى ان انسى فضل هؤلاء الاصدقاء خلال ربع قرن , كانوا يثقون بى بغير حدود , واحسنوا الظن بى , عندما اختارنى الملك لعضوية الاكاديمية كلف الاستاذ بوطالب ان يلقى كلمة الترحيب بى فى الاكاديمية , لقد انتقل هؤلاء الاصدقاء الى رحاب الله , واننى ادعو لهم من اعماق قلبي , كانوا رائعين فيما رايت منهم , كان هؤلاء من اعمدة نظام الحسن الثانى , وكان يعتمد عليهم فى كثير من المهمات السياسية , وسوف تظل الحقبة المغربية هي الاجمل والاكثر اهمية وكانت غنية فى دروسها وعبرها , وهناك اخرون لا يقلون عن هؤلاء اهمية , اذكرهم باعتزاز , و ابرزهم الشيخ عبد الرحمن الدكالى والاستاذ ابراهيم فرج الحاجب الملكى , وشيخ شيوخ المغرب العلامة الكبير الشيخ محمد مكى الناصرى , وتكلمت عن كل هؤلاء , فى كلمات تابينية , احيانا نشعر ان بعض الاصدقاء لاتكفى فى حقهم كلمات الوفاء , لانهم يستحقون اكثر منها , ادعو الله تعالى ان يجزيهم خيرا عما فعلوه , تغمدهم الله برحمته واسكنهم فسيح جناته وجزاهم الله عنى خير الجزاء .
اترك تعليقاً