اعمدة الاستقامة فى السلوك

كلمات مضيئة.. اعمدة الاستقامة فى السلوك الانسانى   

اهم قوة في الانسان هي القوة الغريزية الكامنة فيه ، هي قوةً كمال في الانسان وفي الحيوان ، لولاها لما كانت الحياة ولا استمرت ، انها القوة التي لا يمكن الاستغناء عنها لكمال الحياة ، انها قوة فطرية غريزية عميقة الجذور,  وهي القوة المحركة للنشاط نحو الكمال ، كل الأعضاء تؤدي مهمتها لخدمة تلك الغريزة ، هي القوة الاهم فى الانسان  وهي القوة الشهوانية التى تطلب بها  كل اسباب الحياة ولو توقفت لتوقف كل شيء ، وتوجد كاملة في الانسان منذ ولادته ، وتنمو بالاستجابة لها الى ان تتحكم في صاحبها ولا يستطيع مقاومتها ، لولاها لما كانت الحياة ولما استمرت ، انها القوة التي تنهض الانسان وتحركه وتجعله ماهوعليه ، عندما يمنع الانسان مما يحتاجه من مطالبه الضرورية التى تتعلق بها حياته  تتولد لديه قوة غريزية اخري هي قوة الغضب ، وهي قوة حماية للانسان لكي يدافع عن حقوقه ويصل الى ما يريد ، قوة الشهوة هي التي تدفع الانسان للبحث عن طعامه ومطالبه الضرورية ، وهي مطالب ضرورية ، الجائع سيأكل لامحالة ، وهذا حقه الذي ضمنه الله له ، ان لم يجد طعامه فسوف يسرقه دفاعا عن حياته ، الجوع لا يعرف الحدود والجائع سوف يبحث عن طعامه ، لو اغلقت جميع الابواب امام الانسان فسوف يقتحمً كل المخادع المغلقة لكي يأكل ، تلك هي الصفة التي تجمع الانسان بالحيوان للبحث عن طعامه ،الطعام حق ولا يمنع عن جائع ابدا , الحياة حق وكل ما ارتبط بالحياة فهو حق لاجل استمرار الحياة ,  من ضمن طعامه فلن يعتدي علي غيره ومن اعتدى ولم يكن فى حالة الاضطرار فيجب ان يعاقب  ومن احتكر طعاما وهدد باحتكاره حياة الاخرين فيجب ان يمنع ويعاقب  ، الحيوان الذي يجد من يطعمه يكون أليفا ولا يعتدى ابدا ولا يستخدم انيابه الحادة ولو كان يملكها ، فان لم يجد من يطعمه فسوف يأخذه عن طريق القوة ولو ادى به العدوان على الانسان  ، وهذا ما يفعله الحيوان المتوحش والمفترس ، والانسان عندما لا يجد طعامه فسوف يحصل عليه عن طريق القوة والعدوان على كل من ظلمه ، قوة الغضب قوة حماية ذاتية للدفاع عن الحقوق ، عندما تستخدم القوة ضد الجائع فسوف يتصدي لك ويقاومك دفاعا عن حياته ، لاحدود لقدرات الانسان عندما يدافع عن حياته ، الجائع سيأكل لامحالة بارادة مجتمعه او بغير ارادته ،فى ظل العدالة فلا احد يمنع من اسباب حياته واهمها الطعام ,  القوة الغضبية ليست اصيلة في النفس وهي كسلاح حماية يستخدم للدفاع عن النفس فى حالة العدوان عليها ، ولهذا يكون الغضب لدي المظلومين والمحرومين اشد وأقوي الي ان يصبح خلقا راسخا تعمقه الآلام والشعور بالحرمان , وكلما اشتد الالم والاحساس بالظلم في الداخل كان اثره في الظاهر اقوي وارسخ ، ويكون اولا علي شكل تطرف في الافكار ناتج عن انفعال داخلي واحتقان  ثم يترسخ فى النفس ويعبر عنه  بافكار غاضبة منفعلة حاقدة وتصبح على  شكل قناعات ومفاهيم ، ثم تصبح  كمدرسة فكرية لتخريج اجيال من الغاضبين والمحبطين والثائرين وألمتمردين ، هذا هو تاريخ الفكر وهو مستمد من الحياة الواقعية , وهذا هو الذي يفسر نشأة المدارس الفكرية المتباعدة والمتطرفة بين مدرستين الاولي هي مدرسة الفكر المترف والغارق بالملذات والمتحكم بأسباب القوة والسلطة , ومدرسة الفكر القابع في الأقبية المظلمة من الشعور بالظلم والحرمان ، وهو فكر المعاناة الانسانية ، وكل مفكر هو وليد الواقع الذي أنتجه وهو ثمرة الشجرة التي ينتمي اليها ، الأزهار تنبت في الارض الخصبة والأشواك تكثر في الارض القاحلة التي لاتجد الرعاية ، الافكار هي ثمرات تلك الاشجارالمغروسة  فى الأرض التي انتجتها ورعتها ، مجتمع الحرمان سوف ينتج فكره الذى يعبر عنه لامحالة , وسوف تكثر فيه الأشواك ، لاتلام الاشواك  فيما هي فيه وانماتلام الارض القاحلة المهملة التى تشعر بالحرمان من الماء , الارض ولود ومعطاء , فان اهملت كثرت اشواكها , كنت اتأمل فيما كنت ا رَآه من المدارس الفكرية وافهم اسباب التطرف والعوامل التي ادت اليه ، من دافع عن وجوده فليس معتديا , ولا يمكننا ان نطالب الجائع بالعفة ,  ومن سرق طعامه لانه جائع فلا يمكن اعتباره سارقا ولا معتديا ، ويجب ان يعاقب المجتمع الذى دفعه الى السرقة , السارق الحقيقي هو الذي يعتدي علي الاخرين طمعا في الحصول على حق من  حقوقهم التي منحها الله لعباده ، العدالة اولا ثم تكون تاتي بعدها المحاسبة والعقوبة لمن خالف العدالة وتجاوز حدودها ، مفهوم الجريمة ومعاييرها لاتنفصل عن العدالة ، ليست العدالة هي ما اعتبرها المجتمع عدالة فالمجتمع هو مرآة لواقعه ويعبر عن ذلك الواقع كماهو ، يتطور مفهوم العدالة برقي وعي الانسان لوجوده الانساني كما اراده الله كامل الحقوق الانسانية ، اهم مصدر للعدالة هي العدالة التي اقرها الله لكل عباده وجعلهم متساوين في الحقوق ويتفاضلون في اعمالهم عند الله ، اما الحقوق الناتجة عن جهد العقول فهي معبرة عن عصرها وقيم مجتمعها ، والقانون ينظم الحقوق من منطلق العدالة الواقعية المعتادة ، الفقه هو جهد العقول المعبرة عن فهمها للعدالة كما ترجح لها انه الحق ، والفقه تتجدد احكامه الاجتهادية برقي فهم مجتمعه لمفاهيم العدالة والاقتراب بها من قيم التفاضل الاجتماعي الي قيم الرحمة والخير واحترام حقوق الانسان كما ارادها الله ، لاعدالة مع انتفاء اسبابها المادية , واهمها ان تحقق التكافل الانساني في دعم قيم الخير والرحمة بالانسان ، الدين هو الذي يغذي قيم الخير والرحمة والاستقامة والمحبة والسلام وينمي معاني التعايش ويمنع الظلم والطبقية والطغيان ويقاوم رموز الشر ودعاة العنف واعداء الانسان

.. وهناك قوتان تابعتان لتلك القوة الغريزية ، ويمسكان بزمامها كنور يضيئ لها طريقها لكي يتميز الانسان عن الحيوان ، القوة الاولي هي القوة العقلية التي تقوم بدور التمييز وتمسك بزمام ذلك الانسان  عندما تتحكم فيه قوته الشهوانية فيرضخ لها صاغرا مستجيبا لما تريد ان يقوم به ، العقل قوة لا سلطان لها علي الغريزة ، وفِي معظم الأحيان تزين للانسان ما فيه هواه من الملذات والمنافع والمصالح ، فيكون بتلك الغريزة طامعا مستسلما لتلك الرغبة الملحة والعمياء ، وقد يساعده ذلك العقل علي تلبية تلك الشهوات وتعبيد طرقها ، معظم العقول تكون مطية لتلك الغريزة وتخطط لها ما تريد ، العقل قد يساعد صاحبه على اخفاء ما يفعله لكي يتخلص من المسؤولية القانونية والاجتماعية ، وقد ينجح في ذلك ، العقول تحتاج الي تغذية مستمرة , وتولد القوة العقلية ناقصة وتنمو بالتجربة الانسانية وتغذية العقل بالعلوم والمعارف وتدرك بالعقل قوانين النفس في الأفعال التي تصدر عن الانسان وقوانين الطبيعة لتطور العلوم وتعميق المعرفة الانسانية ، العقل جهاز يعمل بلا عاطفة ، وهو أناني الطبع لا يعرف الرحمة لان معاييره مادية ، وهو يهدي صاحبه الي مصالحه الدنيوية ، وكل العلوم تدرك عن طريق العقل وهو أداتها وهو المخاطب بها ، ادراك العقل لقضاياه تتفاوت في مدي قدرات تلك العقول وهي تخفف الكثير من اندفاعات تلك الغريزة في حالتين : الطمع عند سيطرة الشهوات والحقد عند الغضب ،اما القوة الثالثة التى تمي قوة الخير فى الانسان وتعمق المشاعر الراقية فى الانسان واهمها الرحمة والشعور بالتكافل الانسانى ومحبة كل الاخرين ونبذ الكراهية والبغضاء وكل المظالم والمشاعر الانانية فهي القوة الروحية التى تعمق صلة الانسان بالله تعالى وهبي التى تشد الانسان الى عالمه العلوي السماوى الذى يجد النور فيه , تلك القوة هي الخاصة بالانسان والتى تعبر عن تلك الخصوصية الانسانية ..

اما القوة الروحية في الانسان فهي قادرة على  توجيه الغريزة والامساك بزمامها وتدفعها نحو الخير وتجعلها اداة لخدمة الانسان وتؤثر في القوة العقلية ايضا وتنمي ارادة الخير فيها وتعمق الشعور بالرحمة وتخفف من الشعور بالأنانية والفردية والاستعلاء والغرور ، وهي لاتلغي احدي القوتين الغريزية ولا العقلية وانما تغذي فيهما الشعور الانساني وعاطفة الرحمة ، وهي ليست بديلا عن اَي منهما ولا يمكن الاعتماد عليها وحدها كمنهج للحياة المتطلعة نجو الكمال بكل القوي الانسانية ، ومصدر القوة الروحية امران : الفطرة الصافية وهي عطاء من الله لا يكتسب بالجهد اذا لم يكن موجودا وله بذرته في القلب ، والفطرة كالأرض الخصبة القابلة لكل ما يزرع فيها ، والأمر الثاني هو مجاهدة النفوس وكبح جماحها والتغلب على البهيمية الغريزية ، والمجاهدة منهج تكليفي ومسؤولية انسانية وهي تقوي الارادة و تضعف الاندفاع ا لغريزي في حالتي الشهوة والغضب ، والمجاهدة منهج تربوي إرادي يراد به التوصل للاعتدال السلوكي فى المزاج وسلامة الاختيارات  ، ومعالجة الأمراض النفسية بضدها للتوصل الي الاعتدال ، فالحرارة تعالج بالبرودة والبرودة بالحرارة والشهوات بالتغلب عليها والغضب بكبح جماحه ، وله اثاره في تكوين الشخصية ، وهو كالتوغل في غابة مظلمة تكثر فيها الاشباح وتكبر فيها الاوهام ، وليس مامون العواقب ، والقليل من المجاهدات مفيد للتأمل الروحي ، والكثير منه قد يشعر صاحبه بالسمو والتميز ويقع التركيز علي الذات وتكبر به الانانية وتوهم ما تتطلع اليه النفس من استعدادات وطموحات ، ويكون الانسان بتلك المجاهدات مختلفا عن الآخرين في نظرته للحياة في الإمساك بمقود نفسه ، واكثر رقيا في سلوكه ، كل قوة في الانسان تؤثر في فكر صاحبها ويرتقي وينحدر بها ، ويكون اهتمامه بها اكثر ، التربية النفسية منهج يحتاج الى فهم لطبيعة النفوس وطبيعة القوانين التي تتحكم في الانسان عندما تستولي عليه احد ى قوتيه : الشهوانية او الغضبية. ، لا احد خارج سيطرتهما عليه وخضوعه لإحدي تلك القوتين في لحظات ضعفه الانساني ، ا القوة الشهوانية متحكمة وغالبة في صاحبها ، وتنمو تلك القوة بسرعة في مجتمعات الترف والغفلة والقوة والطغيان ، ومن ابرز اثار القوة الشهوانية الترهل والسطحية والخمول وتفاهة الاهتمامات والشعور بالخوف من المستقبل والشقاء الداخلي وظلمة القلوب وغفلتها ومن اثارها الظاهرة سلوكيات السفه الناتجة عن الشعور بالقوة ، وينتظر هؤلاء سوء المصير في دنياهم ويندمون في وقت متأخر عندما يستيقظون من غفوتهم ، اما القوة الغضبية فتنمو في مجتمعات الشقاء والحرمان والشعور بالقهر والاذلال وتكبر الى ان تصبح بركانا يدمر كل شيئ حوله فلا يبقي شجرا ولا زرعا ، الغضب عاصفة مدمرة تعبر عن احتقان مكبوت قد ينفجر في اَية لحظة ، التربية الروحية تخفف من تلك الاندفاعات الغضبية وقد تتحكم فيها وتوجهها نحو الخير والرحمة فتكون بناءة وعاقلة ، محنة التربية الروحية في أمرين الجهل اولا والوهم ثانيا ، الجهل يقود الي السذاجة في التفكير فتنحدر به كل المفاهيم ، اما الوهم فيؤدي الي الانحراف والضلال في العقائد والافكار ، وبسبب هذين العاملين نمت الباطنية المذهبية والخرافات الناتجة عن الجهل وانتشرت الأساطير في الافكار والثقافات والعادات ، وهذا كثير في تاريخ الفرق والطوائف واتباع الاديان من المتعصبين والجاهلين ، التطرف بجميع مظاهره في الفكر والسلوك وليد اسبابه الاجتماعية والاقتصادية والمحيط الاجتماعي المحبط لكل الامال ، وينمو بقوة في مجتمعات الحرمان والتهميش‏ ، وتلك المجتمعات هي بؤر التوتر وقابلة للانفجار في اَية لحظة عندما تشتد الحرارة فيها ويكبر فيها البؤس وتشتد الفوارق الطبقية والاحقاد الاجتماعية ، وتزول الهيبة من النفوس ويعبر الغاضب عن غضبه بسلوكيات العنف ، وتكبر الرغبة في التمرد دفاعا عن النفس في البداية وتعبيرا عن الحقد في النهاية ، والتطرف احتجاج وتعبير وإدانة وصراخ ، وعندما ينمو ويقاوم يكبر بالتحدي ويكون صلبا وسيؤدي الي العنف بطريقة تدريجية ، وقد أسهمت الاتجاهات الروحية بتشجيع متوفع ممن بيدهم الامر  في التخفيف من اثار الشعور بالحرمان والاحقاد الطبقية عن طريق تعميق ثقافة الصبر وتبرير الظلم الاجتماعي بأدلة واهية  من الاخلاق التقليدية التى تبرر الواقع وتعتبره من  الحكمة التي يجب الرضا بها والتسليم لها ، نلك ثقافة ليست من الدين ولاتعبر عن ثقافته الأصيلة فى مقاومة الظلم  والدفاع عن الحقوق ، والعدالة في توزيع الحقوق واحترام معاييرها  من ثوابت الدين ، والظلم يقاوم بما يدفعه ويخفف منه وهذا من ثوابت الدين التى اوضحت معاييرالحقوق وبخاصة ما ارتبط منها بالحقوق الانسانية ، و غاية القيم الروحية تنمية قيم الخير والرحمة والمحبة وكراهية الظلم والعدوان والعنف ، وهذا مما يحبه الله وتلك هي رسالة الدين في مجتمعه وهذا هو ما يجب التمسك به لكي تتحقق به العدالة والسلم الاجتماعى ..

 

 

( الزيارات : 1٬003 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *