التامل منهج الباحث عن الحق.

كلمات مضيئة..التامل هو بداية الطريق الى الافضل

فى معظم كتاباتى كنت  اؤكد على اهمية الثقة بالعقل لا لانه اليقين , ولكن لانه المنهج الوحيد الذى يجعلنا نتجاوز ما لا يقبله العقل من الاوهام التى تتحكم فى افكارنا , الثقة بالعقل والثقة بالعلم لا بد منهما فى كل ثقافتنما لكي نتمكن من معرفة الصحيح من المزيف مما نؤمن به , ما يرفضه العقل والعلم فلا يمكن الثقة به , واول ما يجب علينا ان نفعله ان نتامل فيما نفكر فيه , ما تجاوز الوحي والنبوة فلا يمكن قبوله الا اذا كان ناتجا عن منهج عقلانى قاد اليه , العقل لا يقود الى اليقين ولكنه الاداة الممكنة للفهم الذى لا شطط فيه , كل ما اتصل بالايمان بالله وبالوحي والقران والنبوة فهو حق , وما عداه من جهد العقول فانه يخضع للتامل فيه فلا يقين فيه , وهو متعدد ومتجدد , ويجب ان نخرجه من دائرة اليقين الى دائرة التامل فيه والتاكد من سلامته , وهذا هو المنهج الذى اعتمده الامام الغزالى فى كتابه المنقذ من الضلال وهو منهج الفيلسوف ديكارت فى بحثه عن اليقين ,  قال الغزالى بانه  لا ثقة بالحواس فقد ترينا ماليس هو الحقيقة , الشك هو الطريق الى اليقين , عندما نشك في كل شيء فاننا نبحث عن اليقين , البداهة الفطرية تشعرنا بالايمان بالله  وهذا هو اليقين وهو كجذر شجرة فى اعماق الفطرة ,قد لاترى ولكنها هي التى تغذى الاغصان ثم تكون الثمار , لا شيء مما نراه بجهد عقولنا  يمكنه ان يكون هو اليقين , احيانا اتساءل هل نحن فى حلم ليل كما يحلم النائمون وقد نفيق يوما ونكتشف اننا كنا فى حلم طويل حسبناه حياة , هذا التداخل الذى نشعر به بين الاجسام والنفوس والعقول يجعلنا نتناقض فيما نفكر فيه وفيما نقوله واحيانا تختلف كتاباتنا وتتناقض لاننا نعبر عما نشعر به فى لحظة ما فى حياتنا , عندما كنت اكتب رسالة كنت احتفظ بها الى اليوم الثانى وفى معظم الاحيان كنت اعيد كتابتها من جديد ,  فما الذى تغير فينا بين يوم واخر , نحن اسرى للحظة نعيشها ونعبر فيها عن قناعتنا ثم يتغير كل شيء  السبب هو انعدام اليقين , ما الذى يثبت لاي احد انه على الحق فيما يراه او يعتقده , عندما نتحرر من المؤثرات نعيد التأمل فى كل شيء لكي نختار ما نؤمن وما يترجح لنا انه الحق , فى رحلة الغزالى كان يبحث عن اليقين الذى لا يقبل الشك , عندما نكتب التاريخ لا نستطيع ان نؤكد  ان الاحداث قد وقعت كما رواها المؤرخون , المنتصرون لا يكتبون الحقيقة ابدا , والمنهزمون لا يكتبون فى العادة ويكتب عنهم اعداؤهم  وقلما ينصفون , لم اصدق يوما كل ما اقرأه من احداث الماضى , كنت افترض كيف تروى الاحداث , الانتصارات والامجاد ليست كما هي فى الحقيقة , لم تكن لى ثقة بما يكتبه المؤرخون,  و كنت اخضع كل ما اسمعه لمعيار العقل والعادة وطبيعة العمران كما يقول ابن خلدون , اهم ما كنت استفيده من تلك المبالغات فيما يروى انها تعبر عن مدى رقي ذلك المجتمع واهتماماته ,كل مجتمع ينتج ما يراه معبرا عنه من الاقوال , كنت اتساءل كيف يمكننا ان نثق بعقولنا ونحن اليوم نقبل ماكنا نرفضه قبل خمسين عاما من الاعراف والتقاليد كيف تغيرت نظرتنا لامورنا لم تعد كما كانت  , تاملت كل ذلك وانا اكتب عن التطور التاريخي للفقه الاسلامى فى كتابي المدخل وكنت اجد ان المدارس الفقهية الاولى قد تاثرت بمجتمعها وكانت مدرسة المدينة ومدرسة العراق و كل فريق كان يرى اليقين فيما اختاره و وكانت مهمة الشافعي ان يجمع بين المدرستين , كل هذا يجعلنا اكثر سعة فى فهمنا واكثر قبولا لكل من خالفنا فى الرأي , تعدد المناهج الاجتهادية امر حتمي , الشك لا يعنى ان نرفض ,  وانما ان نتامل فيما نختاره , عندما نتامل بعيدا عن التقليد والتعصب الاعمى المذموم لا نكره الاخر المخالف لنا , انه باحث عن الحق كما نفعل نحن فلما ذا ننفرد بادعاء الحق دونه , تلك دعوة ليس لا لغاء المذهبية او التقليل من دورها وتجاهل اثرها فى اغناء فقهنا وانما ان نعتمد منهج التجديد فى مناهج البحث فى ظل فهم اعمق لمعنى علوم الدين , نحتاج الى تعميق المنهج العلمي لكي يكون مقنعا ومعبرا عن مدى فهمنا لدور الدين فى حياتنا ولكي ننهض باصوله وثقافته وان تكون المجتمعات الاسلامية اكثر فهما لمعنى الاسلام  وما يريده الله من عباده من سلوكيات الكمال وان تكون المعرفة الايمانية هي الفضيلة التى تجمع كل المؤمنين برسالة الدين .

( الزيارات : 561 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *