الرحلة الى المغرب..

 الرحلة المغربية

 

لم يفكر صاحبنا يوماً أنه سيقضي الجزء الأكبر من حياته في المغرب ،فقد كانت المسافة كبيرة بين المشرق والمغرب ،و كان يطل من نافذة بيته في الكويت على الخليج العربي ، وفجأة أصبح يطل على المحيط الأطلسي من خلال إقامته في الرباط عاصمة المغرب ..

لا يدري ما الذي كان يشده إلى المغرب ، كان صديق دراسته فى دمشق السيد حمزة الكتاني من المغرب ، وكان أستاذه الذي كانت تربطه به صلة صداقة هو السيد المنتصر الكتاني الذي كان يسكن في دمشق ، ويدرس بكلية الشريعة بدمشق ..

لم يكن يتصور أنه سيرتدي الجلباب والسلهام ويضع على رأسه الطربوش الأحمر المخزني ، ويغطيه بجلبابه الأبيض ، ويرفع طرف السلهام على كتفه ، ويحمل جواز سفر مغربي ، ويلتزم بالعادات المخزنية في حياته وسلوكه ..

لم يكن يصدق أن طبق الكسكس سيكون الطبق الرئيس في مائدة يوم الجمعة ، يحبه ويشتاق إليه..

لم يكن يظن أنه سيحب المغرب ذلك الحب الذي يجعلـه يعتز به، ويفتخر بعاداته، ويدرس تاريخه، ويتعرف على خصوصياته، ويشارك المغاربة أفراحهم وأحزانهم، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم..

لم يكن يظن أنه سيدخل كل دار في المغرب ، ويرحب به أجمل ترحيب ، وسيكون لـه أصدقاء في كل مدينة في سوس والشمال والأطلسي وفي دكالة ومراكش وفاس ومكناس ووجده والدار البيضاء .

كان يظن أنه سيغادر المغرب عائداً إلى بلاده عندما تنتهي مهمته التي انتدب لها ، فإذا به يمكث  فى المغرب مدة ربع قرن، ويعلن أمام أسرته أنه لا يستطيع أن يغادر البلد الذي أحبه ..

كان كل الناس يختارون مساراً لهجرتهم من المغرب والمشرق إلى منطقة الخليج ، إلى الكويت والسعودية والإمارات العربية واختار لنفسه مساراً مغايراً لهجرة الآخرين ، وكان مسار رحلته من الكويت إلى المغرب ومن الخليج الى المحيط..

عندما وصل المغرب أحرق سفنه لكيلا يفكر في الإبحار من جديد ، وحذره أصدقاؤه من الندم ونصحوه ، ولكنه اختار ولم يندم قط على هذا الاختيار .

إنها دعوة ملك المغرب ، وملوك المغرب هم أقدم  الملوك وأرسخهم مكانة، وقصورهم قلاع محصنة بقيم أصيلة ، لقد كان صاحبنا شديد الاعتزاز باختيار ملك المغرب له ، ولن يندم أبداً ، وكان يدرك حجم التحديات والصعوبات ، وأن طريقه لن يكون مفروشاً بالورود ، ولابد لـه من أن يدفع ثمن هذه المسؤولية..

إنه رهان حقيقي ، الرهان على القيم ، والتاريخ والحضارة ، قد يخسر المال وقد تفوته المنافع المادية ، ولكنه سيربح ذاته وكرامته .. ويكفيه فخراً أنه جاء لكي يؤدي رسالة علمية مقدسة فى عاصمة الغرب الاسلامي، في عهد ملك عظيم ، أراد لعهده أن يكون عهد نهضة علمية يتحدث التاريخ عنها بإعجاب وتقدير ..

لقد أثقلت المسؤولية كاهلـه ، وكان يعلم أن الرهان متبادل ، وأن ملك المغرب قد راهن عليه لكي ينجح في مهمته ، وأن هذا الرهان يجب أن ينجح أيضاً ، ولذلك فقد كان يعمل ليل نهار .. وبكل طاقته لكي يحقق الهدف الذي جاء لأجلـه .. كان يضيق أحياناً بحملـه ، فيدفعه ذلك إلى مزيد من الجهد والتعب والتضحية ، لكي يرى ملامح الفجر تضيء من بعيد ذلك الأفق المظلم ..

كان الجهد يسعده ، والمشقة تبهجه ، وكان ينتظر ذلك اليوم الذي سيحاسب فيه عما قدّم من إنجازات ، وكان يريد ان يرى ابتسامة الحسن الثاني من بعيد مهنئة ومباركة ، إنها الهدف والغاية .. أليس هذا هو الرهان ، وسيكسب الرهان ..

ومات الحسن الثاني فجأة وعلى غير توقع ، ولم يتمكن صاحبنا من أن يعيد إليه الأمانة وأن يقدم إليه ذلك الجهد الذي امتد لمدة ثلاث وعشرين سنة ، لقد أصبحت دار الحديث الحسنية معلمة ثقافية ومنارة علمية ، لقد أصبحت منارة عهد بعطائها العلمي ، وبعلمائها الذين أضحوا رموز علم وثقافة وفضيلة ، لقد امتلأت المكتبات بمؤلفاتهم وأغنوا المنابر العلمية بمشاركاتهم ، وحققوا النهضة كما أرادها الحسن الثاني لكي يظل المغرب كما كان على امتداد الزمان دار علم وثقافة وإسلام .

أصبح المغرب قلعة علمية بفضل ذلك الجيل الذي تخرج من هذه الدار ، وكان الحسن الثاني فخوراً بهم عندما يتحدثون بمجلسه في الدروس الحسنية .

لم يسمع صاحبنا تلك الكلمة التي كان ينتظرها من الملك الحسن الثانى ، لعل اللـه تعالى أراد أن يكون عملـه خالصاً للـه ، لقد شعر أن مهمته قد انتهت أو أوشكت على الانتهاء ، لقد انتهى عهد وبدأ عهد جديد ، وبعد ثمانية أشهر  من وفاة الملك  سلم الأمانة إلى خلفه ، وغادر هذه المؤسسة ودموع أبناء هذه الدار من أساتذة وطلاب وموظفين تودعه الوداع الأخير ،  لقد استيقظ في أعماقه شعور جديد لم يشعر به من قبل ، إنه شعور بالغربة ، أحس لأول مرة أنه يقف على ضفاف الأطلسي في أقصى بلاد العرب والإسلام ، ولم يعد يشعر بالدفء الذي كان يغمره من قبل ويشعره بالطمأنية والسكون ، احس بالغربة وكانت قاسية عليه ، لقد أدى المهمة التي جاء لأجلها ،وابتدأ عهد جديد ، بملامحه ورجالـه وقيمه واختياراته. 

وابتدأ في أعماقه صوت يناديه :الرحيل الرحيل .. المشرق الذي غادرته قبل ربع قرن يناديك .. لن تشعر بالغربة فيه أبداً ، ستجد الدفء من جديد, دفء الانتماء والاسرة الكبيرة والذكريات، لن تكون في المشرق ضيفاً فى بلدك، ستكون من أبناء الدار ، ستشارك في صنع مجتمعك وأنت جزء منه ..

ولكن .. أنّى لـه أن يغادر المغرب بعد ربع قرن ، عواطفه تشده إلى البقاء ، ذكرياته مازالت حية في أعماقه ، أصدقاؤه مازالوا في قلبه ، أسرته اعتادت حياة المغرب وألفت الحياة فيه .. أولاده لا يعرفون جذورهم في المشرق ، لقد ولدوا في المغرب وأتقنوا لغته وتقاليده ، إنه الاختيار الصعب الذي وقف أمامه حائراً متردداً ..

ما أقسى الحيرة والتردد .. شيء ما يشده إلى المغرب ، لعلـه الحب والوفاء ، والمغرب يستحق ذلك الحب ، شعبه شعب الأصالة والقيم العريقة ..وفي الوقت ذاته .. أرضه تناديه ، ذكريات الطفولة تشده ، وتثير عواطفه ، دفء الانتماء في ليالي الشتاء يدعوه فى كل أمسية إلى الرحيل ..

لقد بدأ العقد السادس من عمره ، وهو العقد الذي يشعر فيه المرء بحاجته إلى دفء الصداقات ودفء المجالس ودفء الذكريات .. صغرت أسرته في المغرب ، واقتصرت على أسرته الصغيرة .. وأسرته في بلده ممتدة عبر الجبال والوديان .. إنه يملك الكثير مما يشده الى بلده .. فهناك الأصدقاء والأقرباء ، وهناك ذلك التاريخ العريض من المواقف والذكريات ، هنالك الجذور الراسخة في أعماق الأرض ، لقد غاب أربعين سنة ومازالت جذوره حية قوية ممتدة راسخة ..

إنه الثمن الكبير الذي يدفعه الطامحون في سن الشباب ، إنه الجموح الذي سرعان ما يصبح عبئاً على صاحبه .. ما أقسى لحظات اليقظة ، عندما يكتشف الإنسان أن الحلم قد توقف ، وعليه أن ينهض من فراشه لكي يواجه الحقيقة .

لقد استسلم صاحبنا لإرادة اللـه ، إنه واثق أن اللـه تعالى يتولاه بالحفظ والرعاية والتسديد ، وسيوجه الله قلبه إلى المكان الذى اختاره اللـه لـه ..وعندما تتوجه القلوب بأمر اللـه الى حيث يريده الله فسوف تنفذ الحواس ما أمرت به ..ولن يختار اللـه لـه إلا الخير كما اعتاد أن يسلم أمره للـه .. وهو راض بهذا الاختيار ، ففي اختيار اللـه يكون التسديد والتوفيق ، وعندما يختار لنفسه سوف يسند الأمر إليه ، وفي هذا ما يثقل كاهلـه ..

تفتحت أبواب ، وغلقت أبواب ، ولا يدري أين المصير .. إنه يقف على منعطف ، ولن يختار ، سيختار اللـه لـه ما يشاء حيث تكون الحكمة والتسديد .. فما اختار لنفسه يوماً ، ولن يختار ، فالخير فيما اختاره اللـه لـه ..وليس هذا هو أول منعطف ، ففي حياته منعطفات ، وكان اختيار اللـه لـه هو الأفضل ، حيث يوجهه اللـه وتطمئن نفسه باختيار اللـه ..

بالأمس القريب جاء إلى المغرب ، وما كان ذلك باختياره ، فقد شرح اللـه الصدور لهذا الطريق ، وامتدت الإقامة لمدة ربع قرن وما حسب أنها ستطول ، واليوم يقف على نفس المنعطف ، مسلماً أمره للـه ، لا يغالب القدر ، وينتظر الضوء الأخضر ، واللـه هو المريد ..

لم يكن صاحبنا يعرف الكثير عن المغرب ، ذكريات قديمة مازالت تذكره بهذا البلد الذي يمثل الضفة الأبعد للوطن العربي ، المغرب في الذاكرة الشامية بلد إسلامي عريق ، شديد التمسك بالقيم الإسلامية ، يشتهر أهلـه بالكرم والشجاعة ،وكان الجندي المغربي معروفاً بشجاعته وإقدامه ، وكانت الشخصية المغربية معروفة بخصوصياتها الذاتية ، في الملبس والمائدة والتقاليد الأسرية ..

وتحظى الشخصية المغربية لدى المشارقة باحترام كبير ، وكانت الأسر المغربية التي هاجرت إلى بلاد الشام تحظى باحترام المجتمع الشامي وحبه وتقديره ، واشتهر المغرب باستقرار نظامه السياسي وبمكانة الأسرة العلوية الشريفة التي تحكم المغرب منذ أكثر من ثلاثة قرون ، ومازال تاريخ المغرب يحظى بتقدير الباحثين ، نظراً للدور الذي قام به المغرب للدفاع عن الإسلام والثقافة الإسلامية على امتداد التاريخ الإسلامي .

ففي المغرب تاريخ عريق وأصالة متوارثة وشعب يتحلى بقيم أصيلة ، وملوك اشتهروا بمكانتهم وسيرتهم وكفاحهم وانتصاراتهم ، ومازال تاريخ المرابطين والموحدين في الذاكرة الشعبية كرموز للكرامة والمجد والقوة ..وكان المغاربة يعرفون عن المشرق أكثر مما يعرف المشارقة عن المغرب ، ويضايقهم ذلك ، ويعتبرون ذلك تجاهلاً لمكانتهم ، والأمر ليس كذلك ، فالمغرب يملك الكثير من المكانة في الذاكرة المشرقية .

واشتهرت الشخصية المغربية بالعلم والتقى والصلاح والغيرة على القيم الأصيلة ، ومن اليسير أن تجد المغربي يعرف الكثير عن تاريخ المغرب وعلمائه وكتابات المغاربة ومصنفاتهم التي اشتهرت في المشرق ، وبخاصة ما يتعلق منها بالتفسير والحديث والسيرة والتصوف ، والمغربي شديد التعلق بالتاريخ وواسع المعرفة بالرجال من علماء وملوك ، وتاريخ الحروب والمواقع ، والمغربي يحسن الحفظ والرواية ، وبخاصة رواية الحديث ويفخر بذلك ، ومازالت روايات الحديث عن الرسول صلى اللـه عليه وسلم قائمة ، ومازال بعضهم يفخر بما يملكه من الأسانيد العالية ..

والأسر التي اشتهرت في المغرب وحظيت بمكانة متميزة في المجتمع هي الأسر التي اشتهر رجالها بالعلم ، مثل أسرة الفاسي والكتاني وابن سوده بمدينة فاس ، أو التي اشتهرت بشرف انتمائها إلى النبي صلى اللـه عليه وسلم كالأسرة العلوية والأسر التي انحدرت من الأسرة الإدريسية مثل أسرة الوزاني والعلمي والكتاني والادريسى..ومازالت الأسر الشريفة تحظى بمكانة اجتماعية متميزة ورفيعة ، ويفخر الأشراف بهذا الانتماء ، ومازالت أضرحة الأولياء والصالحين مزارات مقدسة يقصدها الزوار في المواسم ، وبخاصة ضريح المولى ادريس في زرهون وضريح المولى ادريس الثاني في فاس ، وعشرات المقامات في كل مدينة من المدن المغربية .

والأعياد الإسلامية في المغرب مقدسة ، وهي أعياد لها تقاليدها المحترمة ، وبخاصة في رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد المولد النبوي . ولابد من احترام هذه التقاليد الشعبية وبخاصة بالنسبة للأضحية في عيد الأضحى التي تحظى بقدسية عجيبة ، ولابد لكل أسرة من شراء كبش العيد في طقوس جميلة ، كما يحتفل المغاربة كلهم بالعقيقة في يوم السابع من الولادة ..

ويشارك الملك شعبه في هذه التقاليد ، ويحرص القصر على احترام هذه العادات ، ويذبح الملك لنفسه أضحية العيد بيده بعد صلاة العيد وبحضور الوزراء والسفراء  وكبار رجال الدولة. ..ولشهر رمضان تقاليده في الطعام والحلوى والأطباق الرمضانية كالحريرة وأنواع خاصة من الحلوى، ولا يقبل المغربي التفريط في هذه التقاليد ، فهي جزء من تاريخه وهي امتداد لشخصيته ..

والتاريخ المغربي مقروء ومحفوظ في الصدور ، وكل مغربي يعرف تاريخه بطريقة مفصلة ويعرف أسماء الدول وأسماء الملوك والمواقع والحروب ، كما يعرف جيداً تاريخ المساجد والمتاحف الأثرية والخزانات ، والآثار القديمة ، ويفخر بهذه الثقافة ، كما يفخر بمعاهده الدينية ، وبخاصة في منطقة سوس الجنوبية التي تكثر فيها المعاهد الشرعية ، ويحفظ فيها القرآن والحديث والمتون ويحظى العلماء بمكانة الاحترام وبخاصة في منطقة سوس العريقة التي تجد فيها المغرب الاصيل بملامحه وقيمه وثقافته ..

والمخزن في المغرب يراد به سلطةالملك وتقاليد القصر ، وتستعمل لفظة المخزن للدلالة على تلك التقاليد،ويقال ، التقاليد المخزنية وسياسة المخزن واللباس المخزني وأسلوب المخزن وأسلوب الإدارة المخزنية ..

ولفظة المخزن محترمة ، وظهرت في الأيام الأخيرة لهجة جديدة لانتقاد السياسة المخزنية في محاولة لتجديد العادات وتحديثها ، وبخاصة بالنسبة للمؤسسة الملكية ..

والملك في المغرب يحظى بالاحترام الكبير ، ولـه مكانة في القلوب ، قد تنتقد بعض المواقف الحكومية , ولكن الملك يظل بالنسبة للمغرب الرمز الكبير الذي تتجه الأنظار إليه لقيادة البلد ، وهو مطاع نظراً لصفته الدينية ، وهو رمز ديني تطاع أوامره ، ويحتكم إليه ..

ولا يقبل المغاربة أن ينتقد الملك مهما كانت الظروف ، قد يسمحون لأنفسهم بنقد بلدهم ، ولكن لا يسمحون لغيرهم بنقده ولو بحق ، ويعتبرون ذلك إساءة للمغرب ، وأوامر الملك مطاعة ، ويستطيع الملك أن يقود شعبه في أي وقت, وأن يوجهه حيث يريد ، في حرب أو سلام ، وهذا تلاحم يعبر عن الثقة المبتادلة بين الشعب والملك ، ولا تستطيع أي قوة أو عصبية أو حزب أن تواجه قوة الملك ، فالملك هو الفريق الأقوى القادر على التحكم في القوى الأخرى ، وهو اللاعب الأهم والأقوى في التوازنات الداخلية ، نظراً لقوة الملكية ورسوخها في النفوس وحاجة المغرب كلـه لها كعامل من أهم عوامل الاستقرار السياسي والوحدة الترابية .

في عام 1970 استقر صاحبنا في الكويت ، كأستاذ بكلية الحقوق والشريعة بجامعة الكويت ، وكان قبل ذلك في الرياض بجامعة الإمام ثم بجامعة الملك سعود ، وهناك كانت بداية رحلته في التدريس بعد أن أنهى دراسته في القاهرة ، واختار الكويت لما كانت تتمتع به جامعتها من شهرة ومكانة في الأوساط الأكاديمية ، وللبيئة العلمية والثقافية التي كانت سائدة في الكويت ، واستطاعت الجامعة أن تستقطب أبرز الكفاءات العربية ، وأن توفر الحرية الكاملة للباحثين ، وفي الكويت اكتسب صاحبنا تجربة علمية واسعة وتعرف على أفضل الأساتذة في العالم العربي ، ومن الكفاءات التي كانت مهاجرة إلى بلاد الغرب وجامعات أمريكا ..

وفي الكويت كتب صاحبنا أفضل مؤلفاته ، فقد كان التشجيع على البحث كبيراً ، وكانت المنافسة على أشدها بين الباحثين ، وكانت مشاركاته واسعة في النشاط العلمي ، محاضرات وندوات ومؤتمرات ولجان علمية ، ومَّثل الكويت في بعض المؤتمرات الدولية ، كما شارك من خلال وسائل الإعلام في الحركة الثقافية .

كان صاحبنا سعيداً بهذا النشاط المتجدد ، وسعيداً بحياته في الكويت التي كانت المنافسة قوية على العمل بجامعتها ، وأعد نفسه لاستقرار طويل ، وارتبط بعلاقات صداقة ومودة مع عدد كبير من أبناء الكويت وأبناء الجاليات العربية فى الكويت..

وفي عام 1972 انعقد مؤتمر لوزراء الأوقاف في الدول العربية ، وشارك في الوفد الكويتي الذي مثّل الكويت  في هذا المؤتمر الذي انعقد بالكويت ، وحضر حفلة افتتاح هذا المؤتمر ، وتعاقب وزراء الأوقاف على المنصة يلقون كلمات بلادهم ، وتقدم الوزير المغربي لإلقاء كلمته ، كان يلبس البدلة الأوربية ويضع على رأسه الطربوش الأحمر ،و كان رجلاً رزيناً تدل كلمته و ملامحه على مكانة الرجل العلمية وتجربته السياسية وألقى كلمة موفقة وشجاعة وحظيت بإعجاب الحاضرين ..

وفي اليوم الثاني شارك صاحبنا في إحدى اللجان ، ووقع حوار بينه وبين الوزير المغربي حول القضايا المطروحة للحوار ، وبعد الجلسة طلب الوزير من صاحبنا أن يجتمع به في مساء ذلك اليوم ، وهناك وقع التعارف وأخذ الوزير الشيخ محمد مكي الناصري الذي كان يشغل وزارة الأوقاف والثقافة يحدث صاحبنا عن المغرب وعن تاريخه وحضارته وثقافته ، وعن الملك الحسن الثاني وتاريخ الأسرة العلوية الحاكمة، وعن تطلعات الملك لإحداث نهضة علمية في المغرب ..

وانتهى اللقاء بعد حوارفكري ممتع، وبعد بضعة اشهر تلقى صاحبنا برقية من الوزير يدعوه فيها باسم جلالة الملك للمشاركة في الدروس الحسنية التي تعقد خلال شهر رمضان من كل عام في رحاب القصر الملكي والتى يرأسها الملك فى كل مساء ..


 

( الزيارات : 1٬807 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *