السيد النبهان..مرحلة التكوين

ذاكرة الايام ..السيد النبهان .. مرحلة التكوين

صاحبت السيد النبهان طيب الله ثراه  مدة ربع قرن ، عشرسنوات منها كنت قريبا منهً جدا وهي السنوات التى بدأت منذ الطفولة  الاولى  الى العام الذى غادرت فيه حلب الى دمشق وهي المرحلة الجامعية الاولى ، كنت معه في كل مجالسه الخاصة والعامة وفى كل اسفاره ولم اكن افارقه ابدا وكان الجد والمربى والصديق الذى يعرف كل اخبارى ويتابع كل مراحل تربيتى الاولى وتعليمي ، وسمعت منه كل احاديثه. ، واصبحت اعرف كل اقواله ومواقفه واصدقاءه ، كنت اقوم باستقبال كل ضيوفه في منزله في كل يومً، واحضر كل المجالس واقدم لهم الشاي وكان الكل يعرفنى كطفل واحظى بمكانتى فى قلبه,  و.كان يوقظني قبل الفجر بنفسه وأنهض مسرعا ، وكان يناديني باسمي مرة واحدة فانهض سريعا ولا يحتاج لاكثر من كلمة نداء واحدة. ، كنت احبه واطيعه  وافعل ما يريد , ولا اذكر اننى خالفته فى أي امر محبة لا خوفا , وكنت. اتوضأ واصلي معه صلاة قيام الليل فى كل صبح ,  وكانت من اجمل اللحظات. في حياتي ، وكنت اجلس بعدها الي جانبه علي سجادة الصلاة ويشعرني بالمحبة. والانس والرعاية. ، وكان ينتظر اذان الفجر ، وعندها يؤذن، بصوت مسموع داخل الغرفة واصلي السنّة , ثم الفرض ثم الادعية والدعاء ، وبعدها يجلس لقراءة القران الكريم. بصوت عال وكنت اجلس الي جانبه  بعد الصلاة , وكان يقرأ احيانا. من تفسير الجلالين بعض  معانى الكلمات والمفردات التي تحتاج الي تفسير وبيان ، وكنت انصت لقراءته وشرحه. وكانه كان يشرح لي ولمن كان يحضر من الاسرة ذلك . وكان يجلس. علي سجادة الصلاة البيضاء المعهودة الي طلوع الشمش ، وبعدها يصلي الضحي ثم ينام ، وكنت اذهب الي المدرسة الشعبانية الشرعية التي كانت الدراسة فيها. تبتدئ. منذ السابعة صباحا الي الحادية عشرة ، وينتهي كل شيئ قبل الظهر ، واعود الي البيت واصلي الظهر معه وبقية الصلوات ، كنت اصلي معه الصلوات الخمس ، لمدة عشر سنوات وكنت اقف الي جانبه في الصلاة، وتقف نساء الاسرة خلفه ، وكان يفطر عند العاشرة صباحا ، ويتناول الوجبة الثانية بعد العصر في البيت  ، واحيانا يؤخرها الي ما بعد المغرب عندما يكون مدعوا لمنزل احد اخوانه ، وكنت ار افقه في كل تلك الزيارات الخاصة والعامة ومنها زيارة المرضى ، وأحيانا تمتد تلك المجالس الي ما بعد منتصف الليل ، و يعود الي البيت لكي يصلي الفجر في موعده ، وكان يستقبل كل الزائرين في الفترة ما بين الظهر والمغرب ، ويستقبل كل زائر. من غير موعد وكان لا يرد احدا ، وكنت اتكفل باستقبال الضيوف ، وتقديم الشاي لهم وكنت اتحدث معهم. وانزلهم مكانتهم من التكريم. ، ولَم يكن يقدم غير الشاي ، ولَم يكن يحب القهوة ، ولَم اره يشربها ابدا ، ولَم تكن معتادة في مجالسه ، وكان بهتم جدا بالشاي الاحمر ، جودة واعدادا ، ويجد لذته فيه ، ويشربه عدةً مرات في اليَوْمَ في كاسات صغيرة وانيقة مع قطع. الليمون ، ولَم يكن يحب ان يشرب الشاي في الاكواب الكبيرة ، كان يستمع بالشاي جدا ، وكانت مجا لسه مجالس مذاكرة مستمرة لاتتوقف ولا شيئ من امور الدنيا فيها وكان يضيق باي حديث فى السياسة او التجارة او اخبار الناس ، كانت مجالس دافئة بروحيتها الايمانية ، ولا اهتمام لديه بغيرها والكل ينصت بادب وخشوع. ولَم اجد مثيلا لتلك المجالس الروحية.  الدافئة ,  وكان حديثه عن الله تعالي والتذكير به وبيان فضله مستشهدا بالقران الكريم والتاكيد عن عبدية الانسان ومرتبة العبودية بكل ماتتطلبه من الطاعة والمحبة والادب مع الله ، كما يتحدث. عن الحقيقة المحمدية. كمرتبة في الوجود تمثل الكمال, ، لم يكن يتحدث عن الاحكام الفقهية ، تلك مهمة الفقهاء ، وكان يحترم اجتهاداتهم كما هي ، ويإخذ منها بما ترجح له مالم يثبت له خلافها ، وكان شديد الادب مع الاختلافات الفقهية والمذاهب. الاخرى , ولم اره يوما ينتقد أي مذهب او طائف هاو يقلل من شانها ، وكان يحترم كل الرموز العلمية من الفقهاء ورموز الصوفية الكبار ، كان يعرض عن الجدليات ولا يحبها فى مجالسه ، ولا تعنيه قضاياها الفكرية. ، لم يكن متعصبا لمذهب بالرغم من شافعيته ويحترم كل المذاهب ويشيد بجهدهم في خدمة الفقه الاسلامي ، وكان اهم ما يركز عليه هو الادب مع الله تعالي والادب مع رسوله,,  كان مقلدا ولَم يكن مجتهدا ، ولم يدع ذلك  ولو كانت له اختيارات خاصة به  خالف بها   المذهب  وقد. ينفرد برإي مخالف لمذهبه في فرع من الفروع دون ان ينكره علي قائله ، كان يركز علي اهمية الادب مع الله والقيام بحقه وعد التدخل فيما اختص الله به من امر العباد ، وكان يتحدث عن طبيعة النفس البشرية كما هي عليه ومراتب النفس والعقل والروح ويحض على مخالفة النفس وعدم الاستجابة لها ، احيانا كان يتحدث عن تجربته الروحية في المجاهدات الروحية، ويصف اثر ذلك في نفسه ، كانت اهتماماته مختلفة عن كل الاخرين ، لا شيئ كان يثير اهتمامه من امر دنياه ابدا ، وكانها لا شيئ ، كانً كبير المواقف عميق الفهم راسخ الايمان ، لا شيئ من امر دنياه يثير اهتمامه ولا من امر المال ، تأثرت يه من غير تكلف ، ما كان يفعله كنت افعله بطريقة عفوية ، ومالا يفعله كنت لا افعله من غير تكلف ايضا ، هناك الكثير مما وجدت نفسي لا اهتم به فيما بعد لان السيد النبهان. لم يكن يفعله من الاهتمامات والاعراف والتقاليد ، وبخاصة من الاعراف الدينية المألوفة عند عامة الناس ، كان صوفي النزعه والتكوين , ولكنه لم يكن كالصوفية الاخرين ، صوفيته بغير طقوس ، لم اجده يوما يحمل المسبحة بيده ، ولا يتحدث بلغة الارقام والاعداد ، ولا بلغة الثواب والعقاب لاجل زيادة الاجر ولا بلغةً الطمع في الجنة والخوف من النار ، ولا بالطرقية والاوراد ، والوجدانيات والانشاد الديني والاحوال. المتكلفة. ، لم يكن ينكر ذلك ولكن كل ذلك  لم يثر اهتمامه في مجالسه ، ولَم تثر اهتمامه خوارق العادات كما كان يتحدث عنها ويصفها ، ولا دلالة لها في نظر الدين الا بالاستقامة ، ولَم يتحدث عن طرق الصوفية وما انفردت به كل طريقة والتنافس  في المشيخات. الصوفية ولَم يكن يحب ذلك ، كان يقول : طريقتي محمدية , وهو الاتباع، ما ثبت لدي عن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم اخذت به وما لم يثبت تركته ، وهذه هي طريقتي ، وكان ينكر ما عليه شيوخ التصوف من غفلة. في مجالس الذكر والاهتمام بالكرامات والشطحات والمجاذيب ، كان يرى ان مجالس الذكر بادبها مع الله ، ومالا ادب فيه فلا ثمرة له، تعلمت الكثير منه ، وتأثرت. بافكاره وتربيته ، وكنت اجد الكثير من جذور الافكار التي اسجلها من تلك الطفولة الاولي في صحبة السيد النبهان ، كان مدرسة حقيقية ، تمثل الاعتدال ورقي الفهم وسمو الاهتمامات ، كنت اجد في شخصيته شموخ العلم ورقي الادب ، وقد تعلمت شموخ العلم من تلك التربية الاولي التي جمعت بين العقلانية الملتزمة والروحية البعيد ة عن السذاجة التقليدية. في كل مظاهرها ، هناك الكثير من المسلمات منً منطلق الثقافة الدينية لم اعتد عليها كما كانت عليه في مجتمعها ، وفقدت الكثير من الاعراف فدسيتها الدينية في نفسي لانها ليست من الاصول الاسلامية وقد تكون مناقضة  للاصول الايمانية ، ولو كانت واسعة الانتشار ، وتعلمت منه الا انكر ما لا اراه ، واتركه لمن اخذ به ادبا مع كل الاخرين ، واري ان هذا المنهج يعبر عن السعة في الفهم ان تحترم كل اختيارات الاخرين ، وقد ساعدتني هذه الصفة. ان اقبل الاخر كما هو وان افهمه ، لم اكن ادرك اهمية كل ذلك  الا فيما بعد ، ليس من الضرور ي أن تنكر علي من خالفك في الرأي ، عندما تفهمه فانت سوف تقبله كما هو ، لا اشك ان تلك الحقبة كانت مهمة في حياتي الاولي ، لانني تعلمت فيها الكثير من غير تكلف ، لم اشعر باثر ذلك في حياتي الاولي ، فيما بعد شعرت باثر ذلك ، واهم ما استفدت منه هو مصاحبة الكبار من الرموز والاقتراب منهم ، ومعرفة الكثير عنهم ، كنت ار اهم خلال زيارتهم للسيد النبهان ، واسمع منهم ، واستمرت تلك الصلة فيما بعد تشعرني باحترام تلك الشخصيات الكبيرة ، ما زلت حتي اليَوْمَ استعيد الكثير من المواقف التي صادفتها والكثير من الذكريات. التي استفيد منها ، واعترف ان ما تعلمته من الحياة نفسها اكثر بكثير مما تعلمته من الكتب ومن المحاضرات الغلمية والدروس التلقينية,,

( الزيارات : 461 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *