الشر ليس اصيلا فى النفس

لا شيء يوجد من عدم ، وهذه نظريةٌ علميّةٌ ، والأصل في الإنسان النقاء والصفاء والطهارة ، وهي الفطرة الأصلية ، ولا يمكن للفطرة أن تكون منحرفةً أو مريضةً ، والأصل في البدن الصحة ، والمرض عارضٌ يأتي من وجود أسبابٍ أدت إليه ، فإذا عولجت الأمراض قبل أن تتمكن عاد البدن إلى صحته ، وكلّ العوارض المرضيّة تحدث بسبب خللٍ طارئ في الولادة أو الطفولة أو الشباب .

والاستعداد للخير هو الأساس في تكوين الفطرة ، بشرط أن تتوفر أسباب هذا الاستعداد لكي يترسخ ويقوى وينمو ، والاستعداد للشرّ عارضٌ مرضي ، إذا لم تعالج أسبابه فسوف يترسخ ويقوى وينمو ، ويصبح سلوكاً أصيلاً في حياة صاحبه ، والبيئة النظيفة تولّد الظروف النفسية لتكوين شخصيات سوية ، والثقافة السليمة تنمّي هذه الشخصيات وتزوّدها بالمعرفة فتزداد رسوخاً وقوة ، والتربية السليمةُ تُسهِم في توجيه الاستعدادات السليمة نحو الأفعال الصالحة والمفيدة ، والابتعاد والنفور من الأفعال السيئة ، والتعلق بالكمال وحب الكمال والخجل من كلّ فعل لا يعبِّرُ عن الكمال ، ولا يرضى هؤلاء أن تُنسَب إليهم أفعال قبيحةٌ أو سيئةٌ ، ومن أحبّ الكمال فإنه يفعله لا طمعاً في أجر ومنفعة ، ولا خوفاً من عقوبة يتوقعها ، وإنما يفعل الكمال خجلاً من أن يفعله غيره ، وهذا شأن الكبار ، أما الصغار فلا يخجلون من فعل النقائص ، وفي بعض المجتمعات المتخلفة يفخر بعض الناس بالنقائص فيعتدي ويظلم ويكذب ويغدر ويأخذ الرشوة ، ويعتبر ذلك من الذكاء والدهاء وهو دليل قوة وسيطرة .

والمجتمعُ غيرُ النظيفِ والمتخلفُ في مفاهيمِهِ والغارقُ في جهالتِهِ قد يُعجب بهذه السلوكيات ويُشيدُ بها ويَرفَعُ من مكانةِ رموزِها ويشفق على أولئك الذين يتمسكون بالفضائل .

فالشرّ لا يوجد من عدم وإنما يوجد بسعي الإنسان وبالسلوكيات التي تنمي بذرة الشرّ في النفس البشرية ، وأهمها سببان :

الطمع والحقد فالطمع يولد الحقد فمن طَمِعَ في مالِكَ أو حقِّكَ فمن الطبيعيِ أن تحقدَ عليه ، والحقد هو الخطوة الأولى لكلّ الجرائم والشرور ، ولا حدود لأثر الحقد في زرع الاستعداد للجريمة ، والطمع والحقد أهم غريزتين في الإنسان ، فالطمع وليد القوة الشهوانية والحقد وليد القوة الغضبية ، فالطمع إذا رافقته القوة كان أداةً للاعتداء على الحقوق وظلم القوي للضعيف ، وهذا السلوك سيؤدي حتماً إلى حقد الطرف المعتدى عليه ، والذي يشعر بالظلم يقوي الحقد في نفسه إلى أن يسيطر على الخواطر ويدفع صاحبه إلى الانتقام بكلّ الوسائل ، ولا علاج لهذا الاستعداد والسلوك إلا بإزالة الأسباب المؤدية إلى هذه الحالة النفسيّة ، وهي التربية السليمة أولاً ، ووجود الوازع الديني ثانياً ، والرادع العقابي العادل ثالثاً ، وعندما يُزال الخلل من المجتمع يستقيم الأمر وتستقر النفوس .

 

( الزيارات : 1٬533 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *