كلمات مضيئة ..الصوفية التى نحتاجها
شغلت التربية الصوفية الكثير من اهتمامى , وكنت اجد فيها الكثير من الافكار والمعانى التى تستحق ان يقع الاهتمام بها , وهي ذات دلالات ايمانية راقية , وهي فى نفس الوقت منهج تربوى روحي فى اعلى درجات الرقي الاخلاقى , وهناك الكثير مما اعتاده العامة مما لا اجد له اية دلالة تربوية او روحية , وهو ما اعتاد بعض المنتمين الى الصوفية ان يرددوه فيما يكتبون , او يتخاطبون به فى مجالسهم , وقد لا حظت ان معظم من ادعى التصوف كان يجهل حقيقة التصوف , التصوف منهج معرفي يعتمد على ركنين العلم باصول العقيدة والشريعة والالتزام الكلى بكل ادابها فى الفكر والخواطر والسلوك , ومن علامة اهل التصوف انهم لا تشغلهم الدنيا ولا يبحثون عن ملذاتها, وياخذون بكل الاسباب من غير تواكل او اهمال , وهم صادقون فيما يدعون , فمن حسن التزامه بالشريعة وعمل بكل ادابها من غير تفريط باي عمل من الاعمال انتقل من الاعمال الى الاحوال , ومن لم يصحح الاعمال فلا يصدق فيما يدعيه من الاحوال , ولا يصح العمل الا بالعلم , فمن جهل الاصول استخف بها وتجاوزها , وتوهم انه على صواب , وزاد وهمه فى نفسه وزاد غروره , وكان من المحجوبين والغافلين , وهذه هي محنة الصوفية المعاصرة التى انحرفت عن منهج الصوفية الحقة , الصادقون قلة نادرة ويتفاضلون , ومما لاحظته ان الوهم يكبر لدى كثير من الصالحين ويظنون انهم على شيء من الفهم وينسبون لانفسهم من الاوصاف والاحوال ماليس فيهم , يريدون بذلك الحصول على الدنيا عن طريق التقرب من العامة لاستجلاب محبتهم , هذه ليست صوفية محببة ولا ممدوحة , الصوفية حبة قمح مباركة اذا زرعت فى ارض خصبة اثمرت واعطت , وكانت لسنابلها رائحة عطرة تفوح بالرحمة والايثار ومحبة كل الاخرين , الصوفي الحق لا يكره ولا ينتقم ولا يحقد ولا يظلم ولا يطمع فيما يطمع فيه غيره , انه قريب من كل المستضعفين ويتسع صدره لكل الامهم وجراحهم , الصوفي الحق يمسك بيد كل المذنبين ويمدهم بالامل ويريهم الشعلة وهي تضيء لهم طريقهم فى ظلمة ليلهم , التصوف ليس مهنة وليس مطية , وليس احوالا متكلفة وطقوسا لادلالة لها تبررها ولا ثمرة مستلذة , ادعاء الكرامات جهل واساءة للادب وعبث فى مفاهيم الدين وسذاجة غير مستحبة , الكرامة هي الصدق فى الاستقامة , اما خوارق العادات فلا دلالة لها فى الدين وان صدقت وقلما تكون صادقة , التصوف فهم عميق لمعنى الدين , وهو منهج معرفى يساعد على فهم الكون واستكشاف قوانين الحياة التى عجزت العقول عن فهم اسرارها , احوال واذواق يعبر عنها اصحابها بكلمات وايماءات واشارات , انفعالات صادقة وفى الغالب متوهمة ومتكلفة , وهي تنسب لاصحابها ولا تعنى انها حق وصدق , من كان من اهل العلم و التقوى والصفاء ادرك شيئا من النور فيما يلهمه , ومن كان من اهل الجهل والاهواء سيطرت عليه وساوسه الخاصة به , وتراءت له الاشياء الكونية على غير ماهي عليه , وكان فيما يدعيه من الاحوال والافكار من العابثين الذى ضلوا الطريق وهم يتوهمون , لسنا بحاجة لذلك الجموح فى الفهم والتفسير والتاويل , فمن اثمرت صوفيته رحمة واستقامة ونزاهة ومحبة وادبا وعفة وحكمة فهذا من الصالحين الذين اثمرت صوفيتهم خيرا , الصوفية لاجل الحياة , فمن ارادها انعزالا عن الخلق واماتة للغرائز ورهبنة وسلبية واتكالا وقعودا عن الاسباب فهذا خياره ولا يتجاوزه , ولا يعتد به ولا يعتبر من الكمال ولا يحتج به فى مجتمع اهل الكمال على الكمال , من اراد الله فالطريق اليه سالكة معبدة لا يضل من ارادها , ومن علائمها ان يكون السالكون فيها ممن يلتزمون بادب الرحلة الى الله لا يلتفتون يمنة او يسرة ولا يعبثون ولا يفسدون ..
اترك تعليقاً