العقل والقلب …منهجان للمعرفة

كلمات مضيئة..العقل والقلب منهجان للمعرفة

لا يمكننى ان اخفي اعجابى بالامام الغزالى , وقلما يتملكنى هذا الشعور , احيانا تشدنى فكرة من الافكار انفرد بها صاحبها ثم  اجد بعدها من الافكار ما اتردد فى قبوله , اما الغزالى فكلما قرات له ازداد اعجابا به وتقديرا فقد كان حجة الاسلام بحق , وكان له منهج متكامل , وكان يحسن التعبير عنه فى لغته الراقية المميزة , لم يستخدم تلك المصطلحات المتكلفة ولا اسلوب المبالغات , كان واضح العبارة والبيان , وكان من اليسير عليه ان يشرح ادق افكاره بلغة راقية لا تعقيد فيها ولا غموض , كنت استمتع وانا اقرا افكاره , لقد تكلم عن اهم افكاره الفلسفية وكانه يكتب رواية ادبية محببة , كتبت عدة ابحاث علمية عنه ومن ابرزها مفهوم اليقين كما القيت عدة محاضرات فن منهجيته فى التربية النفسية , فى كتابه احياء علوم الدين كتب اهم افكاره فى المعرفة والعقل والنفس والقلب والادب ومفهوم الظاهر والباطن كما تكلم عن العلم والتربية , كان دقيق العبارة مشرق الاسلوب , وكل كلمة من هذه الكلمات تحتاج الى كتاب مستقل , كنت اتمنى ان اكون قد اطلعت على كتابه فى الاصول وهو كتاب المستصفى الذى لحصه الفيلسوف ابن رشد , كنت اريد ان اطلع على ارائه فى التكليف والمكلف وفى الدلالات اللفظية , تلك موضوعات مهمة لفهم النصوص , وتفسير النصوص من اهم الموضوعات , وكنت تكلمت عنها فى احد دروسى الحسنية , هناك بحث انفرد به الغزالى وهو موضوع القلب كمصدر للمعرفة الالهامية , كما فرق بين العقل والقلب , لقلب فى نظره يطلق على القلب المعروف كما يطلق على اللطيفة الربانية الروحية وتلك حقيقة الانسان وهو الذى يعلم سر الروح , والروح كالسراج ونور السراج يسرى فى زوايا البيت وسريات الروح فى قلب الانسان كسريان النور فى البيت كله , القلب ليس هو العقل وليس هو النفس , اما العقل فيطلق على اربعة معان اولها هو الوصف الذي يفارق به الانسان الحيوان , وهو القوة التى يدرك بها الاشياء النظرية من المعارف,  والمعنى الثانى للعقل هو ادراك المعقولات المنطقية التى يدركها الاطفال وهو استحالة الاشياء المستحيلة كوجود الانسان فى مكانين فى وقت واحد , والمعنى الثالث هو ادراك العلوم المستفادة من التجربة والتكرار كتمدد الحديد فى النار وهو قانون السببية عند الفلاسفة , والمعنى الرابع هو معرفة عواقب الامور فالانسان لا يقدم على عمل يندم عليه من الشهوات والملذات , فالعاقل يتجنب اي فعل خاطئ لئلا يندم عليه , لم اجد بين الفلاسفة الذين ينادون بسلطان العقل وجوب الاعتماد عليه والثقة بادراكاته من يفرق هذا التفريق الدقيق لمفهوم العقل , كل هذه المفاهيم العقلية اداتها الحواس الظاهرة , والحواس والمشاعر وكل مافى الذاكرة وكل مافى اللاوعي من الذكريات والمؤثرات تؤثر فى العقل وتجعل ما تراه العقول صورة لما هو موجود فى الداخل , كل الافكار هي وليدة تصورها فى الذهن ترتقى برقيها وتنحدر بانحدارها , وكيف يمكننا ان نثق بالعقل وما تراه العقول هو ثمرة لما في داخل ذلك الانسان , ولهذا تتناقض العقول وتتصارع وكل واحد يسفه اراء الاخر وياتى بنقيضها فاين اليقين , كل المعارف الاستدلالية ذات طبيعة ظنية ولا يحتكم اليها , ما نراه بعقولنا يتجدد باستمرار وننتقل من راي الى نقيضه فى رحلة مستمرة , ولا يمكن للعقول ان تتحرر من اهوائها ومصالحها , من يحسن اليك تراه الافضل ومن يسيء اليك تراه الاسوا , فاين اليقين , دعونا نحرر العقل من المؤثرات فيه,  واهمها الغرائز الشهوانية والغضبية وهي مؤثرة فى الافكار , ما عشناه فى الطفولة لا يمكن نسيانه من الحرمان والظلم والمعاناة , وهناك من يفسر السلوك بالرغبات المكبوتة , كل افكارنا هي وليدة الواقع الذى نعيشه , اذن لا بد من مرجعية اشد صلابة وقوة لكي نعتمد عليها فى توليد افكارنا , ليس المهم ان نفكر فهذا امر مفروغ منه ولكن كيف نفكر , كيف نرتقى بافكارنا لكي تختار الخير وليس الشر , لعل هذا هو الذى دفع الغزالى للاهتمام بالقلب وقد خصص الجزء الثالث من كتابه الاحياء للحديث عن القلب , والقلب هو اللطيفة الربانية الروحية وعلاقة القلب بالاجساد كتعلق المستعمل للآلة بالآلة وعلاقة المتمكن بالمكان , القلب هو موطن العلم وهو اداة معرفة حقيقة الاشياء وكل العلوم الروحية موطنها القلب ولا يمكن ادراكها عن غير القلب , وللقلب جندة الذى ياتمر بامره فالعين تتجه حيث يتجه القلب والاذن تنصت لمن تعلق به القلب , واللسان ينطق بما فى القلب من المعانى والافكار , والقلب له وظائف ثلاثة فهو الذى يحرك الارادة لكي تفعل ما ارده القلب وهو الذى يحرك الاعضاء الظاهرة لما امر به القلب والقلب هو المدرك للاشياء التى يراها ويسمعها , , قد يقول قائل هذه الاعمال يقوم بها العقل ولا حاجة للقلب , والجواب ان العقل مهمته التمييز وهو عمل مادى لاتحسن الفهم  ولاتوجه الارادات , مهمة القلب بخصوصيته الروحية هو الذى يحرر الانسان من ان تتحكم فيه غرائزه فيكون كالبهيمة , الانسان مؤتمن والقلب هو المؤهل لكي يتحمل مسؤولية الامانة الالهية بان يفعل الخير وليس الشر , ارادة الخير لا تكون الا برعاية ربانية وروحية عندما يكون القلب قريبا من الله وانه مكلف ومسؤول وان الله تعالى سيحاسب صاحبه  عن عمله , هذا المعنى هو الذى يرتقى بمفهوم الحياة من وجود طبيعى يتحرك الانسان فيه كما يتحرك كل شيء فى هذا الكون الى وجود انسانى يتمتع فيه الانسان بتكريم الله له بانه المستخلف والمؤتمن والمخاطب برسالة الله اليه بما يعترف له فيه بانه الافضل من كل المخلوقات , ولكي يكون الانسان مكلفا فيجب ان تمطبع حقيقة الاشياء كما هي فى القلب وهذا هو العلم , ولاتطبع الصورة كماهي الا اذا كان القلب صافيا ونظيفا , فصورة السماء لا تنطبع فى لوحة الماء الملوثة , هناك قلوب محجوبة ولا يمكنها ان تدرك حقيقة الكون وما اراده الله من خلق الانسان , تعلقات القلب تجعله محجوبا عن الفهم عن الله فيما يريد , كل هذه المعارف  الالهية التى تلهم الانسان افعال الخير ومحبة الفضائل التى تشعر الانسان بالسعادة الناتجة عن الصفاء القلبى ومحبة كل الاخرين , وهذا هو الطريق الذى يحبه الله لعباده , وكل هذا لا يقلل من اهمية الثقة بالعقل فيما هو مكلف به فيما يتعلق بالانسان ولا شيء فى الدين يقيد حرية العقول فيما كان من امرها وبما يحقق لها مصالحها الدنيوية ولا حدود لحرية العقول فى بحثها عن مصالح العباد فيما يحقق لهم انسانيتهم من غير انتقاص لاي حق من حقوقهم المشروعة فى الحياة والكرامة  

( الزيارات : 658 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *