نفحات روحية ..انواع المعرفة العقلية
اهتم الفلاسفة قديما وحديثا فى البحث عن المعرفة الانسانية , واعتبروا العقل كمصدر للمعرفة , ولكنهم لم يتوصلوا الى رأي واحد فى فهم الكيفية التى يعمل بها العقل للتوصل الى تلك المعرفة , العقل ليس واحدا ويختلف فى المقومات التى تقود العقل لتلك المعرفة , هناك المعرفة البديهية التى يشارك الانسان فيها سائر الحيوانات , وهي مرتبطة بالغريزة وتستمد قوتها منها وهي متاثرة بها ومعبره عن نشاطها , وتقتصر على ماهو ضرورى لكمال الحياة والبحث عن اسبابها وتنشأ كاملة فى الطفل الصغير , وهذا العقل يحتاجه الصغير والكبير بطريقة عفوية وحتمية من غير تأمل ولا تجربة سابقة , وهذه القوة العقلية هي التى تمكن الانسان ان يحافظ بها على وجوده , ويملكها الحيوان كقوة يبحث بها عن كماله بمقتضى غريزته الفطرية فيفعل ما يجب ان يفعله ويتجنب ما يضره من الاخطار ,انه بفضل هذه القوة يقدم ويحجم , ويخاف مما يهدده ويهرب منه , تلك المعرفة ضرورية للحفاظ على الحياة , وهناك الكثير مما يشترك فيه الانسان والحيوان فيما يتعلق بهذه القوة العقلية الغريزية , الغريزة هادية لصاحبها وتوجهه لما فيه خيره , وهناك القوة العقلية الثانية وهي المستمدة من التجربة الانسانية , وهي المعرفة الاقوى , ولا حدود لقدرات العقل على التعلم من التجربة واكتشاف القوانين عن طريق التكرار , وكل قوانين الطبيعة تكتشف عن طريق التجربة والملاحظة , والطفل يكتشفها رويدا رويدا , واهم قوانينها قانون السببية , وهو القانون الذى اراده الله ان يربط كل شيء بسببه , النار تحرق بامر الله عندما يتوفر السبب , الاحتراق لا يكون بغير سببه, ولا شيء بغير سببه , وخوارق العادات ليست قاعدة ولاتهدم قانون السببة ابدا , النار تحرق لا عن طريق الصدقة , ذلك قانون حتمي , وكل القوانين الطبيعية يجب ان تحترم لانها من الله , لا شيء من القوانين الطبيعية خارج الاسباب الظاهرة , والقوانين تعمل بطريقة حتمية بامر الله , وهذالا ينفى القدرة الالهية عندما يريد الله شيئا من المعجزات , تلك القوانين هي التى ارادها الله ان تكون , وتتجلى قدرة الله فى تلك القوانين الحتمية المتعلقة بالكون , مهمة العقل ان يكتشف تلك القوانين عن طريق العلم والتجربة , ما اكتشف من قوانين الطبيعة هو القليل وما اكتشف يدل على عظمة الخالق فى الكون وخلق الانسان , لاتناقض بين الدين والعلم ابدا , والعلم يكتشف ماهو موجود بامر الله والعلم يتجدد باستمرار واحيانا تتناقض نظرياته وتتطور والعلم لا يوجد شيئا غير موجود , هناك افراد يملكون قدرات عقلية متميزة , وهناك افراد يملكون قدرات غريزية فائقة , وهناك افراد يملكون قدرات روحية تجعلهم اكثر صفاءا من كل الاخرين , كل ذلك بامر الله وحكمته , لا احد افضل من احد عند الله الا بما احسن فيه وكان تقيا , اما القوة العقلية الثالثة فهي القوة التى تجعل صاحبها ينظر بنور الله , وهذه المعرفة تميز صاحبها بصفاء روحي وتجعله اكثر فهما لما يريده الله من الانسان , هذه المعرفة لاتخضع للموازين المادية البحتة , ولاتتناقض معها فى اهمية التسليم بكل القوانين الطبيعية لانها من الله , ولكنها تختلف فى فهمها لدلالة تلك القوانين وكيفية تسخيرها لخدمة الانسانية , وتجعلها فى خدمة الاهداف التى ارادها الله للحياة , هذه المعرفة اكثر صلة بالقيم الروحية , انها تجعل العلم فى خدمة الانسان لتسهم فى رقيه الاخلاقى ومشاعره الانسانية , هذه المعرفة الروحية مصدرها الفضل الالهي على من شاء من عباده الذين اخلصوا وصدقوا, واحيانا يحرص البعض الوصول اليها عن طريق المجاهدات النفسية , والمجاهدات ولو اشتدت فانها تخلف اثارا سلبية الا اذا صاحبها الفضل الالهي , واستقام اهلها على الحق وكانوا صادقين , وخصوصية هذه المعرفة انها ترفع من شأن الانسان كرامة ومسؤولية وتسخر كل الكون له لكي يكون خليفة الله فى الارض يرفع شعار المحبة والسلام والاخوة , وتكون الاسرة الانسانية متكافلة متعاونة يحمل القوي الضعيف ويتقاسم الغني ثروته مع الفقير ويكون القادر مؤتمنا على المستضعفين , ويكون التنافس فيما ينفع الناس ويخفف من معاناتهم والامهم , تلك المعرفة هي ما يحتاج اليها الانسان فى رحلة الحياة , ويتوارث كل جيل عن الجيل السابق افضل ما لديه من قيم الخير والمحبة , مجتمعنا اليوم لا يحتاج الى ذلك التنافس الذى يعمق الانانية ويثير الاحقاد الطبقية والقومية ويكرس قوة القوي وضعف الضعيف , المعرفة التى لا تنشر قيم الخير فى المجتمع الانساني لا حاجة اليها , دعونا نبحث عن الانسان المؤتمن على الحياة ونتجاوز كل الحدود وننظر للاسرة الكونية كاسرة واحدة متكافلة , عندما تكون معرفتنا راقية الاهداف سوف تسهم فى نشر القيم الانسانية ..
اترك تعليقاً