اهل التقوى من العلماء هم الاحب الى الله.

ذاكرة الايام..اهل التقوى هم الاحب الى الله ..

منذ طفولتى كنت قريبا من مجتمع اهل العلم ورأيت الكثير من اصناف العلماء , وكنت ارقب ما اراه باهتمام , وكنت اهمس لنفسي فيما كنت افكر فيه , لم اكن مقلدا ابدا وكنت اكره التقليد , ولا اراه صوابا , وكنت افرق بين التقليد والاتباع , فما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فانا متبع فيه لان مصدره الهي , فماكان من الله وماجاء عن طريق النبوة فهو حق والانسان متبع فيه , اما ماجاء عن طريق جهد العقول فيما اجتهدت فيه وترجح لها الحق فيه فهو من الانسان , فما علمه الانسان اخذ به وماجهله بحث عن الحق فيه الى ان يترجح له , عندما كنت اتابع الخلاف الفقهي كنت ادرك جيدا جهد العلماء فيما اختلفوا فيه , لا احد اولى بالحق من الاخر الا بدليل وحجة , عندما ترجح بدليل فانت باحث عن الحق , وعندما تجتهد فيمن تختاره من العلماء فانت تجتهد فيمن تختار , لم اكن احب التقليد , ولم يكن بامكانى ان الغى مسؤوليتى عما اختاره من الاراء , يجب ان اقتنع فيما افعله , لاننى مخاطب ومسؤول , كان البعض يقبل هذا وكان البعض الاخر لا يقبله , كنت احترم الرأي المؤيد والمعارض , ولكل اختياره ورأيه واجتهاده , كنت اجد اختلاف الفقهاء طبيعيا وحتميا  , واحيانا اختلاف اصحاب المذهب الواحد , كان البعض يسميه اختيارات , او اجتهاد فى اطار المذهب , كنت احترم كل الاراء والخلافات واجد فى الاختلاف سعة وفهما وبحثا عن الحق , كل باحث عن الحق فله اجره .ز

 كنت الاحظ ان العلماء ينقسمون الى اصناف ثلاثة  اهل رواية واهل دراية واهل تربية , قلة جمعت بين الصفات الثلاث , واتكلم هنا عن الصادقين , هناك ادعياء ولا ينتمون الى اي صنف من هؤلاء , ليسوا اهل رواية ولا اهل دراية ولا اهل تربية وتقوى , اهل الرواية هم الذين اختصوا بالرواية واحسنوا فيها وعرفوا طرقها سواء فى علم التفسير الماثور الذى يعتمد على الرواية اوفى الروايات الحديثية والسيرة , وهذا علم له اهله , ولا يجور لغير اهله ان يخوضوا فيه , علم الرواية علم دقيق ويحتاج الى علم به وتقوى , فاذاكان العلم وانتفت التقوى فلا ثقة بما يقولون , وانتفاء التقوى هو الذى اساء للرواية لانه حرف فيها وصحح ماكان يستحق الا يصحح , والتساهل فى ذلك تفريط ولو بنية حسنة , ولا يحتج بغير رأي اهل العلم فى الرواية , فلا مجال للاجتهاد فيها بغير علم , قد يقع الاجتهاد فى معايير الجرح والتعديل لدى كثير من الرواة او الذين اخرجوا تلك الرواية وحققوا فى اسانيدها , حكم المتاخرين فى هذا العلم يعتمد على جهد السابقين لانتفاء المعاصرة , اذا انتفت التقوى كانت معايير الجرح والتعديل خاضعة للاهواء , هناك الكثير ممن ادعوا هذ العلم ولم يكونوا من اهله علما او لانهم ليسوا من اهل التقوى , بعض اهل الرواية يحسنون الفهم ويجتهدون فى المتون وفى معرفة دلالاتها , وهناك من لا يحسن ذلك ولو ادعاه , وهؤلاء اساؤوا كثيرا , فدلا لة المرويات يحتاج الى من يحسن الفهم , فالدلالة كالثبوت ولا بد منهما للتوصل الى الحق , ليس كل من روى احسن الرواية وليس كل من احسن الرواية احسن فهم دلالتها على ما يراد بها من المعانى والاحكام , هناك جهلة يعبثون , وهناك مدعون ومتساهلون , واذا تحكمت الاهواء كان الانحراف عن الحق اكثر وقوعا ..

اما اهل الدراية فهم الفقهاء واهل الاستدلال , قلة من الفقهاء كان اهل رواية , الفقه يحتاج الى ملكة فقهية , والملكة تحتاج الى موهبة واستعداد وتحتاج الى حسن تكوين , هناك الكثير من الفقهاء تنقصهم التقوى , وحسن الفهم لا يغنى عن التقوى , الفقه علم ركنه الاول هو حسن الفهم وفق معايير منطقية سليمة وفهم لمعنى الدلالات اللغوية للالفاظ , معظم الناس يبحثون عن المصالح الدنيوية وهذا ليس معيبا , قلة نادرة من الناس اكثر نزاهة وتحررا من قبضة المصالح , العقول اذا لم تستقم كانت اكثر رضوخا للمصالح واكثر استجابة للاهواء , فيما كان من شؤون العقل فالعقل اولى به , اما فى الاحكام الشرعية فلا يمكن للعقول ان تتجاوز ماجاءت به النصوص , العلاقة بين النقل والعقل وثيقة , ولا تناقض ابدا , والمصالح المعتبرة يجب ان تحترم , ما يحقق النفع العام وليس هناك ما يمنعه فهو مصلحة مشروعة , الفهم السقيم للدين يسيء اليه , وفى مجتمع جاهل ومتخلف يكثر الانحراف عن الدين باسم الدين , ما ليس من الدين لا ينسب الى الدين ابدا , تاملت كثيرا فيما كنت اتابعه واكتشفت الكثير من الانحراف فى المفاهيم والقيم والاحكام , لا احد من العلماء هو اولى بالحق من غيره الا اذا كان من اهل العلم والتقى معا , والعلم لا بد فيه من الاختصاص , فلا رأي لغير اهل الاختصاص فيما جهله غيرهم .

اما الفريق الثالث من العلماء فهم اهل التربية , واهم شرط فى هؤلاء التقوى والصدق والاستقامة , فاذا اجتمع العلم والتقوى فالثقة فى هؤلاء مطلوبة , واذا انتفت التقوى فلا ثقة بفاقدها ولو كان من ابرز عصره مكانة وشهرة , اما اهل التقى والصلاح فلا يسمع لهم قولا الا اذا علموا , لان التقوى تحتاج الى علم , فمن اخطأ عن حسن نية كمن اخطا عن سوء نية , والجهل مدعاة للانحراف ولو كان الصلاح والتقوى , ولا ثقة بجاهل فيما ادعاه ,لانه ينحرف ولا يكتشف انحرافه , الجهل يقود صاحبه الى الضلال , لان صاحبه لا يكتشف ضلاله ويظن نفسه محسنا , فى القضايا الذوقية قد يكون لاهل التقوى والصلاح والاستقامة مفاهيم راقية , وهذه المفاهيم ينظر اليها فاذا تضمنت ما هو مفيد فيؤخذ به ويستفاد منه وما كان من الشطحات وما اكثرها فتهمل ولا يقع الاهتمام بها   , اهم صفة فى اهل التقوى هو الادب مع الله واحترام حدوده وعدم تجاوزها فى اي ادب من الاداب , واحترام حقوق الناس , ومن علامات اهل التقوى انهم اكثر رحمة بالمستضعفين من عباد الله , قساة القلوب لا يمكنهم ان يكونوا من اهل التقوى ,

كنت اتأمل في كل هذه الافكار وانا اتأمل فيما كنت اراه من نماذج انسانية مختلفة , كنت التمس العذر لكل اصناف الناس فيما اختاروه لانفسهم , كنت ارى ذلك من الكمال , ولا يمكن للحياة ان تكون بغير مانحن فيه , ما ضقت يوما بمخالف , كنت ارى كل ذلك هو الحياة التى ارادها الله تعالى ان تكون دار ابتلاء واختبار للانسان لكي يختار الطريق الذى اراده الله , كلنا مخاطبون ومؤتمنون ومسؤولون امام الله عن اعمالنا , لا احد اقرب الى الله ممن امن وعمل صالحا وكان من المحسنين ..   

( الزيارات : 655 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *