بداية الحقبة المغربية

ذاكرة الايام ..بداية الحقبة المغربية الحلقة الخامسة

انتهت الزيارة الرابعة للمغرب وكانت اخر الزيارات المعتادة ، وفِي طريق العودة الي الكويت كنت في حالة شرود وتأمل. ، و شعرب بحمل ثقيل علي كاهلي ، لم اعد كما انا ، كانت الرحلة الي الكويت في الطائرة طويلة جدا ، كنت افكر في الرغبة الملكية والتكليف بادارة الدار العلمية التي ارادها الملك ان تكون شامخة وتعبر عن عهده في. خدمة الثقافة الاسلامية , وتقوم بتكوين جيل جديد من العلماء يحملون مشعل النهضة. العلمية ، واصبحت كلمة علماء دار الحديث الحسنية تعبر عن ذلك العالم. المتمكن من العلم. والقادر علي المشاركة في نهضة مجتمعه ، اكثر من الف عالم تخرجوا من تلك المؤسسة العلمية ، واصبحوا هم اساتذه الجامعات في كليات القرويين وشعب الدراسات الاسلامية في كل الجامعات المغربية. ، كان الملك يهتم بها ويرعي المتخرجين منها ، ارادها الملك ان تكون هديته لشعبه ،هذا ما كنت افهمه من انشائها ، اعترف انني شعرت بسعادة في داخلي وامدني ذلك بشعور. من الثقة ، ثقة الملك اشعرتني بالمسؤولية ، وكان لا بد من النجاح في المهمة ، ، انه شعور بالاهتمام والثقة ، لا احد لا يفرح في مثل هذا المواقف ،انه الضعف الانسانى ولا سبيل لللتخلص منه ,  ولكن. لا احد يعرف كم هو مكلف ذلك التكليف ، وكيف يمكن ان يكون ، كنت اشعر بضخامة المسؤ ولية ، كنت اشعر انني لا املك عصبية تنتصر لي في المغرب  اوتبرر اخطائى ، كنت اشعر بالضعف الانساني والشعور بالوحدة، ، ويجب ان اتعامل مع فئة  عالية ومتميزة من علماء المجتمع المغربي ،وكلهم من رموز مجتمعهم مكانة وعلما ، الشيئ الوحيد الذي املكه هي ثقة الملك ولا شئ آخر وكنت اشعر بالمسؤولية امامه  ان انجز شيئا  يبرر اختيارى , لا بد من شيء يبرر اختيارى فى نظر المجتمع المغربي ، وصليت ركعتين لله تعالي كانت هي الاصدق في حياتي ، ودعوت الله ان يختارلي وان يشرح صدري لما فيه الخير ، كانت لي ثقة بالله من منطلق ايماني الروحي منذ الطفولة مع السيد النبهان ، كنت احتاج الي ذلك البعد الروحي الذي تربيت عليه، و كنت امضيت في الكويت مدة سبع سنوات من قبل ، وكنت سعيدا ، وعملت لكي استقر لفترة طويلة. ، شعرت في الكويت بحريتي. وكانت الحياةً مربحة ومنتجة. من الناحية العلمية ، كانت الحياة جادة في الكويت ، كنا نتكلم في الكويت من غير خوف ، وكنت اعمل في الجامعة بامانة ومسؤولية , , ما ضقت يوما بحياتي في الكويت ، كانت الامور ميسرة , واهم ما كان يسعدني هو تلك البيئة العلمية ومجتمع اهل العلم من مختلف التخصصات العلمية , وبخاصة من مصر ، وعندما دخلت منزلي في الكويت اصبحت انظر الي مكتبتي الصغيرة والي كل مقتنياتي ، وكانني اودعهم ، لم اعد كما كنت ابدا ، التف اطفالي حولي ، وهم يتساءلون عن سر ذلك الشرود والصمت علي غير العادة ، قلت لهم بهدوء : قد نغادر الكويت ، وقد نودع اشياءنا واصدقاءنا. فيها وقد تصبح الكويت مجرد ذكري عابرة. ، لم افكر ابدا من قبل انني سانتقل الي المغرب ، لم يخطر ببالي ذلك ، كانت المغرب في اقصي الوطن العربي ، ، كانت بعيدة ، كانت الرحلة تستغرق عشر ساعات ، من الخليج الي المحيط ، حدثت اسرتي وحدثتهم بما كان في الرباط ، بكت زوجتي وهي تفكر اننا سنرحل الي مكان بعيد ، ، سنترك كل شيئ ونغادر ، مجرد احتمالات وتوقعات وخواطر ، لا احد لا يحزن عندما يرحل ، لقد اعتدت علي الرحيل من قبل ، واعرف مرارته وقسوته ، لم اتصور كيف يمكن ان يتحقق ذ لك ، عدت الي عملي كما كان ، لم احدث احدا من اصحابي ،. لا احد سيصدق ذلك ، ربما يظنون انني احلم ، عدت الي حياتي السابقة ، وكانه لا شيئ. ، مضي شهر ، وعادت الامور الي ماكانت عليه ، قلت في نفسي لعل كل ذلك قد انتهي ، وغلب علي ظني ذلك ،. كان المغرب مشدودا لقضيته الكبري. وهي قضية الصحراء ، والملك. في حالة ارهاق. ومشقة ، وهو يحمل. هموم مجتمعه ، في كل القضايا. ، كان المغرب قد خرج من ازمتين تركت اثرهما في حياته ، وتركت جروحا حادثة الصخيرات اولا ومحاولة اسقاط الطائرة الملكية ، لم اتصور ان الملك سوف يهتم  او تشغله تلك القضايا الصغيرة ، كان لديه الكثير مما يشغله ربما يكونً كل ذلك مجرد رغبة انفعالية. في لحظة عاطفية في شهر مبارك ، لم اتكلم مع اي احد ولَم استشر احدا ، وتابعت حياتي كما كانت. من قبل ، لم اتلق اي خبر او رسالة من الرباط، كنت في داخلي اريد ذلك لانني احببت المغرب من الزيارة الاولي ولكننى كنت خائفا من التسرع فى لحظة تدفق عاطفى ، وشعرت بالدفء النفسي والروحي ، كنت اريد ان أكون صديقا للمغرب ولا شيئ اخر ، ولم افكر اكثر من ذلك ، عاد كل شيئ الي ماكان عليه من قبل ، كنت اعرف انني لن استطيع ان اغالب نفسي وهي تتطلع الى المغرب ، ولا استطبيع ان اقول لا ، كنت مشدودا للمغرب كنتيجة لتلك الزيارات التى تركت فى نفسي  اجمل المشاعر ، وفجإة و بغيرتوقع، تلقيت اتصالا سريعا من وزير التربية ومدير الجامعة  : سمو الامير يريدك. في الديوان الاميري ، وذهبت واستقبلني مدير الديوان بحفاوة غير معهودة قال لي : سمو الامير تلقي رسالة مكتوبة. من ملك المغرب يطلبك لكي تتولي ادارة دار الحديث الحسنية ، وهذا تكريم للكويت. وتكريم للجامعة. ، يجب ان تعد نفسك للرحيل الي الرباط ، وقد  اعطى  سمو الامير تعليمات الي الجامعة ، بان تذهب باسم الجامعة في مهمة علمية لمدة ثلاث سنوات ، وسوف تحتفظ بمكانك الي ان تعود بعدها لان الجامعة تحتاج لك ، وسوف تحتفظ بمكانك في الجامعة  الى حين عودتك ، ارسل الامير رسالة الي الملك يخبره بقراره ، انتهي كل شيئ ، لم يعد الامر شاقا بالنسبة لي ولا مبرر للتردد ، ساعود بعد انتهاء المهمة ، مدة ثلاث سنين ليست طويلة، ولكن محنة الانتقال تظل شاقة ، لم اتصور قط ان الملك سوف يهتم بهدا الامر ويشغل نفسه به ، اقصي ما توقعته ان يكلف احد وزرائه بالامر كما هي العادة ، لقد اسعدني ذلك الاهتمام ، عندما تغادر في منتصف العا م فانت تحدث خللا فى مكان عملك ، لا بد من. اعداد قبل المغادرة ، وتسرب الخبر الي الصحف الكويتية ، واخذت تكتب عن تلك المهمة ، وكانت جريدة الرأي العام الجريدة الاهم وهي الاكثراهتماما ، واجرت معي مقابلة صحفية مطولة في صفحة كاملة عن تلك المهمة في المغرب ، وودعت الاصدقاء في الجامعة وحملت معي رسالة ثانية من الامير الي الملك يبلغه فيها بقراره ، وفِي مطار الكوبت وجدت عددا من الاصدقاء. ومنهم مسؤول من السفارة ، وحضر احد اعضاء الديوان الاميري لكي يسلمني رسالة الامير الي الملك الحسن الثاني ، وكان ذلك يوم ١٥ فيراير ١٩٧٧. ، وابتدأت حقبة جديدة من الترحال. بين الموانئ. التي تعبر عن رحلة  الحياة ، لم اعد الي الكويت بعد ثلاث سنوات. ، عدت اليها زائرا بعد ثلاث وعشرين سنة ، وكان ذلك عام ٢٠٠١ ، عندما تلقيت دعوة من الجامعة لالقاء محاضرات علي طلاب الدراسات عن مفهوم السلطة التشريعية. في الاسلام. من خلال كتابي نظام الحكم المقررعلى الطلاب  ، والقيت محاضرة عن فكر ابن خلدون ، كل شئ اختلف عما كان عليه من قبل ، ، استقبلتني مديرة الجامعة. الدكتورة فائزة الخرافي ، وزرت المكتب الذي اعرفه من قبل ، وتغيرت الوجوه ، لم يعد هناك من كنت اعرفه من قبل ، لقد غادروا جميعا ، لا احد ممن اعرفهم من قبل,  استقبلني الاخ والصديق الدكتور خالد المذكور وهو من ابرز الشخصيا ت الكويتية علما وخلقا , انه الوجه الاسلامى  المتصف بالحكمة  , اصبح مديرا لادارة علمية مهمة في الديوان الاميري ، وزرت بصحبته. مدير الديوان الاميري ، وحضرت الكثير من النشاطات. العلمية. ، ورأبت الكثير مما تغير عما كان من قبل ، وزرت الصديق القديم وهو اول صديق في الكويت الوزير السيد يوسف هاشم الرفاعي رحمه الله الذي دعاني لاول مرة الي. زيارة الكويت . ، وحضرت في مجلسه. لقاءه الصوفي الاسبوعي كما زرت اسرة الصديق عبدالله حسين الرومي الذي كان سفيرا في المغرب ، وزرت عددا من الاصذقاء القدامي منهم الدكتور عبد الرسول عبد الرضا والدكتورمحمد الرميحي والدكتور مبارك النويبت والدكتور الشريف عمبد كلية الشريعة كما زرت الموسوعة الفقهية وحضرت في بعض الندوات العلمية في بيت التمويل. الكويتي ، واجتمعت في منزل الاخ الشيخ عبد الله سالم. مع مجموعة من علماء الكلتاوية ، استمرت الزبارةً مدة شهر كامل ، وقال لي الصديق خالد المذكور : الكويت ترحب بك عندما ترغب بالعودة اليها في اي وقت ..وغادرت  الكويت  وعندما وصلت الطائرة الي مطارمحمد الخامس في الدار البيضاء بدأت الحقبة المغربية ا ، ونشرت كتابا عن الرحلة عنوانه الرحلة المغرية نشرته دار الامان في الرباط تحدثت عن تلك الحقبةً كما عشتها ..اربع وااربعون سنة ، مرت سريعة ، وما زالت الرحلةً. مستمرة ..

 

( الزيارات : 1٬059 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *