فكرة التجديد ومبرراته

 

وأهم ما كان يشغلني هو شعوري بأهمية التجديد في الفكر الإسلامي، وكنت أؤمن بضرورة التجديد، لأنه إرادة التواصل بين الفكر والإنسان وبين الفكر والمجتمع، هو الذي يعطي للفكر القدرة على التفاعل مع المجتمع، لكي يعبر الفكر عن قضايا الإنسان كما يراها ذلك الإنسان، وكنت أؤمن في كل مناسبة أن كل جيل مؤتمن على عصره وهو مخاطب بالنص مكلف بتفسير النص كما يراه ذلك الجيل، ولا وصاية لجيل على جيل آخر، ومن حق كل جيل أن يعبر عن رؤيته الكاملة لكل قضاياه الفكرية،  وكل جيل متأثر بالزمان الذي يعيش فيه والمكان الذي ينشأ فيه، وتصوراته هي جزء من واقعه، ومن حقه أن يقوم بمسؤوليته عن إغناء عصره باجتهاداته، وجيلنا اليوم يختلف عن جيل آبائنا وأجدادنا، وجيل أبنائنا وأحفادنا سوف يختلف عن جيلنا ، ومن حق الأجيال اللاحقة أن تعبر عن قضاياها وأن تجد الحلول لمشاكلها، وهي مؤتمنة على عصرها، ومن حق تلك الأجيال اللاحقة أن ترفض وصاية جيلنا عليها، لأنها تملك كل ما نملك من قدرات، وقد تتوفر لها إمكانات لم تتوفر لجيلنا، ومن المؤكد أنها ستواجه مشكلات جديدة لا نعرفها نحن ولا يمكن لنا توقعها الآن ، وبخاصة في ظل المتغيرات الجديدة والسريعة، والفكر الذي لا يتجدد ينعزل ويجمد، والتجديد هو إرادة الاستمرارية والتواصل بين الأجيال ,

ومن أبرز مبررات التجديد ما يلي:[1]

أولاً: التطور المستمر في المجتمعات المختلفة، وكل مجتمع يختلف عن المجتمع السابق في قضاياه ومشاكله.

ثانياً: قابلية النصوص التشريعية للفهم المتجدد، ولا حدود لقدرات الإنسان على التفسير والتأويل، ولا يمكن أن يمنع المخاطب بالنص من تفسير ذلك النص إذا كان مؤهلاً لذلك ويملك الأدوات التي تمكنه من حسن الفهم..

ثالثاً: ضرورة مواكبة الفكر لحاجات الإنسان، وجيلنا بحاجة إلى فكر إسلامي يعبر عن قضاياه في شؤون الحكم والمال والاقتصاد كما يحتاج إلى فكر إسلامي يهتم بمطالب الإنسان في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ورعاية حقوق الإنسان، وهذا ما أكده الإسلام في كل نصوصه وثوابته التشريعية، ولماذا نفترض أن التجديد يعني تجاوز النصوص وإهمال التراث وهدم الثوابت الإسلامية؟ ..ذلك تصور خاطئ، والتجديد لا يعني ذلك أبداً، لأنه هو أداة إحياء النصوص بالفهم المتجدد لها، وهو اداة إحياء التراث الفقهي بالإضافة إليه، وهناك قضايا لم يرد بها النص وتحتاج إلى اجتهاد وهي كثيرة جداً، وهناك قضايا بنى الحكم الشرعي فيها على الظن لعدم امكان التوصل إلى اليقين، وأصبح اليقين ممكناً في كثير من الوقائع الفقهية ومسائل الانساب  ولا يؤخذ بالظن مع امكان اليقين، ولماذا نفترض أن الجيل المعاصر والجيل اللاحق لن يكون مؤتمناً على النص، ولن يكون قادراً على الفهم..

إن الدعوة إلى التجديد يجب أن تكون شعار كل جيل، لكي تنطلق قافلة الفكر بعد أن توثقت طويلاً ولمدة قرون، والتجديد هو جهد العلماء ولا يمكن أن يناط أمر التجديد بغير العلماء المؤهلين لحمل هذه المسؤولية، ولا ينبغي أن نخاف من الجديد، فالجديد هو الحياة باستمرارها، ولا حياة بغير الجديد فيها، وأهم ما يجب أن نهتم به هو ميدان الحقوق، فالحقوق في الإسلام ذات طبيعة اجتماعية، ولا يحتج بحق فردي في مواجهة مصلحة اجتماعية، ولا يحتج بإقرار حق مع إلحاق ظلم بآخر، فكل حق يرتبط به حق شخص آخر يجب مراعاة ذلك الآخر في ممارسة ذلك الحق، ويجب رفع الظلم عن الآخر في ممارسة أي حق فردي، فلا يمكن استخدام حق الملكية الفردية بطريقة ضارة بالمجتمع، ولا يمكن لأحد أن يمارس حقه في الحرية بطريقة مسيئة للآخرين، ولا يمكن لمن يريد طلاق زوجته أن يتجاهل مسؤوليته في دفع الظلم عنها في حالة الطلاق التعسفي، فالحق يجب أن يمارس في إطارالفضيلة الاجتماعية والأخلاقية الإسلامية فلا يطلق الزوج المريض زوجته للفرار من إرثها ولايجوز التحايل على الاحكام لالحاق ظلم بالاخرين، فالحقوق أقرت لتحقيق أهداف اجتماعية، وليس لإلحاق أضرار بالمجتمع  أو إلحاق ظلم بالآخرين، فالإسلام عندما يقر حقاً من الحقوق إنما يشترط أن تراعى الفضيلة الأخلاقية في أسلوب ممارسة هذا الحق، فحرية الكتابة لاتعني شتم الآخرين وحرية التعبير لاتعني الإساءة للمجتمع، وحرية الملكية لاتعني استخدام هذه الملكية بطريقة ضارة بالمجتمع، وحرية المالك في ملكه لاتعني إقرار سلوك السفهاء، وإقرار حق الحاكم في ممارسة السلطة لاتعني إقرار الاستبداد والانفراد بالحكم واستغلال السلطة للسيطرةعلى الأموال والتحكم في الحريات العامة ، وتمكين الأقرباء والأصدقاء من السيطرة على المجتمع، فالحقوق مقيدة بالمصالح الاجتماعية، وكل مايضر المجتمع فلا شرعية له، وكل من اغتصب حقاً من حقوق المجتمع فمن حق المجتمع أن يدافع عن حقوقه بكل الوسائل التي تمكنه من حماية مصالحه، ولاحدود لحق المجتمع في اختيار كل الوسائل للدفاع عن حقوقه المشروعة، ومن فرط في حق من حقوقه فقد كرامته والمفرطون في كرامتهم آثمون ولا يستحقون لقب الإنسانية .

( الزيارات : 1٬095 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *