لا..لا..لا.. للعنف..

كنت أدين التطرف والتشدد ولا أحب تلك المواقف المتشنجة ولا أميل إلى ذلك النوع من السلوكيات، ولكنني كنت أتفهم الظروف النفسية والاجتماعية التي أنتجت هذا الواقع، ولا يمكن أن نتوقع  الأفضل إلا بإزالة الأسباب التي أدت إلى نمو هذه الظاهرة..

وإننا اليوم في المنعطف الذي يجب أن نتوقف فيه للبحث عن مدى سلامة هذه السلوكيات ومدى انسجامها مع الموقف الإسلامي، بالرغم من أهمية هذا الموضوع وضرورة الخوض فيه، لجلاء الغموض الذي يكتنف هذا الأمر، ولكننا نقف اليوم في منعطف أكثر أهمية وهو إزالة أسباب هذا الاحتقان وهذا التوتر الذي جعل النفوس غير مهيأة للحوار البناء المفيد الذي يخفف من حدة الفجوة بين مختلف الفرقاء، ولابد من إعادة النظر في كثير من المسلمات وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرياته العامة، والاعتراف بحق المواطن في التعبير عن آرائه والمشاركة الجادة في مسيرة مجتمعه وصياغة الاختيارات التي تعبر عن إرادة الأمة..

والتطرف ظاهرة عامة وهي آخذة في الانتشار، وتحميها قاعدة شعبية واسعة، وتتعاطف معها، ولا خيار لنا إلا أن نفتح صدرونا لهذه الشريحة الواسعة من المجتمع، لكي نسمع منها ما يؤلمها ويدفعها لذلك السلوك الذي ترفضه الفطرة…

ولا يقاوم الإرهاب بسياسة الإرهاب والتخويف، وإنما يقاوم بمواقف الاعتدال والسياسة الحكيمة وإشاعة روح العدالة في المجتمع، والتخفيف من سلوكيات تحدي المشاعر الدينية والوطنية، ومعالجة الخلل الاجتماعي والأخذ بسياسات عاقلة في مجال التشغيل للقضاء على حالات الإحباط واليأس الناتج عن البطالة التي تعتبر المسبب الأكبر للسلوكيات الخاطئة…

لم أكن في أي يوم من الأيام مع التعصب، وأضيق به، واعتبر التطرف في المواقف ضعفا وضيقا في الأفق، وأدين سلوكيات العنف لأنني كنت أتألم على الأبرياء واحزن لما تعانيه أسرهم من أحزان، ومع هذا فقد كانت مواقف تحدي المشاعر الوطنية وتجاهل المطالب الشعبية، وتزييف الإدارة الجماعية تدفعني في كثير من الأحيان للاقتراب من الضفة الأخرى المتمردة الثائرة الغاضبة، ولو كنت في ظروفهم وأعاني ما يعانون وأتألم مما يتألمون فقد أكون واحدا منهم، وأتصرف كما يتصرفون…

لا أتوقع انفراجا قريبا فيما يدور الآن، وكل الدلائل تشير إلى وجود منخفضات جوية قادمة من الغرب تحمل في ثناياها أمطارا من الدماء والفتن لإغراق أرضنا بمستنقعات قذرة..

ما أقسى تحديات اليوم… إنها لا تختلف عن تحديات الأمس، غايتها تضييق الخناق على الإسلام كدين وثقافة وانتماء، لكيلا يقاوم ثقافة الغرب الغازية، إنهم لا يريدون القضاء على الاسلام ولكنهم يريدونه ان يكون بالصورة التي يريدون، مسالما في فكره، راضخا في مواقفه، مذعنا لسلطان القوة، داعيا المسلمين إلى قبول قيم الحضارة الغربية المعاصرة…

لن تستسلم هذه الأمة أبدا… قد تتغير الأوضاع وتتبدل، وقد تسقط أنظمة وتقوم أخرى، وقد تحتل بلد كما احتلت العراق، وقد تقع فتن وحروب داخلية، وقد يحدث كل شيء، ولكن لاشيء سيهدد كيان هذه الأمة، ولا شيء سيقضي على عقيدتها وخصوصياتها، سيخرج المحتل تحت جنح الليل خائفا مذعورا، وسوف يطلع الفجر من الأفق كما هي عادته بعد ليل طويل…

ليس المهم هذا…وإنما المهم أن نستلهم العبرة مما يقع، وان نحاول تصحيح الأوضاع الفاسدة، وإعادة النظر في أسباب التخلف، سواء على المستوى الفكري والثقافي أو على مستوى الأنظمة القائمة، سيحدث التغيير حثما، ولكنه لن يكون كافيا لتحقيق النهضة المرجوة، لأننا نريد التغيير ونخاف منه، ونعترف بالتخلف ولا نضيق به… والتغيير إلى الأفضل حتمي، والتجديد أداة التغيير، والثقافة هي معيار معرفة الأفضل والأبقى والأصلح…

( الزيارات : 3٬100 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *