مجالس السيد النبهان

ذاكرة الايام.. مجالس لا تنسى .

على امتداد ستين سنة حضرت اهم مجالس العلم والتقيت اعلام هذا العصر فى مختلف بلاد الاسلام واجتمعت بعلماء ومفكرين هم النخبة المتميزة , وحضرت مجالس الحكام واصحاب المكانة والسلطة واعترف اننى فى كل ذلك كنت ابحث عن ذلك الدفء الروحي والسكون القلبى كالذى كنت اشعر به فى طفولتى الاولى فى مجالس السيد النبهان طيب الله ثراه فى مدينة حلب فلم اجد له مثيلا او قريبا , كنت احن الى تلك المجالس البسيطة التى لم تكن تثير اهتمام الباحثين عن  المظاهر الدنيوية ومعايير التفاضل والتميز  والتفاخر بالدنيا , ما زلت احن الى تلك المجالس وكلما امتد العمر واتسعت معرفتى بمختلف العلوم التى كنت اتابعها باهتمام كنت اشعر ان  كل ذلك لا اهمية له وازداد به غفلة و جهلا  واصبحت اتساءل اين نحن  مما نسير فيه , واصبحت كمن خاض بحرا ولما ابتعد عن الشاطئ وتوغل فى البحر اضطربت رؤيته واصبح يتساءل هل انا فى هدى او ضلال , كنت اجد فى اولئك الناس البسطاء الذين كنت اراهم فى تلك  المجالس من الدين والصدق والفهم والتقى مالا اجده لدى كبار العلماء ممن يتصدرون المجالس ومعظمهم من الرموز المضيئة فى مجتمعهم , وعندما كنت اقترب منهم اراهم كغيرهم من الناس لا يفضلون غيرهم بمزية او فضل  , وهم باحثون عن الدنيا من سلطة او مال او جاه او مصلحة وهي التى تدعوهم فيستجيبون ولا يتورعون عن اي ثمن يقدمونه ولو كان فى ذلك مما لا يليق بهم  من انواع السلوك , كنت اتساءل عن ذلك السر الذى يملكه اولئك الصالحون الذين احبوا الله واختاروه وزهدوا فى كل شيء يحجبهم عنه , ولا اعنى بالزهد ذلك التصور السلبي المقترن بالكسل والتواكل وانما اقصد الترفع عن الدنيا ولو كانوا يملكون اسبابها من سلطة او مال ,  كنت اجد لدى هؤلاء فهما لم اكن  اجده لدى غيرهم , وادبا متميزا لا يصدر الا من اهل الادب , وكنت اسمع منهم كلاما عميقا وفهما اصيلا قد لا يحسنون التعبير عنه ولا يمكنه ان يصدر من اعلام العلماء  , كنت اتساءل عن ذلك السر الذى يملكه هؤلاء  , كنت اتساءل عن ذلك الصفاء الروحي الذى يجعلهم متميزين عن كل الاخرين , لقد كتبت اكثر من ثلاثين كتابعا علميا واكثر من مائتى بحث علمي منشور وعندما اخلد لنفسي اتساءل متأملا واقول لنفسي  هامسا : وما ذا بعد ..

 اقول هناك شيء ما فى الحياة التى نعيشها ليس هو الابدان الفانية وانما هي الارواح التى تستمد نورها من النور الالهي الذى يجعل الانسان اكرم مكانة عن الله من كل الخلق , وذلك النور هو سر الهداية والرعاية , وتلك الارواح هي من الفيض الالهي الذى كانت به كل الكائنات وما اراده الله فى خلقه  لا بد الا ان يكون,  ولكننا لم نتوصل اليه ولا يمكن للعقول ان تدركه بالحواس الظاهرة  , لقد تعلمت من مجالس السيد النبهان اكثر مما تعلمته من الكتب , وهو الذى استمد منه بعض مفاهيمى   التى كنت اشعر انها  اكثر رقيا وانسانية وعمقا , ليس المهم ما نتظاهر به  وما نتكلفه وانما المهم هو مانحن فيه حقيقة من غير تكلف , ما نتظاهر به ليس هو الحقيقة ابدا ..ذلك الجوهر الكبير فى اعماقنا هو الذى ندرك به ما يريده الله منا وندرك النور الذى يجعل حياتنا اكثر رحمة ومحبة وفهما لمعنى ان نكون موطنا للتكليف الالهي ..

( الزيارات : 629 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *