مصاحبة الكبار

يكبر الصغير بمصاحبة الكبار , ويصغر الكبير بمصاحبة الصغار , والسبب في ذلك أنَّ الصغير الذي يتطلع إلى الأعلى يملك الإرادة والطموح والاستعداد لكي يكون كبيراً , ويحتاج لمن يدفعه للأعلى, ولابد من الإرادة والعزم, والاستعداد هو الأساس في نجاح الإنسان , ولا يتطلع إلى صعود الجبال إلا من كان يملك الإرادة والعزم والاستعداد للتضحية , والكسول والمهمل والمتردد والخائف يريد الأفضل ولكن لا يعد نفسه للأفضل, ولا يقلقه واقعه مهما كان متواضعاً , وهذه الفئة من الناس قلما ينجحون وقلما يتقدمون في أيِّ موقف , لأنه لا طموح لديهم يدفعهم إلى الأمام ولا وقود في داخلهم يحركهم ,والذي لا يملك قوة الدفع الداخلي يحتاج لمن يدفعه في كلّ موقف , وفي النهاية لا بدّ إلا أن يتوقف في أول عقبة تعترضه , وكأنّه يلتمس لنفسه العذر في هذا التوقف ..

أما الصغار الذين يكبرون بمصاحبة الكبار فهم كبار في داخلهم إلا أنهم يحتاجون إلى من يدفعهم ويشجعهم , ومصاحبتهم للكبار هو تطلع منهم نحو الأعلى , و يأخذون من الكبير بمقدار استعدادهم , ولا يكبر بالكبير إلا من كان كبيراً في داخله ومستعداً للأخذ والاستفادة, والصغير لا يكبر ولو صاحب الكبار لأنه لا يملك الاستعداد والأهلية الذاتية , ومثل هذا يكبر  بغيره ولا يكبر بذاته فإذا رفعت المظلة عنه عاد لوضعه الطبيعي , ولا يمكن لأيِّ إنسان أن يحمل أكثر من طاقته , ولا يكلّف الله نفساً إلا وسعها ، ولا ينبغي انتقاد هؤلاء , ولا يطلب منهم ما لا يقدرون عليه , والآباء الطامحون يحرصون على أن يوفّروا لأبنائهم كلّ أسباب النجاح والتفوق , ولكن لا يمكن أن يتحقق ذلك , ويخيب أمل الآباء في أبنائهم إذا رأوا فيهم ضعفاً أو إهمالاً أو كسلاً , وبعض الأبناء يهدمون كلّ ما بناه الآباء من مجد ومال ومكانة , والمظلة الواقية تحمي هؤلاء من وهج الشمس في الظهيرة , فإذا زالت المظلة عنهم وانفردوا بالقرار وحريّة التصرف فقلما يحسنون الاختيار , وقلة من هؤلاء يتابعون طريق اّبائهم المعبد والميسر , والبعض الآخر يمشي في الدروب المظلمة التي توصلهم إلى المجهول ..

أما الكبير الذي يصغر بمصاحبة الصغار , فإنه لا يصغر إلا إذا جاراهم في مواقفهم الصغيرة ، وفعل ما يفعلون من أفعال غير لائقة بالكبار , فالعالم لا يصاحب الجاهل ولا يتأثر بأفعاله , فإن تأثر الجاهل بالعالم فهذا حسنٌ وهو المطلوب , وإذا تأثر العالم بالجاهل فهذا دليلٌ على استعداده للقيام بأعمال الجهلة والمنحرفين , فالكبير يستحي أن يرتاد الأماكن التي يرتادها الصغار , وأن تنسب إليه الأفعال الصغيرة في السلوك والمعاملة ,فالكبير لا يظلم ولا يغش ولا يكذب ولا يغدر ولا ينافق ولا يشهد الزور ولا تصدر منه الكلّمات السيئة والأفعال القبيحة فإن صاحب الصغار انتقلت إليه بعض أفعالهم , فلا يخجل بعدها من الأفعال السيئة , وهذا دليلٌ على وجود استعداد لديه وميل لهذه السلوكيات , وهي التي قادته إلى مصاحبة الصغار ممن لا يخجلون من الأفعال السيئة .

( الزيارات : 1٬648 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *