مقدمة كتاب : ربع قرن فى المغرب

         ذكريات

 

                                                        

 

 

 

 

                                                    ربع قرن فى المغرب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إعداد

الدكتور محمد فاروق النبهان

 

 

مقدمة

 

ما أكتبه ليس مجرد كتاب أسجل فيه ذكرياتي الشخصية ، وإنما هو أبعد من ذلك ، إنه سجل  لحقبة من تاريخ المغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال ويضم إشارات إلى وقائع مهمة وأحداث جسيمة في عهد الملك الحسن الثاني رحمه اللـه ، ولست فيما أكتب ناقداً أو مثنياً ، فليس النقد من مهمتي ، وليس الثناء هو غايتي ،وما أريده هو أن أكون شاهداً على هذه المرحلة من خلال نافذة صغيرة كنت أطل منها على المغرب الحديث ..

عندما جئت إلى المغرب لأول مرة لم أكن أظن أنني سأقيم فيه لمدة ربع قرن في موقع المسؤولية العلمية ، وما ندمت ولن أندم على هذه الحقبة من حياتي ، فقد كانت مليئة بالأحداث الجسام ، وستظل هذه الفترة هي الأهم في حياتي وربما الأجمل ، ومازال المغرب في قلبي بالرغم من التفات القلب ولو في بعض اللحظات إلى مواطن طفولتي الرحبة في مدينة حلب ، حيث الذكريات القديمة وتراث الأسرة الروحي والثقافي الذي يشدني بقوة إلى احتضانه ، وأعيش صراعاً داخلياً لا أعرف مداه بين شوقين ، لا أعرف الغالب منهما ، ففي المغرب ذكريات لا تنسى ولا يمكن أن تنطفئ أبداً ، وفي حلب دفء الوفاء من الأصدقاء ، ودفء الوطن الأم ..

وما كتبته عن المغرب يعبر عن رؤيتي الذاتية ومن وجهة نظري الشخصية ، وغا بتى المرجوة   تسجبل مرحلة  من تاريخ دار الحديث الحسنية المؤسسةالعلمية التي أسهمت في تكوين جيل من العلماء الذين ساهموا فى النهضة العلمية في المغرب وبخاصة فى مجال العلوم الاسلامية, وكانت المؤسسة الأهم من حيث الأثر العلمي والتربوي ، ولا يمكن أن يذكر عهد الحسن الثاني إلا أن تذكر هذه المؤسسة كإحدى دعائم النهضة في هذا العهد ، وربما سيتحدث التاريخ عنها في المستقبل أكثر مما تحدث عنها المعاصرون لها ، وربما تكشف هذه الدار بعض الملامح الذاتية لشخصية الحسن الثاني من خلال تشجيعه لهذه المؤسسة ، وثقته بدورها الثقافي والاجتماعى.

سنمضي جميعاً وسيبقى الأثر ، وسيتحدث الجيل اللاحق بحرية أكبر عن هذه المؤسسة ، مؤيدين لهاأو ناقدين ، ومن واجبنا أن نقدم لهم الوقائع بموضوعية لكي يستنتجوا منها الحقيقة ..

وحرصت خلال كتابي هذا أن أعرّف ببعض الشخصيات التي عرفتها ، وكما عرفتها ، واكتفيت بذكر ما أعرفه وما رأيته من خلال علاقتى بهذه الشخصيات ، وهم أهم رموز العهد الحسني ، وكل من اذكره ارتبطت به بعلاقة ما ، صداقة أو زمالة أو علاقة مجاملة ، ولم أقصد مدح من مدحت أو نقد من نقدت ، وإنما قصدت بيان وقائع عشتها بنفسي ، وما قصدت قط أن أركز على الجوانب السلبية ،و كنت أتخطاها وأتجاهلها ، وأُبرز الجوانب الإيجابية .. وليست الغاية ترجمة حياة هؤلاء ، وإنما الغاية توضيح بعض الملامح العامة في الشخصية من خلال معرفتى بها..

ويستحق المغرب أن يكتب عنه الكثير ، وهو بلد غني بتراثه وتاريخه وحضارته ، وحبّي لـه كبير ، وعميق ، ولن أنسى ذكرياتي فيه فهي الأجمل في حياتي ، ولعل ذلك هو سبب حيرتي وقلقي ، لأنني لست قادراً على العودة إلى عش الطفولة بالرغم من حاجتي إلى دفء الوطن ووفاء الأصدقاء ، ولابد من الحنين إلى الوطن ففي الوطن دفء لا تجده في أي مكان ، والغربة قاسية وهي كالصقيع في أمسيات الشتاء .. وبخاصة عندما يتقدم بك العمر ، وتشعر بالخوف من الملل والشيخوخة والمرض ..

في بداية سن الشيخوخة يشعر الإنسان بالضعف النفسي والخوف من المستقبل ، ويجد في الوطن ملاذاً آمناً ، وفي هذه الفترة يفكر الإنسان من جديد في اختياراته ، ولعلـه يندم أحياناً على بعض قراراته السابقة ، ذلك شعور طبيعي في الإنسان ، ليس المهم ما جرى في الماضي ، ذلك عهد مضى ، ولكن المهم أن يحسن اختيار خطوات المستقبل .. لكيلا يندم من جديد فلا أشق من الندم على صاحبه ..

عندما كتبت هذا الكتاب كنت أريد أن أعبر عن ذاتي وتجربتي في مرحلةٍ ما في حياتي ، أردت أن أسجلها لكيلا تضيع في زحمة الحياة ، وقد يأتي زمن أنسى فيه هذه الوقائع أو لا أقدر على تسجيلها..

قد لا تكون هذه الأحداث والوقائع مهمة اليوم إلا أنها ستكون جد مهمة في المستقبل ، لأنها تسجل مرحلة من تاريخ المغرب .. وهي مرحلة غنية ومفيدة وبخاصة وأنني حرصت على تفسير الأحداث المعاصرة من وجهة نظري ، سواء في المغرب أو في العالم العربي ، كما أنني حرصت على ذكر بعض الظواهر المغربية وتفسيرها ، ولم أقصد مما ذكرته مدح أو نقد الوقائع أو الأشخاص الذين ورد ذكرهم في هذه المذكرات ، وإنما قصدت توثيق الوقائع بما يعين على فهمها ، وحرصت على أن أنصف الجميع بكل موضوعية ,فالمغرب يستحق مني كل تقدير ، وذكرياتي فيه هي الأجمل في حياتي ، وأهلـه هم أحبائي وأصدقائي ولم أجد من المغاربة إلا التقدير والوفاء والاحترام فإن قصرت في التعبير عن مشاعري فذلك غير مقصود وان أفضت وبالغت في ذلك فالمغاربة يستحقون مني كل الثناء كشعب عريق أصيل طيب ، ويكفيني فخراً أنني مكثت مدة ربع قرن في ضيافة المغاربة الأصلاء الذين بالغوا في إكرامي بالرغم من صعوبة مهمتي على النفوس كزائر غريب عنهم ، شاركهم فيما هم أجدر به مني من المسؤوليات العلمية ، وأكرر إعجابي وتقديري بالملك العظيم الحسن الثاني طيب اللـه ثراه ، فقد كان رمز النبل والوفاء ، وسيد الخصال الحميدة في إكرامه لضيوفه ، وكان عظيماً في ذلك ، وهو ملك بكل خصالـه ومواقفه التى عرفتها فيه  ، لا ينافسه أحد في ذلك أو يغالبه ، ومهما قيل فيه فهو في نظري الملك الذي توجته خصالـه لكي يكون الملك الذي أعجبت بشمائلـه التي تجسد شخصية ملك متميز في صفاته ..

لست اقصد مدحه فقد انتقل إلى الرفيق الأعلى وليس بحاجة لذلك ، وإنما أعبر عن عاطفة صادقة تجاه ملك ارتبط اسمى باسمه في نظر كل المغاربة وقدمنى إلى شعبه مختاراً متفاخراً بى ومنحني ثقته المطلقة لمدة ربع قرن  وفاءاً منه لقيمه الرفيعة ..

هذه هي شهادتي حاولت أن أكون صادقاً فيها وسجلت الأحداث كما وقعت ، وكما عشتها ، ومن حق أي فرد أن يفسر هذه المواقف بما يراه ، وذلك أمر لا يعنيني ، وما أكتبه إنما أكتبه للتاريخ .

اكتب كل ذلك وأنا في رحلة العودة إلى مرابع الطفولة ، بعد انتهت المهمة وأسدل الستار على المشهد الأخير ، وأصبحنا نعد أنفسنا لمغادرة المسرح إلى حيث يستقر بنا المقام بعد رحلة طويلة طفنا فيها المرافئ بحثاً عن الذات ..

ذلك هو قدرنا .. لم نرسمه بأيدينا ولسنا مؤهلين لرسم معالمه ، تلك هي إرادة اللـه ..

من كلتاوية حلب بدأت الرحلة وربما إليها سأعود ، عندما تنتهي الرحلة ، ويختار اللـه لنا ما هو مقدّر علينا ..

نهاية منعطف وبداية منعطف تلك هي الحياة ، رحلة متواصلة من البداية إلى النهاية ، واللـه هو الذي يشرح قلوبنا لما يختاره لنا ..

أدعو اللـه تعالى أن يتولانا برعايته وأن يطوقنا بعنايته ، لكي تكون مسيرتنا مسددة الخطى نحو الهدف الذي اختاره اللـه لنا ,وأحمد الله تعالى على فضله, وارجو ان يكون عملنا خالصا ومثمرا ومفيدا..

.

محمد فاروق النبهان 

( الزيارات : 2٬012 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *