مناقشة مفهوم المعرفة الاسلامية

  • ·  العضو الزميل السيد محمد فاروق النبهان :

بسم الله الرحمان الرحيم

أود أن أشكر الزميل العزيز الأستاذ عبد الكريم غلاب على هذا البحث القيّم الذي طاف بنا في أنواع المعرفة الإسلامية، وأكد فيها أصالة هذه المعرفة منذ إنمائها الحقيقي إلى مصدرها الأساسي وهو الإسلام آو المصادر الأساسية في الإسلام.

وأن العلماء المسلمين كانوا يحرسون على خدمة الإسلام من خلال ما قاموا به من جهد موفق في إغناء المعرفة الإسلامية.

أجمل ما قرأت هنا ما قاله الإمام الغزالي في كتاب “الإحياء” عندما تحدث عن العلوم الإسلامية؛ قسمها إلى أقسام. قال أصول وفروع وأدوات أو مبينات. كل العلوم الإسلامية لا تخرج عن هذا : أصل وفرع مخرج من ذلك الأصل وأدوات لفهم ذلك الأصل.

أما الأصل فهو النص أي القرآن والسنة.

إذا أردنا أن ندرس هذا الأصل لابد أن نستنتج منه أولا، ولكي نستنتج يجب أن تكون لنا أدوات.

فكانت اللغة العربية هي الأدوات لكي نفهم النص.

إذا لم ندرس النحو وقواعد اللغة والشعر العربي، لا يمكن أن نفهم ذلك النص.

فلم  يكن هناك قواميس. وإذا أردنا أن نعرف لفظة عربية في القرآن، علينا أن نرجع إلى أقوال العرب كيف استخدموا تلك الكلمة. وهنا لابد لنا من خدمة النحو. لكي نفهم النص علينا أن ندرس النحو وقواعد اللغة.

الأصل هو القرآن والسنة. فإذا أردنا أن ندرس هذا النص علينا أن ندرس العلوم المرتبطة بالقرآن. وكلمة علوم القرآن هي التي ارتبطت بجمع القرآن ونسخ القرآن وإعجاز القرآن، وأسباب النزول وهذا علم مستقل هو أول العلوم التي نشأت.

إذا أردنا الجانب الثاني، فهم القرآن، يجب أن ندرس تفسير القرآن.

أول تفسير للقرآن هو التفسير المأثور.

ماهو المأثور ؟

أي نقول : قال الصحابة في تفسير هذا القرآن وهو تفسير ما أوثر عن الصحابة من الأقوال في بيان نص القرآن.

ولكي تصل إلى هذا كان لابد لنا من توثيق الرواية ولهذا كان علم الجرح والتعديل أي علم الحديث.

علم الحديث له جانبان، جانب يتعلق بشرح الحديث واستنباط الأحكام منه، وجانب آخر يتعلق بتوثيقه وهو علم مصطلح الحديث، أي علم الرجال، علم الرواية. فكان علم الحديث ناتجاً عن حاجتنا لفهم الحديث.

ننتقل للعلم الثالث وهو علم الفقه. هو الحكم المستنبط من النص.

لكي نصل إلى هذا العلم يجب أن نضع أواصل تعلمنا. كيف نستنبط الحكم. هذا علم الفقه الذي أبدع فيه المسلمون. لأن نتحدث فيه عن الحكم، والحاكم والمحكوم عليه، ثلاثة أشياء.

الحكم وهو النص

والحاكم وهو الله تعالى

والمحكوم عليه وهو الإنسان.

علينا أن نبحث إذاً على أهلية هذا الإنسان.

الطفل الصغير والمجنون، أو إنسان في حالة كذب… هو المحكوم عليه. هل توفرت فيه الأهلية؟

 إي إذا كان سكراناً، وإذا كان نائماً …الخ. هنا قواعد أصول الفقه. ونبحث عن الجزء الثالث فيه وهو المحكوم به وهو الحكم. ولكي نفهم الحكم علينا أن ندرس الدلالات الفقهية، دلالات النص على الحكم والمراد به، العام والخاص، المقيد والمطلق، أن نبحث عن المجمل والمبين، هذه كلها كي نصل إلى الدلالة المرادة من ذلك النص، كان العلم الثالث أو الرابع هو علم أصول الفقه.

إذن لكي نصل إلى الفقه، إلى الحكم، علينا أن ندرس هذه العلوم المختلفة.

لكي نتمكن من الصلاة، علينا أن ندرس الفلك لا يمكننا أن نصلي إذا لم نكن نعرف الأوقات، فكان في المساجد القديمة ازدهار في علم الفلك لمعرفة الأوقات ؛ متى يكون الظهر، أو العصر، متى يكون الصيام، متى يكون الإفطار. ازدهرت هذه العلوم.

أما العلوم التي لا أصل لها في القرآن فلم تزدهر. مثلا علم الرسم لم يزدهر عند العلماء المسلمين، لأنه محرم في نظر العلماء، فلم يزدهر الرسم والفنون. ازدهرت العلوم التي ارتبطت بالدرس بالأصل. صحيح أن بعض المستشرقين تكلموا كثيراً على أن هذه العلوم بعضها مستنبط. مثلا الفقه مستنبط من القانون الروماني. نحن نعلم أن الفقه ازدهر في بلاد العراق وازدهر قبل عام 150 هـ أي في الفترة ما بين 130 إلى 150 عندما كان أبو حنيفة في العراق وسميت المدرسة العراقية.

لم يزدهر في بلاد الشام إلا فيما بعد.

القانون الروماني لم يكن في بلاد الشام وأول كتاب ترجم من الرومانية إلى العربية كان في القرن الثالث وهو كتاب السوري الروماني.

عندما نأخذ حكما من الأحكام نجد ارتباطاً وثيقاً – أول كلمة في كتب الفقه، البيع جائز، دليل مشروعية هذه في المنهج الفقهي، وفي الكتاب والسنة والإجماع والقياس. هذه المبادئ الأربعة في كل حكم من الأحكام، إذا لم نجد أصلا له وهو دليله من القرآن، من السنة، من الإجماع أو القياس. القياس هو المصالح المرسلة ولكن كلها تدخل فيما يسمى الرأي.

نقول “الطلاق” أول كلمة في موضوع الطلاق أو الزواج، نقول “دليله” أي بمعنى من أين أخذ حكمه.

لكي يكون صحيحاً، دليله من القرآن أي آية قرآنية، دليله من السنة كذا، دليله من الإجماع، أجمع المسلمون على قبوله، ولم يكن هناك مخالف، أو القياس. لا تستقيم الحياة إلا بالطلاق، لا يستقيم الزواج إلا بوجود التعليل العقلي الأخير.

فنجد العلماء المسلمين استمدوا هذه العلوم وأوجدوها لأنهم أرادوا أن يخدموا هذا النص القرآني. فكانت اللغة العربية والاهتمام بالشعر العربي لكي يكون هو القاموس لفهم معاني الكلمات.

ولهذا نجد الكتب النحوية الأولى، والاستشهاد الأول، فعندما نتكلم في النحو فالاستشهاد بالآية القرآنية، وهذا ما نجده في كل الكتب. وعندما تريد أن تشرح الآية القرآنية مثلا عندما تقول ثلاثة قروء، يختلف العلماء فيها.

في موضوع الطلاق كذلك، العدة هي 3 قروء. من أين نأتي بقرء؟ علينا أن نعود إلى ما قاله العرب، وكيف استخدموا معنى قرء.

نجد في الشعر العربي أنهم أحيانا استخدموها بمعنى وأحيانا أخرى استخدموها بمعنى آخر واختلف العلماء في هذا.

إذاً هذه العلوم تسمى المبينات أو الأدوات، ليست مقصودة بذاتها وإنما مقصودة بأنها أداة. مثلما نقول الآن الطبيب عليه إذا أراد تحديد المرض أن يستعين بالأشعة ويذهب إلى المختبر. والمختبر ليس أداة العلاج ولكنه يعطيك مؤشر يساعدك على تشخيص المرض.

الأشعة ليست هي العلاج ولكن تعطيك ماهو موجود . وهكذا، فهذه العلوم تسمى أدوات لخدمة الهدف الذي نريده في النهاية وهو أن نستنبط الحكم الصحيح.

 أشكر الزميل الكريم العزيز عبد الكريم غلاب وكلنا نحتاج إلى فكره وعمق رأيه وسداده فيما يقدمه لنا من أبحاث قيمة وتفسير لأحداث يتمتع بالعمق. شكراً له على بحثه.

 

( الزيارات : 1٬506 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *