مناقشة موضوع لماذا يتعطل العقل عن التفكير

  • ·     العضو الزميل السيد محمد فاروق النبهان :

أشكر الزميل العزيز الأستاذ محمد شفيق على هذه الجولة التاريخية التحليلية العميقة، التي طاف بنا فيها في جميع الموانئ المصرية من الفراعنة إلى الكهنة. كان بحثه قيما وعميقاً. وطرح قضايا مهمة جداً حول نشأة الفكر. وتساءل في النهاية سؤالا جديراً بأن نفكر فيه : لماذا يتعطل الفكر أو العقل أحياناً عن التفكير في مواجهة القضايا الجديدة التي قد لا تكون مقبولة لدى العقل.

سؤال شاق والجواب عليه أشق !

السؤال : هل يستطيع العقل أن يُدرك خارج نطاق العقل ؟

العقل مداه هو المحسوسات. وله جند خمسة تؤدي له مهمته : العين والأذن، والشم …الخ الحواس الخمس هي الأدوات التي من خلالها يتوصل العقل إلى ما يريد معرفته. وخارج هذه الأدوات لا يستطيع العقل أن يُبصر ما وراء هذا الجدار .

العقل خلق لخدمة الإنسان ولكنه لا يستطيع أن ينفد إلى ما يوجد في الكون.

الكون أكبر من العقل ولذلك لم يتحدث القرآن عن الغيب ولم يطالب الناس المكلفين بالحديث في موضوع الغيب. وإنما قال : «الذين يؤمنون بالغيب» مجرد الإيمان بالغيب، بأن هذه الحياة التي ننظر إليها من خلال العقل هناك شيء أكبر منها لا نستطيع أن نصل إليه بالعقل. سؤالي الآن : هل الذين يُنكرون القضايا الغيبية استطاعوا  أن يقدّموا دليلا قاطعاً على إنكارهم لها ؟ هل قدموا لنا دليلا مقنعاً على أنها ليست موجودة ؟

ليس لنا دليل !!

الدين قدّم لنا تصوراً.

 تعالوا نفكر هل نستطيع نحن أن نقدّم تصوراً يُلغي  هذا التصور أو يؤكده ؟

حتى اليوم لا نستطيع أن نجيب عن هذا السؤال. عباس العقاد طرح قضية في كتابه “الله”، قال الدين قدّم لنا تصوراً عن الله، هل الذين ينكرون وجود الله قدّموا دليلا مقنعاً لإبطال هذه الدعوة ؟

فلكي تستطيع أن تبطل معنى الوجود عليك أن تقيم الدليل على عدم وجوده.

العقل البشري لا يستطيع أن يستوعب قضايا كثيرة، حتى في مجال العلم الحسّي المدرك.

العقل يدرك المدركات، وهناك أشياء لا يستوعبها هذا العقل..

العقل كقوّة إبصار لها محدداتها؛ لا تستطيع تجاوزها.

 بعض الحيوانات يملكون قوة إبصار أكثر من الإنسان. قضية الغيب قضية مطروحة : ماذا يوجد خارج نطاق العقل وهو الغيب ؟ الغيب هو الذي لا ندرك بعقولنا.

هل هناك تفسير آخر للكون ؟

هذا هو التساؤل الذي نطرحه على أنفسنا دائماً.

قضية التاريخ والفراعنة والكهنة. تابعت قبل سنوات مسلسلا أنجزته إيران وتُرجم للعربية في 40 حلقة. بعنوان Zizif أي يوسف، قصة النبي يوسف، لا أدري إذا كان أحدكم اطلع على هذا المسلسل.

كان مهما جدا وإخراجه جيد كذلك، وكان يتحدث عن قضية الفراعنة وتاريخ فرعون، وكيف عاش يوسف، وقصة يوسف  وسلطة الكهنة وكيف كان يواجههم، هذا جزء من التاريخ.

نحن مؤتمنون ومكلفون بعقولنا. ولسنا مكلفين بأكثر ما هو موجود خارج نطاق العقل. ولكن هذا العقل البشري هناك أشياء لا يدركها. ولذلك عدد من الفلاسفة وخاصة ابن عربي والفيلسوف اليهودي ابن ميسون وغيرهم تجاوزوا هذا النّفق. ونعرف أن الأكاديمية أقامت دورة عن ابن ميمون والغزالي في غرناطة.

الفلاسفة قدّموا تصوراً للوجود ونظرة راقية عنه. كالإمام الغزالي وابن عربي الحاتمي الأندلسي صاحب التراث الروحي الكبير، والذي يحظى اليوم باهتمام كبير من المجموعة الأوروبية. هؤلاء قدموا تصوراً قد لا يتلاقى حتى مع بعض المفاهيم الإسلامية في موضوع العقيدة، ويسمى بوحدة الوجود أو مرحلة الفناء أو مرحلة أن الله تعالى يتجلى في هذه المخلوقات بما يتراءى، كمثل موضوع الحلاج.

هذه المراحل ذوقية، لا أحد يمكن أن يناقشها بعقله.

هي قضايا ذوقية يتحدث عنها الإنسان الذي عاشها إذا أردنا أن نناقشها بمنطق العقل لا يمكن أن نقبلها.

ابن تيمية قال عن ابن عربي الحاتمي سلطان العارفين : «هذا شيخ الملاحدة»، كتب عن سلطان العارفين وقال هذا سلطان الملاحدة. أين الحق إذن ؟ هذا هو التساؤل الذي نطرحه، أين الحقيقة ؟

ماذا يريد الإنسان ؟ العقل أداة لخدمة الإنسان لكي يحيط بمحيطه وهو ليس مكلفاً بأكثر من هذا. ولكن هل يملك العقل أن يقول بأنه لا يوجد شيء خارج نطاق ما أفهم ؟ بمعنى خارج الدائرة التي أراها ؟ هل أستطيع أن أقول لا يوجد عالم آخر ؟

نحن اليوم نتحدث عن الكون، عن الكرة الأرضية والدائرة الشمسية المحيطة بها، والعقل لا يستوعب أن هناك كواكب تعد بالمليارات تدور حولنا تماثل الأرض. هذا العالم الكبير الذي يحيط بنا.

البحث عن مفهوم العقيدة، كل مجتمع يوجد مفهومه للعقيدة بالطريقة التي تُلائمه.

كانت هذه النزعة الإيمانية نحو الوحدة عند الفراعنة. بمعنى هذا الفرعون أخناتون وصل إلى درجة من الوحدة وقاوم سلطان الكهنة. والكهنة كان لهم جبروت صحيح، لكن أخناتون، وهو فرعون تبنّى فكرة الوحدانية ووقف مع يوسف وتبنى دعوته وفكرته.

إذن، الإنسان صغير في هذا الكون الواسع يتصور أنه يستطيع أن يحيط بكل ما في الوجود وهو جزء صغير في هذا الوجود.

أنا لا أستطيع أن أتصور إلا ما هو محيط بي، فكيف يستطيع العقل البشري بمكوناته المحدودة أن يحيط بكل ما في الوجود.

وأكرر تقديري للزميل العزيز محمد شفيق الذي أتاح لنا فرصة للتأمل في هذه القضايا التي نُطِل من خلالها على عالم واسع من الفكر الإنساني، وشكراً.

( الزيارات : 1٬907 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *