من أقوال السيد النبهان قدس سره (3)

 هذه أقوال وكلمات سمعتها من سيدي الجد العارف بالله الشيخ محمد النبهان طيب الله ثراه ..وقد حرصت على تسجيلها بلفظها أو معناها, وراعيت ما استطعت إبراز المعنى المراد منها..

( الدكتور محمد فاروق النبهان)

  • ليس المهمّ كثرة العبادة وإنّما المهم الأثر النوراني والسلوكي الذي تتركه العبادة في نفوس المتعبدين من طهارة القلب ونقاء السريرة ومحبّة الناس والرحمة بالعباد والإحسان إليهم ومراقبةِ الله في كلّ عمل ومحاسبةِ النّفس على أخطائها ، والتوكّل على الله ، والرضا بما يختاره الله لعباده والالتزام بالاستقامة وتصحيح العلاقة مع الله والناس بما أمر الله ، والتزام الطاعة وأن يجد في الطاعة راحةً قلبية وبهجةً تُنير داخله وتشعره بالسعادة والعبادة التي لا تُثمر أدباً وخلقاً ورحمةً واستقامةً ليست عبادة صادقة ،والغاية من العبادة الثمرة المرجوة منها .  
  • إذا ولاّك الله أمراً حمله عنك ، وإذا طلبته بنفسك تركك تحمل أعباءه ، وقلّما تُفلح فيه ، وما كتب لك في الأزل سيأتيك ، فخذه بعزّ وكرامة ولا تأخذه بذلّ ومهانة ، وربما ما تبحث عنه قد يكون سبباً في شقائك فدع الأمور لله ، والله سيختار لك ما ينفعك وسلّم أمرك لله ، فهذا أفضل لك..
  • كلُّ فعل لا بد له من نية ، فليكن عملك لله ، وكلّ عمل لله فأنت مُثاب عليه ، ولا قيمةَ لعمل لا تنوي فيه أن يكون لله ، والنية الطيّبة هي التي تخرج العمل من دائرة العمل المباح إلى دائرة العبادة التي يُقصد بها وجه الله .
  • إذا ابتلاك الله بأمر أو سلّط عليك عدواً أو حاسداً فلا تنظر إليه ، فالفاعل الحقيقي هو الله ، وهو مسلّطه عليك ، فارجع إلى الله والجأ إليه فإنه يدفع عنك هذا العدو أو الحاسد ، وعندما تدرك أن الفاعل الحقيقي هو الله فإنك لا تحقد على عدوك ، وإنما تُحاسب نفسك على تقصيرك وتلتمس العذر للناس فيما يُقدمون عليه .
  • الابتلاء يُقربك من الله , وهو أداة ترقيةٍ إنه يرقيك ويبعدك عن الناس , وتجد أنك مفتقر إلى الله , ويحققك بمعنى العبدية لله تعالى , وتشعر بضعفك وذلّك ,فلا تضق بالابتلاء , وهو دليلُ عناية , وليس دليل انتقام , وقد يكون الابتلاء هو المنعطف لطريق أفضل لك , فتأمل فيه واستنتج منه العبرة , وخُذ الدروس من نتائجه , فالله الحكيم هو المدبر لشؤون خلقه ومملكته فاستسلم له وسلم أمرك لله , واختر ما يختاره الله لك , وما ضَاق أهل المعرفة بالابتلاء أبداً بل يفرحون به , لأنه يرقيهم ويعلمهم ويقربهم إلى الله …
  • الإسلام يُقرّبك من إنسانيتك ويعمّق فيك القيم الإنسانية وأولها: الأدب مع الخُلق والتماس العذر للناس فيما هم فيه , وثانيها: تعميق عواطف الرحمة المتمثلة في محبة الخلق على اختلاف أديانهم ومِللهم وترسيخ معاني الأخوة الإنسانية , تحب في الله وتُبغض في الله , وثالثها: التواضع مع الخلق وأن تجد أن الناس عبيد الله , يتفاضلون بالتقوى والعمل الصالح , فلا فضل لقوي على ضعيف , ولا لسلطان على أحد إلا بالحق , والناس متساوون , والخلق عيال الله , وأحبهم إلى الله أنفعهم لعباده …  
  • قاوموا عداوة المعادين لكم بالإحسان إليهم وليس بالإنتقام منهم وإذلالهم , فإن عاملتموهم بالإحسان كسبتم صداقتهم ومحبتهم وأضفتم إلى رصيد أصدقائكم صديقاً جديداً أما الانتقام فإنه يُفقدكم الأصدقاء ويضعف من قوتكم , ولا يملك الإحسان إلا الأقوياءُ , لأن الإحسان إلى من أساء إليك يتطلب شجاعةً وقوةً , والنفس تدعوا للانتقام , فقاوموا النفس , وأحسنوا إلى من أساء إليكم , وهذا طريق العقلاء المؤهلين للسيادة .
  • الدين الحقّ يدعوك لأن تكون رجلاً صالحاً ولا يريد منك غير ذلك , والعمل الفاسد ليس من الدين , ولا يمكن للدين أن يُقر الأعمال السيئة كالعدوان والاعتداء على الآخرين والإساءة للناس وأكل أموال الناس بالباطل والعقوق الوالدين وظُلم المستضعفين , والغِش في المعاملات , والدين خلق ولا دين بغير خلق , ومن لم يتخلق بأخلاق الإسلام فلن ينفعه إسلامه , وأهم دليل على صحة إسلامك أن تتخلق بأخلاق الإسلام وأن يظهر ذلك على سلوكك وكلامك ومعاملتك للناس .. وافعل العمل الصالح لا رجاءً في الأجر ولكن رغبة في القيام بما يجب عليك مما أمرك الله به من فعل الصالحات , والتزم بالفضيلة في سلوكيات الكمال ..
  • انظر إلى الله فيما تفعل ، ولا تنظر إلى الخلق ولا يُهمك أمر الخلق رضوا عنك أو غضبوا منك ، ويكفيك أن تُرضي ربك … لا تفعل الخير لكي يصفك الناس بالخلق الرفيع ، ولا يهمك أمر الناس ، ولكن افعل الخير حبَّاً في الخير ، وإيّاك أن تفعل الخير رياءً أو مجاملة لكي يمدحك الناس ، فإنك تفقد أجرك عند الله …. افعل الخير ولا تفخر به ، ويكفيك أن يعلم الله بأمرك ، وانسب الفضل في ذلك للذي ألهمك فعل الخير ، ولولا أن وفّقك الله لفعل الخير لما فعلت الخير ، فاحمد الله الذي وفّقك للخير واختارك لفعل الخير ، ولم يجعل الشر على يديك .  
  • لا تدفعك الذنوب التي ارتكبتها لليأس والقنوط ، وليكن إيمانك بالله كبيراً ، وما دمت تشعر بالندم على ما ارتكبت من ذنوب فلا تخف ولا بدّ من أن يكتب الله لك التوبة ، والندم هو التوبة ، ولا يضق صدرك بالتوبة ، ولو كانت كثيرةً ومتكررةً ، ولا تصرّ على ذنبك ، ولا تدافع عن خطئك وادع الله أن يُنقذك من ذنوبك ، فلا خطر من الذنب ما دمْت تضيق به ، وتندم عليه ، والذنب يعقبه غمّ وكرب وهذا دليل نقاء السريرة وطهارة القلب ، والتوبة حتميّة لمن ضاق بذنبه ، والجؤوا إلى الله لكي يُعينكم على مقاومة الغرائز الآثمة ومن لجأ إلى الله بصدقٍ فلا بدّ إلا أن يشرح الله له صدره للاستقامة وفعل العمل الصالح ….. حبّ الخير
  • افعل الخير لأجل الخير , لا لأجل أن تُمدح , أو تُذكر به , افعل الخير مع أهله ومع غير أهله , فإن لم تجد أهلَ الخير فكن أنت أهل الخير , ولا يَصدر عنك إلا الخير , لأن الخير هو كمال , وينبغي ألا يَصدر عنك إلا الكمال .. والكمال مطلوب لذاته فمن أحبّ الكمال فعل ما يُعبر عن الكمال , وما يُمثل الكمال ..
  • كان السيد النبهان يكره أن يتعلم طالبُ العِلم العلمَ لأجل أن يكتسب به أو يحصل عن طريقه على وسيلة المعاش , وكان يقول : تعلّموا العلم لأجل أن تعملوا به أولاً , ولكي تتعلموا به فضائل الإسلام
  • ليست العبرة في رضا الأب عن ولده , وإنما العبرة في الفعل الذي يصدر عن الإبن , فإن فَعَل فِعْل البرور فهو بار , وإن فَعَل فِعْل العقوق فهو عاق , فكل من فَعَل فِعْل العقوق فهو عاقٌ ولو رضي والده عنه , ومن فَعَل فِعْل البرور فهو بارٌ ولو غضب والده عليه , والعبرة في فِعل الولد .. لكيلا يكون هناك ظلم وعدل , فالأب الذي يغضب على ولده مع قيام الإبن بواجبه وعدم تقصيره فهو بار ولا خوف عليه .. لأنه يفعل ما يجب عليه .
  • لا يهتم بالسلوك الظاهري للإنسان , ولكن كان يهتم بطهارة القلوب وصفائها , ويُبشر أصحاب القلوب الطاهرة بحسن الخاتمة ..  
  • أهل الله لا يعتقدون أنهم يملكون شيئاً ، ويؤمنون أنهم وما يملكون ملك لله تعالى ، فعندما يدفعون لفقير لا يكتفون بنسبة الزكاة وإنما يدفعون كلّ ما يملكون ، وقد يستدينون ويدفعون للفقير ، لأنهم يعتقدون أنهم مسخّرون لخدمة عيال الله وبخاصة الضعفاء ، وقد سخّرهم الله لخدمة خلقه ، وهم لا يجدون فضلهم فيما يفعلون ، وإنما يجدون فضل الله عليهم فيما يفعلون وينسبون الفضل لله تعالى فيما يفعلون ، ولولا فضل الله عليهم لما وفقهم للخير ، ولما جعل الخير على أيديهم ..
  • كان إذا سمع خبراً في أي موضوع عام لا يسأل عن تفاصيله ، وإنما كان يتحدث عن العبرة منه ، وما يمكن أن يُستفاد من ذلك الحدث ..
  • المستقبل بيد الله المستقبل بيد الله والله هو المدبر لشؤون مملكته وهو المسيّر لشؤون خلقه ، وقد تعهّد الله بأن يتولى شؤون الصالحين من خلقه ، فمن فعل صالحاً فالله تعالى يتولاه ويسدد خطاه ، فلا يخافنّ أحدكم المستقبل ، فالله هو الذي يتولى الصالحين .. وهذا لا يعني عدم العمل وعدم الأخذّ بالأسباب والتواكل والكسل ، فهذا من سوء الفهم ، فالتواكل والكسل من الآفات الضارّة ، وهو أمر مَنهيّ عنه ..ولا بد من العمل والعمل عبادةٌ مطلوبة لذاتها ، أما الإنسان فلا يمكنه أن يضمن مستقبله بجهده ولا بتخطيطه ،فما هو مقدّر له سيكون ولا تخافوا من المستقبل ما دام الله هو المتولي لأمركم والضامنُ لكم ..   الحبّ في الله أحبّوا في الله وأبغضوا في الله ، أحبّوا أحبّاء الله وابغضوا أعداء الله ، لا تحبّوا لمصلحة لكم ولا تبغضوا لأسباب شخصية ، فمن أحبّ في الله وكره في الله كان حبّه صادقاً وصافياً وكان له أجرٌ في حبّه ، وأجرٌ في بغضه لمن أساء لله .. عندما تحب الله تنسى نفسك ، ولا يهمّك من أحبك أو كرهك ، وترى الله في كل خطوة من خطواتك .. من أحب الله أحب الناس ، وقام بعمل الصالحات من الأعمال ، ولم يصدر منه إلا الخير ، وضاق صدره بكل سلوك يضرّ بالناس …
  • غاية كلّ عبادة وهدف كل تربية أن يُهيَّئ الإنسان لكي يكونَ صالحاً في ذاته وأن يقوم بالعمل الصالح ، وأن يحترم الآخرين ولو اختلفوا معه في الرأي ، وأن يرحم الضعيف ويساعد على الفقير ، وأن يطهّر قلبه من الأحقاد التي تدفعه للسلوكيات الخاطئة ..
  • الدنيا ليست مذمومة بذاتها ، بل هي محمودة ، ولكن المذموم هو التعلّق المرَضي بالدنيا والانشغال بها عن الله ، والانهماك في جمع المال متجاوزاً المعايير الشرعية ، وأكلُ أموال الناس بالباطل والاعتداءُ على حقوق الأيتام والمستضعفين … فمن تحرّر من التعلق بالدنيا ، وتحكّم في حبه للدنيا ، وبقي سيداً في علاقته بالدنيا ،لا يرضخ للمطامع والأهواء فلا خطر من اشتغاله بالدنيا ، والعمل في الدنيا عبادة ، والعبد مأمور بالعمل لأنه يوفر الكرامة ، ولا كرامة للمتوكلين والكسالى الذين يعتمدون على غيرهم .   الهمّة العالية المسلم الحق هو صاحب همّة عالية ، والإسلام يحض على الهمّة العالية ، وصاحب الهمّة هو صاحب شخصية متميزة ، ومن لا همّة له لا شخصيّة له ومن لا همّة له لا يتقدم ولا ينجح ، والخطاب التربوي يستفيد منه أصحاب الهمم العالية ، لوجود الاستعداد لديهم للتفوق وبذل الجهد ، والإسلام ينهض بأصحاب الشخصية ، والعلم ينهض بصاحب الشخصية لأنه يرفع من شأن العلم ، ويعزر مكانة العلم ، أما صاحب الشخصية الضعيفة فإنه يُذلّ العلم بسلوكياته المنحدرة فيرضى لنفسه من السلوكيات الخاطئة مالا يرضاه أهل الكرامة الذين يعتزّون بسلوكيات الفضيلة ..
  • كان يُصلي الصلوات الخمس جماعةً في داره أو في المسجد ولم أره قطّ يصلي منفرداً ، وكان يؤمّ أسرته في داره ، وكنت أصلّي معه الصلوات كلها ، وكان يوقظني قبل صلاة الفجر ، ويصلي أربع ركعات قبل الفجر ، ثم يجلس مستقبلا القبلة إلى أن يحين وقت الفجر فيؤذن للفجر ، ثم يصلي السنة ، ثم الفرض ، ويجلس بعد الفجر لمدة ربع ساعة يردد بعض الأذكار ويختم ذلك بالدعاء …ثم يجلس لقراءة القرآن ، ولا ينام حتى تطلع الشمس…
  • كان السيدالجد طيب الله ثراه يغتسل صباح يوم الجمعة ، ثم يتناول فطوره ، ثمّ يلبس أفضل ملابسه ويتعطر ويذهب لصلاة الجمعة في جامع الكلتاويّة وعندما تنتهي صلاة الجمعة كان يعود إلى داره ، ويرافقه كلّ من كان في المسجد من المصلين إلى داره في حارة الباشا ، ويقف أمام الدار ويتقدم جميع من كان معه للسلام عليه ..
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه يغضب إذا حدّثه أحد عن أحد أصحابه بسوء ، ويقول حدّثوني عن أصحابي بما يفرحني بهم ، ولا تحدّثوني بما يسئ لصورتهم في قلبي ، ويقول أحبّ الناس إليّ من هو من يعيد أصحابي إليّ لأنني أحبهم وأريد عودة المنقطعين إلى مجلسي ….  
  • رأيت السيدالجد طيب الله ثراه أثناء بناء جامع الكلتاوية يحمل الحجر والتراب ويقف مع عمّال البناء وهم يبنون هذا المسجد ، وكان إخوان الشيخ يعملون جميعاً في البناء ويحملون الحجر والتراب من أسفل الكلتاوية إلى أعلاها ، ويقول : أريد أن نبني جامع الكلتاوية بيد المحبين للكلتاوية
  • رأيت السيد الجد طيب الله ثراه يصنع اللّبِن من التراب ، ثم يشارك في بناء قِباب تُرابية لكي يسكن بها الفلاحون في قرية الجابرية ، ويقول لأصحابه : إذا لم تملكوا المال لمساعدة إخوانكم الفقراء فأعينوهم بجهدكم وافتحوا قلوبكم لكل الضعفاء والمحتاجين …
  • رأيت السيد الجد طيب الله ثراه يعطي الأجير أكثر من أجره المعتاد , ولما سألته عن سبب ذلك قال : أحبّ إليّ أن يشعر أنه غالب لنا وليس مغلوبا ً, فالغالب يفرح أما المغلوب فيحقد ..  
  • كان من عادة السيد الجد طيب الله ثراه :أن يشتري الخضار من البائع الفقير التي يتحوّل بها على ظهر دابته في الأحياء القديمة لكي يساعد هذا البائع على التخلص من سلعته ويقول : اربِحوا هؤلاء البائعين بشراء ما تقدرون عليه من سِلعهم , وأعطوهم ما يطلبون , فإنهم فقراء ..
  • كانت مجالس السيد الجد طيب الله ثراه :جادّة ومهيمنة , ولم يكن أحد يتحدث في مجلس الشيخ , وكان الكلّ ينصت لحديث الشيخ , وكان الشيخ يتضايق إذا وجد متثائباً أو نائماً , وكان يطلب منه أن يخرج لكي يستعيد نشاطه ويقظته ثم يعود ..     
  • كان الجد طيب الله ثراه يعطف على الأطفال ويحبهم ويحدّثهم ويسمع منهم , ويوقف حديثه إذا دخل طفل إلى مجلسه , ويقربه منه ويسأله عن أمره , ويسمع منه شكواه من أبيه أو أمه , ويوصي الآباء بالأطفال
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه يقول لي : عليك بالعلم أولاً والعمل ثانياًَ , والعلم هو عبادتك , وتقرَّب إلى الله بالعلم , وتعلم العلم لأجل العمل به , ولا تتعلم لأجل الوظيفة والمال والفائدة المدية ، وكان يشجّعني على حفظ القرآن , ويسمع مني لما كنت أحفظه ويعطيني مكافأة مادية عما حفظت , ويعلمني كيف يمكنني أن أرجع إلى الكتب الأصيلة ..
  • سمعت السيد الجد طيب الله ثراه يقول لعدد من طلاب العلم : عليكم بالعلم أولاً والعلم ثانياً والعلم ثالثاً .. وإياكم أن تطلبوا العلم لمنافع دنيويّة , بل اطلبوه لله تعالى لكي يُثمر العلم في قلوبكم زهوراً ويُنير دروبكم بالنور والضياء ..
  • كان السيد الجد طيب ثراه يكره أن يدعو الأب على ابنه العاقّ مهما فعل , ويقول : ادع لولدك العاق بالهداية لكي يخف أثر عقوقه عليك , وخذ بيده إلى الطريق الصحيح , ولا تقاطعه ولا تحقد عليه , وادع الله أن يهديه ..
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه إذا جاءه فقير أو مسكين يطلب عوناً أعطاه ما يطلب , وإذا لم يكن لديه ما يعطيه استدان وأعطاه ، ولما قيل له إنّ بعض هؤلاء ليسوا صادقين قال لأن أخطئ في إعطاء من لا يستحق خيرٌ لي من أن أخطئ في عدم إعطاء من يستحق ، وأخشى أن يحاسبني الله على عدم إعطاء محتاج ما يحتاجه من طعام أو غذاء.
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه يُكرم ضيوفه ، ولا ينظر في منزلتهم الاجتماعية ، ولا يُفرق بين رجل وآخر ، والكلّ عنده سواء في مجلسه ويقول : نزّلوا الناس منازلهم كما هي في أنفسهم ، ولا تنزّلوهم كما ترونهم أنتم ، وإذا لم تُعط الإنسان حقه من التكريم فإنه لا يُعطيك قلبه ، وتنقطع صلة التواصل بينك وبينه 00
  • كنت أجلس مع السيد الجد طيب الله ثراه في غرفته بالكلتاوية، وكان الباب مقفلاً وجاءه عالمٌ كبيرٌ لزيارته وطرق الباب بقوة ، واستقبله الشيخ بحفاوة ، ولما غادر المكان قال لي الجدّ طيّب الله ثراه تعليقا على ضرب الباب بقوة : لو كان هذا الشيخ سالكاً على يد مرشد كامل لما طرق الباب بهذه الشدّة فإن السلوك يعلم صاحبه الأدب ولا يمكن أن يذوق حلاوة الإيمان إلا من تأدب بأدب الطريق .  
  • من تعلّم العلم لكي يكون العلم أداته للوظيفة أو المال أو الشهرة فلا خير في علمه , ومن تعلّم العلم ليعمل به ولكي يكون العلم أداته لمعرفة الله فأرجو الله أن ينفع بهذا العلم وأن تنشرح القلوب لما يقوله هذا العالم ..
  • كلّ الطرق الصوفية تقود إلى الله تعالى وليس هناك انحراف في أصل الطريقة وإنّما هناك انحراف فيما طرأ على تلك الطرق بعد ذلك من أخطاء في توجيه تلك الطرق ..
  • ليس من حقّ الشيخ أن يورّث خلافته لمن لا يستحق من أبنائه أو إخوانه , فهذه أمانة , ولا يمكن أن تنتقل إلى من لا يستحقها , لأنه سيسيء إلى سمعة الشيخ ومصداقية الطريقة .. والشيخ الكامل لا يفعل ذلك
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه لا يؤنب أحداً على خطأ ارتكبه ولا يعاتب مقصراً بسبب تقصيره , ولا يشعر منحرفا ًبانحرافه أو فاسقاً بسبب فسقه , ويتجاهل كلّ ذلك , ويخاطبه بكل مودّة ومحبة , ويفتح له باب الأمل ..  
  • أحبّّّّ مرتبة سلوكية إلى نفسي هي مرتبة العبديّة لله تعالى , ولا يصل السالك إلى هذه المرتبة إلا عندما يفرّغ قلبه من كل العلائق الدنيوية , ومن كل الروابط بالخلق ولو كانوا أقرب الناس إليه , وعندئذ يتحقق السالك بدرجة العبديّة لله تعالى .
  • الانشغال بالكرامات حجابٌ عن الله تعالى , والكرامة إذا خلت من الاستقامة فهي استدراج لصاحبها , ولا أهميّة لهذه الكرامة , وهي من خوارقِ العادات التي يحصل عليها الإنسان بواسطة الرياضات وأهل الكمال لا يهتمون بالكرامات , ويحرصون على إخفاء كراماتهم
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه إذا حضر مجلس الذكر أو مجلس الإنشاد يُغمض عينيه ، وينصت بأدب كبير ، وتنهمر الدموع من عينيه ، ولا ينفعل بأصوات المنشدين، ولا يتمايل كما يفعل كثير من أهل الوجد ، ولا يُحب المبالغات في إظهار مواقف الوجد ، بما يُخرج عن دائرة الأدب ، ويُوصي بأهمية الأدب في مجالس الذكر، وأن لا يكون الذكر عادة .
  • أُحبّ العالم النزيه الذي يأكل من عرق جبينه ، والذي يشتغل في كل الأعمال ، ولا أُحبّ العالم الذي يبحث عن وظيفة ، لأن الوظيفة تدفعه ليدفع ثمنها في كرامته ، واليد العليا خيرٌ من السفلى والفقر مع الكرامة أحبّ من الغنى مع المهانة ، ولا تليق المهانة بالعلماء .  
  • ·
  • كان الجد طيب الله ثراه يقول لأصحابه : دعوا الدنيا خارج مجلسي هذا ، ولا تتحدثوا في مجلسي هذا عن شؤونكم الدنيوية ، ولا أدعوكم للتخلي عن أموالكم وأعمالكم وتجاراتكم وإنما أدعوكم لعدم تعلّق قلوبكم بما تملكون من التعلّقات الدنيوية  
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه يعمل في الزراعة وكان من أكثر الناس معرفة بها واهتماماً بالأرض والأقطان والأشجار ، إلا أنني لم أره قطّ ينشغل بها ، ولم يشغله أمرها ، ولم ينفعل بم كان يصيب أعمله من مفاجآت ، ويقول: أقوم بواجبي لأنني أُمرت بذلك ، أما الرزق فمن الله ، ونحن نأخذ بالأسباب كما أمرنا ، ما يقدره الله فنحن راضون به …
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه يقول : نحن لا نفعل طمعاً في الثواب ، ولا نمتنع خوفاً من عقاب ، وإنما نفعل ما يأمرنا به الله تعالى ، ونمتنع عما ينهانا عنه الله ، لأننا عبيد ، والعبد يجب عليه أن يطيع سيده لا رغبة في ثواب ولا خوفاً من عقاب ، وهذا هو العبد البار بسيده
  • التطلّع إلى الكمال هو ما يليق بالإنسان ، وما دعت إليه الشريعة هو الكمال ، ولو خُيّرنا لما اخترنا غير الكمال ، والشريعة هي مجموعة كمالات ، ومن تعلّق بالكمالات التزم أحكام الشريعة
  • الانتقام صفة ضعف ، والأقوياء لا ينتقمون لئلا يُتهموا بالضعف ، والعفو مصدر قوة لصاحبه ، ولا يصدر العفو إلا عن الأقوياء…
  • يكره زيارة الحكام وأصحاب السلطة والنفوذ ، ولم يزر أحداً من رجال السلطة , ولم يدخل على امتداد حياته دارا للحكومة ولم يزر حاكماً أو وزيراً أو محافظاً , وإذا زاره أحد من هؤلاء استقبله ولا يرد له الزيارة , ويقول في تعليل ذلك : نِعم الأمراء على أبواب العلماء وبِئس العلماء على أبواب الأمراء ..
  • لا يعنيني ما يقوله النّاس عني , فأنا أعرف بنفسي من كل الناس , ولا أعتز بما يمدحني به الناس , ولا أتضايق بما يذمني به الناس , فالمادح يمدح ما يظنه فيّ , والذام يذم ما يظنه فيّ , وأنا أعرَف منهما بنفسي , والعاقل لا ينصت لهؤلاء ولا لهؤلاء ..
  • لا يهتم أبداً بما يُقال عنه , ولم يُنصت قط لمن ينقل إليه أقوال الناس عنه , ولم يُغير طريقه أو فكره أو سلوكه استجابة ً لرأي الناس بل كان يفعل ما يُؤمن به أنه الصواب..

 

  • يحضّ إخوانه على العمل والكسب , ويقول لهم : العمل عبادة وإتقان العمل عبادة , وكان يكره المتكاسلين والمتخاذلين وأصحاب الهمم الضعيفة .  
  • كان السيد الجد طيب الله ثراه :يُربّي إخوانه من الشباب على محبة العلم واحترام العلماء , وكان طلاب العلم يحظون بمحبته ورعايته , وكان يشجعهم على مواصلة التعليم الجامعي , ويقول لهم : اطلبوا العلم لكي تعملوا به ولا تطلبوه لكي يكون أداة لكسب المال .
  • صحبت السيد الجد طيب الله ثراه :مدة عشر سنوات مذ كنت في العاشرة من عمري إلى سن العشرين , وكنت استقبل ضيوفه وأقدم لهم الشاي وأحضُر جميع مجالسه , وعندما كان يخرج من البيت كان يصحبني معه في زيارته في حلب أو أسفاره ، وعندما جئت أستأذنه في السفر إلى دمشق للالتحاق بكلية الشريعة لم يأذن لي , ولما أذن لي بعد عام وجئت لوداعه قال لي : سأفتقدك , وستفقدك مجالسي , وإذا ثقلت عليك الغربة فاصبر عليها , فالعلم يستحق أن تصبر عليه ..  
  • عندما غادرت مدينة حلب لأول مرة عام 1959 :للالتحاق بكلية الشريعة بدمشق , وقفت على الهضبة الغربية المطلّة على المدينة أمام منطقة الكُرة الأرضيّة , ونظرت إلى القبة الخضراء في الكلتاوية , وتذكرت كلمة السيد الجد طيب الله ثراه وهو يقول لي في لحظة الوداع .. إذا غادرت حلب أخشى ألا تعود إليها , ولولا العلم لما أذنت لك بالسفر , وعندما يضيق بك أيّ أمر فاشك إليّ أمرك حيث تكون , وسوف أكون معك فيه , وكنت أفعل ذلك , وكنت أشعر بالطمأنينة والأمان , واستمرت رحلتي هذه مدة خمسٍ وأربعين سنة كنت خلالها أزور حلب كل سنة أو سنتين لمدة شهر أو شهرين ..  
( الزيارات : 1٬788 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *