إنسانيّة راقية

ذاكرة الايام..انسانية راقية.
لم تكن ظاهرة التطرف والغلو من الكلمات المتداولة فى مجتمعنا فى بلاد الشام , ولم يعرف مجتمعنا ذلك الغلو فى الدين ولا التطرف فى الفكر , ولم يكن مجتمعنا متعصبا ويكره التعصب فى الفكر والغلو فيه , ما زلت اذكر خلال صحبتى للسيد النبهان منذ طفولتى الى ان تجاوزت الثلاثين من عمرى اننى رأيت موقفا منه يعبر عن معنى الغلو فى المفاهيم والتعصب فى الافكار , كان السيد النبهان ملتزما بالثوابت الاسلامية لا يتجاوزها ولا يتساهل فى ادائها فلم اره ابدا يصلى منفردا او يتعجل فى صلاة مهما كان مسرعا او يتكلف فى اداء عبادة او يحمل فى قلبه حقدا على احد من الخلق سواء كان مسلما او غير مسلم , ولم اجد اي شكل من اشكال التعصب لديه سواء التعصب الطائفى او القومى او المذهبى , كان يقبل الجميع كما هم وكان حديثه معهم فى حضور احد منهم او فى غيابه واحدا وهو بيان منهج الدين والدعوة الى محبة الله والعمل الصالح وتصفية القلوب من الاكدار والتعلقات التى تحجب العبد عن ربه , لم تكن الدنيا تشغله بالرغم من عمله فيها , ولم يتأخر عن قيامه بعمل يجب عليه ان يقوم به , كان له منهج تربوى وروحي متميز , لم يحمل مسبحة بيده قط , ولم تكن له طقوس خاصة خارج الالتزام بالاداب الاسلامية والثوابت الشرعية , لم تكن صوفيته صوفية طقوس ومجالس وجد وسماع واذكار متكلفة , كان له ورد خاص لم يتوقف عنه قط وهو قراءة بعض الايات القرآنية والادعية الماثورة بعد كل صلاة وويختمها بالدعاء الى الله تعالى , ثم تكون الحياة طبيعية من غير غفلة عن اهداف العمل والصدق فيه والاستقامة , وبيان الكلمة الطيبة من غير اساءة لاحد او نصيحة جارحة او معاتبة لمقصر او مذنب , كان يشجع الجميع على العمل الصالح ولا يعنيه غير ذلك , وكان الانسان محترما ومكرما فى نظره , وكان يشجع على العمل والعلم والكسب والاعتماد على النفس , ولم تشهد كلتاوية السيد النبهان طقوسا خاصة , ولا مجاهدات متكلفة ولا خلوات تأمل ولا شطحات سالك , لم اسمع كلمة نابية بحق مذنب ولا كلمة تكفير بحق مقصر , ومع هذا فقذ كنت ارى نماذج راقية من الرجال الصالحين , قد ينقصهم العلم ولكنهم كانوا اكثر فهما والتزاما بثوابت العقيدة وسلوكيات التطلع الى الكمال , ربما تاثرت بما تربيت عليه , ونشأت لا اميل الى ذلك التزمت فى السلوك ولا ذلك الانغلاق فى الفهم ولا ذلك الشعور بكراهية المخالفين , وكنت اجد سعة فى الدين ليس فيها ذلك الضيق الذى يضيق الخناق على المفاهيم الانسانية التى ترفع من شان الانسان فى كرامته وحريته وحقوقه , ومجتمعنا اليوم يحتاج الى ذلك الافق الانسانى الذى يمكننا ان نستمد ملامحة من دغوة القران الكريم الى تكريم الانسان الذى اكرمه الله بانسانيته وجعله مؤتمنا على الحياة لكي يعمر الارض بالحياة ويجعل الايمان بالله هو الشعار الذى يجمع المؤمنين على محبة الله

( الزيارات : 1٬588 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *