ازمة مفاهيم

كلمات مضيئة..ازمة مفاهيم

ما زالت الذاكرة مليئة بذكريات الطفولة وهي مؤثرة وموجهة وضاغطة , بكل ماتحمله من اثار على افكارى وقناعاتى وما اكتبه من كلمات , واعترف انها اليوم اقوى مما كانت عليه من قبل , كنت لفترة طويلة متا ثرا بمنهج الفقهاء والاصوليين الذين انشغلت بافكارهم , وكنت انصت باهتمام ورغبة الى مناهج الفلاسفة والمفكرين الذين حاولوا دراسة التراث من منطلق فلسفى وعقلي ومنطقي , كنت احترم كل المناهج التى تقود الى الحق او تبحث عنه , وهذا حق للانسان , ولا ارى ذلك التناقض بين تلك المناهج , لكل منهج خصوصيته وله حظه من الحق , كنت انصت باهتمام الى كل صاحب فكرة فيما اختار لنفسه او ترجح له , وكما تختلف الابدان فى اشكالها والنفوس فى طبائعها , فان العقول تعبر عن رؤيتها لما تراه , لم انكر على احد ما ترجح له , كل ما سمعته من افكار لم تضف الي شيئا , وكانت توجه اهتمامى الى قضايا تستحق الاهتمام , كنت اقرب الى المنهج البرهانى العقلانى لاننى اعتبره هو معيار التكليف الشرعي , وكنت اجد الحاجة اليه اشد الحاحا فى ظل غياب المناهج الروحية الاصيلة التى تختلف عما الفناه فى ثقافتنا العامة , انكارنا لما نراه من شطط وانزلاقات لا يعنى ان ننكر اصالة المناهج الروحية , ولولا اننى عشت طفولتى فى مجتمع تغلب عليه النزعة الروحية فكرا وسلوكا لانكرت الكثير من الثوابت التى تعتمد عليها المعرفة العرفانية الصوفية , لا اشك ابدا فى اصالة هذا المنهج الروحي الذى يمنح الحياة ملامح انسانية اكثر رقيا ويمنح الوجود ابعادا تتجاوز ذلك الوجود المادى بكل ما فيه من ابداع وتنوع , كنت اتساءل هل نحن بحاجة الى ذلك المعنى الروحي فى حياتنا , الا يمكن ان نستغنى عن تلك الاهتمامات الروحية فى نظرتنا للحياة وللانسان , الا يكفينا العقل اداة للفهم ويلبي كل ما نفكر فيه , عندما اتامل  فى  هذه الخواطر والافكار اجد فراغا كبيرا يصل بنا الى نوع من الاحساس بالعبث والفراغ , واتساءل لما ذا كانت الحياة , وما الذي يميز الانسان عن سائر الحيوانات , ما الذي يميز الانسان , معظم ما يملكه الانسان يملكه الحيوان من الغرائز والعقول التى تجعل كل حيوان يعرف طريقه الذى يوصله الى كماله , وبعضهم يملك مالا يملكه الانسان من اختيار لافعاله , الانسان يتميز عن كل الحيوانات الاخرى بما اكرمه الله به من خصوصيات روحية تجعله فى حال التزامه بها اكثر اخلاقية فى سلوكه واكثر عقلانية فى مواقفه , وكل الكون مسخر له لكي تكون  الحياة اكثر جمالا وكمالا , حسن الفهم من المعرفة الروحية وليس كل العقلاء يملكون رقيا فى الفهم , ليست المعرفة ان نكتشف قوانين الكون المادية , فليس فضلا للانسان ان يكتشف العقل ذلك , من طبيعة العقول انها تكتسب المعرفة عن طريق التجربة والملاحظة والتكرار , كل الاطفال يتعلمون قوانين الحياة من التجربة والتكرار , المهم ان نكتشف ما تعجز العقول عنه من العلوم والمعارف والافكار , كنت اتساءل مع نفسي:  ماالسر الذي يجعلنا فى بعض اللحظات الروحية نوتقي  الى مستوى من الرقي الانسانى فى مشاعرنا ومواقفنا , شعورنا باليقين الروحي والسكون القلبى يثير اهتمامنا , رايت هؤلاء يشعرون بالسعادة الداخلية فى لحظات التامل الروحي , اين هو السر فى ذلك , قدرات العقول ليست متساوية وتميز البعض عن البعض الاخر لاتعنى شيئا , هناك افراد بسطاء يملكون من القدرات مالا يملكه غيرهم , وهذا امر طبيعى فى كون اراده الله كاملا بمن فيه فيما يملكون , من اختار العقل والبرهان العقلى فله ذلك ومن اراد التجربة الروحية فله ذلك , وهذا منهج لا يناقض نقيضه , الانسان مؤتمن على الحياة ان يكون كما اراده الله فيها صادقا امينا رحيما يدفعه الى ذلك ايمانه بالله , وهنا نتساءل هل الحياة المادية قادت الانسان الى سعادة اكبر , مجتمعنا متخلف ليس لانه اكثر ايمانا بربه , ولكنه متخلف لان لم ياخذ باسباب تقدمه العلمى والاخلاقي , الخصوصية الروحية منهج تربوى لرقي الانسان , ولا يغنيه عن اسباب تقدمه المادى فى العلوم والمعارف , اذا لم تسهم التربية الروحية برقي مجتمعها فلا حاجة اليها , ازمة مجتمعنا ليس لانه متعلق بدينه ولكن لانه لم يحسن فهم رسالة الدين فى حياته فاراده مطية له لبلوع ما يريد من دنياه فى المال والسلطة والجاه فانحرفت المفاهيم عن معانيها  وهذه مشكلة اخرى..    

( الزيارات : 714 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *