اصدقاء الفكر ورفاق الطريق

 أصدقاء الفكر 

لا يستقيم الحديث عن الصداقة والأصدقاء إلا في ظل المحبة المتبادلة بين الناس، فالمحبة توجد الاستعداد للتعاون والتقارب، ومع وجود المحبة تقل الحاجة للعدالة القانونية والفقهية، فالمتحابون يحتكمون لميزان أخلاقي يعمق أواصر المودة، وليس إلى ميزان العدالة القضائية الزجرية، ففي ظل المحبة يوجد التناصف أولا ويوجد الإيثار ثانيا، وبفضل المحبة تسهل المطالب وينمو الشعور بالتعاون.

والمحبة قد تنعقد سريعة وتنتهي سريعة إذا ارتبطت بالمنافع والملذات، وقد تنعقد سريعة وتنتهي بطيئة إذا ارتبطت بفعل الخير ولأجل الخير، والخير شيء ثابت وغير متغير، ولذلك فالمحبة تبقى ثابتة وغير متغيرة، وتولد الصداقة الدائمة..

قال ابن مسكويه:

الإنسان محتاج إلى الصديق عند حسن الحال وعند سوء الحال، لحاجته إليه في كلتا الحالتين، وذلك انه عند سوء الحال يحتاج إلى معونة الأصدقاء وعند حسن الحال يحتاج إلى المؤانسة…

والصداقة هي بحث عن السعادة، وهي انتقال من النقص إلى الكمال، والإنسان يجد تمامه في الآخر، ولهذا فلا يتحقق الاجتماع الإنساني إلا بالمحبة والصداقة…

كنت اعتز بأصدقائي واجد لذة في هذه الصداقة، بالرغم من قلة التواصل، ومع هذا فان الصداقة تبقى دائمة… ولا شيء يزعجني كالعداوة والجفاء والخلاف…

في كل بلد كنت أعيش فيه كنت احرص على تكوين مجتمع خاص بي، أتحرك في فضائه واشعر انه مجتمعي الذي يشعرني بالدفء، ولذلك لم أضق بإسفاري وبالغربة التي دامت أكثر من خمسين عاما، منذ أن كنت في الثامنة عشرة من عمري …

كنت أحب الإبحار، واقف في كل الموانئ التي مررت بها، واترك في بعض زواياها بقايا من ذكرياتي، وأسجل بعض كلماتي على جدرانها الأثرية، لعلها أن تقرأ يوما، وهي ذكريات سائح يبحث عن ضالته.. 

لا ادري حتى اليوم .. ما هي ضالتي التي أرهقني الجري وراءها، وأصبحت ألهث ولا اتعب، قد توقفني الشيخوخة يوما ولابد من ذلك، ولكن هل سأكون سعيدا إذا توقف قطاري يوما في محطته الأخيرة…

وجوه كثيرة مرت بي…مازالت ملامحها كما رأيتها لأول مرة في ذاكرتي، لو رأيتها اليوم لما عرفتها…واحسبها مازالت كما كانت في نضرتها وشبابها…

زرت صديقا لي في القاهرة، رأيته جالسا على نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه قبل ثلاثين عاما، وفي نفس الزاوية المظلمة، مازال الكرسي كما هو لم يتغير، ولكن الصديق لم اعرفه، … أصبح شيخا مقعداً يحدق بي من خلف نظارته الطبية الغليظة، ويتأملني من جديد، أخافتني نظراته اليائسة المحبطة بعد أن كان في قمة شبابه ونضارته… 

ثلاثون عاما وهو يجلس على هذا الكرسي من الصباح إلى المساء، لم يتغيب يوما عن عمله، وما ضاق بعزلته هذه… هذا هو عالمه وهذا هو كونه…

كنت أحب زيارة كل بلد كنت فيها من قبل، وكل درب مشيت فيه، وكل زاوية جلست فيها، كنت ابحث عن داري القديمة التي ولدت فيها ولعبت في فنائها الخارجي وجريت في دروبها الضيقة في أيام الشتاء الباردة في طريقي إلى المدرسة صباح مساء…

كل شيء كما كان… الدروب والدور والجدران والأشجار العتيقة والمآذن الأثرية والحوانيت المتهالكة في المدينة القديمة، لاشيء تغير سوى الإنسان، والإنسان هو الوحيد الذي يضعف ويشيخ ويصاب بالعجز ويستسلم ويرحل، ويخلفه جيل جديد وكأنه أقوى من الزمن، وأكثر خلودا من المباني الحجرية القوية…هو الحياة وأداة استمرارها…

وإنسان اليوم هو إنسان الأمس بإرادته وعقله وقوته، إلا أن اختياراته مختلفة، هو نفسه وهو غيره، في استعدادات جديدة وقابليات غير محدودة…ولابد من الاعتراف به ليس كامتداد للسابقين وإنما كوريث شرعي انتقلت إليه مسؤولية الحكم والتدبير، لقد توقف عهد السابقين وبدأ عهد اللاحقين…ولا سلطة لسابق على لاحق…

أصدقائي القدامى هم كما كانوا من قبل..كنا نلتقي فجأة وعلى غير توقع…كل واحد منا تغيرت ملامحه وأصبح عبئا على ذاته…لم تعد ابتسامته كما كانت من قبل عريضة قوية حية، لقد ثقل عليه حمله، وضاقت به أرضه، وأرهقته الأيام ورأى من قلة وفاء الأقربين ما جعله يتطلع إلى كلمة وفاء من الأبعدين، ما لأجل هذا كان الجهد والشقاء، وابتدأت ابتسامة الأمل يخبو بريقها وكأنها شعلة نفد زيتها…

كنا نلتقي من بعيد…نستعيد ذكريات الأمس الجميلة.. والعيون تنطق بما تخفيه الألسن من هموم الأيام…وقلما يحدث احد صديقه بما يقلقه أو يعذبه، وتغيب الشمس خلف الأفق وينكفئ كل فرد إلى ذاته يحدثها بما يثقل كاهله من هموم الأيام…

ما أروع دروس الحياة وهي تقص علينا قصص الأولين… وتعلمنا أن الحياة مهما أشرقت شمسها فلابد ألا أن تغيب يوما، وينطفئ في الكون ذلك الوهج الذي ينير الأرض بالضياء والأمل…

ليست الصداقة مجرد لقاء تعارف، وإنما هي علاقة اجتماعية دافئة مع إنسان يفهمك جيدا وترتاح إليه وتلتقي معه في آمالك، تحدثه عما يجول في خاطرك، وتكاشفه بما لا تستطيع البوح به من أفكارك وآرائك… واعترف أن هذا النموذج من الناس قد يكون ناذرا، إلا انه لابد من وجوده، لان الإنسان يحتاج إلى غيره…

في كل بلد عشت لمدة قصيرة أو طويلة تركت فيه ذكريات خاصة ولقاءات أخوية، وربما يكون المغرب هو البلد الذي شهد أجمل لقاءاتي واعز أصدقائي، فقد كنت في حركة اجتماعية متواصلة، ونشاط ثقافي مستمر، وكنت أتنقل بين المدن المغربية، للمشاركة في الندوات والمؤتمرات واللقاءات الثقافية، وكنت سعيدا بذلك، وفي كل مدينة في المغرب كان لي أصدقاء، كنت احضر استجابة لهم وحرصا مني على أن أشاركهم في نشاطاتهم الثقافية، ولم أضق قط بما كان يصيبني من تعب ومشقة وما أحس به من إرهاق، فقد كان هناك شعور داخلي يدفعني لهذه المشاركات، التي كنت أجدها جزءا من مسؤولياتي الأخلاقية، وكنت أجد حرجا في الاعتذار أو التخلف، فما كنت أحس به من محبة الآخرين كان يدفعني لكي أكون معهم في آمالهم..

لا شيء أجمل من أن تشعر بمحبة الآخرين لك، وكنت الضيف المرحب به في كل اللقاءات الثقافية، وكان هذا مما يشعرني بالمسؤولية…

ويجب أن أشيد بما كنت المسه من أصدقائي المغاربة من محبة صادقة ومن رحابة في الصدر ومن عواطف التقدير، وهذا يدل على أصالة القيم المغربية وعلى مكانة العلم في قلوبهم، ولن أنسى أبداً ما كنت اشعر به من سعادة وسرور…

ومن الصعب أن اذكر أصدقائي، وهم كثر، واعتز بهم، إلا أنني سأذكر بعضهم، بحسب بلادهم، وكان لكل فترة تاريخها، ومن المؤكد أن معظم أصدقائي في المغرب نظرا لأنها الفترة الأطول في حياتي، أما في سوريا فكان معظم أصدقائي هم أصدقاء الطفولة وأصدقاء القرابة والانتماء…

أصدقاء المغرب

معظم أصدقائي في المغرب كانوا من رموز الفكر والثقافة أو من رموز السلطة أو من العلماء أو من رجال الإدارة، وكانت صلتي برجال الأعمال اقل من غيرهم، وكنت احرص على الاختلاط بالمجتمع المغربي لكي أتعرف من خلاله على المغرب. …

ذكرت في كتاب آخر أسماء مائة شخصية مغربية، وبينت طبيعة صلتي بهم، واقتصر هنا على ذكر بعضهم…

1- احمد بنسودة: مدير الديوان الملكي

كان من ابرز الأصدقاء، ويتمتع بخصال فريدة، الذكاء والدهاء والدين ومحبة الناس، واحترام العلماء، وخدمة الناس، كان محبا للخير، ولا يضيق صدره بتلبية حاجات الناس…كان نبيل الطباع أصيل المواقف، معتزا بالإسلام حافظا للقرآن، كنا نلتقي باستمرار ونتبادل الأفكار، وكنا نصلي الجمعة معا في مسجد المشور السعيد لمدة عشرين عاما.

2-  عبد الوهاب بنمنصور مؤرخ المغرب مدير الوثائق الملكية

كان الصديق الأقرب إلي…كنا نلتقي باستمرار وكثيرا ما كان يحدثني عن تاريخ المغرب، القبائل والأعلام والوثائق والملوك والدول، عمل في الديوان الملكي لمدة تزيد عن خمسين عاما، وكان يعرف الكثير من أسرار القصر…وكنت أستشيره في كثير من القضايا واجد لديه الرأي السديد…اصدر مجموعة كبيرة من المؤلفات، الاعلام والوثائق وكان يصدر كتابا سنويا عن أنشطة الملك الرسمية بعنوان انبثاق امة، وكنا زملاء في الأكاديمية المغربية..

3- عبد الهادي بوطالب: مستشار الملك وتولى مناصب سامية، سفارة ووزارة ورئاسة مجلس النواب ومدير عام لمنظمة الايسيسكو، وكان قريبا من القصر، ويتميز بالدهاء والشجاعة وهو سياسي محنك ويحسن التصرف، وهو صاحب مواقف وطنية، وهو من القيادات السياسية والرموز الوطنية، وكنت اقدره واحترمه، وكانت صلتي به وثيقة، وكثيرا ما كنا نلتقي في المؤتمرات الدولية .. ويتميز  بعمق ثقافته الإسلامية وهو من رموز التقارب بين المغرب والدول العربية وقد كلفه الملك بان يلقي خطاب الترحيب بي في الأكاديمية، وكنا نلتقي في رحاب الأكاديمية وفي المجمع الملكي الأردني..

4- عباس الجراري: مستشار الملك، وأستاذ أكاديمي في كلية الآداب، وكان من أصدقائي المقربين، كنا نسافر معا، ونقضي معظم أوقاتنا معا، وكنت ادعوه باستمرار للمشاركة في نشاطات دار الحديث الحسنية العلمية، ونحضر باستمرار المناسبات الخاصة والعامة معا.. ويتميز بالخلق والنبل وهو صاحب رؤية فكرية متميزة، وهو شخصية إسلامية ويدافع عن اللغة العربية بحماس وإيمان…وكان يصدر مجموعة من المؤلفات العلمية والثقافية يعبر فيها عن مواقفه…وكنا زملاء في الأكاديمية المغربية وفي المجمع الملكي الأردني.

5- أبو بكر القادري: شخصية وطنية معروفة، ومن ابرز الشخصيات التي شاركت في الحركة الوطنية وهو من رفاق السيد علال الفاسي في الحركة الوطنية ومن قيادات حزب الاستقلال، وكانت تربطني به صلة صداقة ومحبة، كنت اقدر جهاده الوطني، ويتميز بخلق رفيع وأدب واصالة، وهو رجل مسلم ويعتز بانتمائه العربي، وبعقيدته ودينه، وقد كتب عدة كتب عنوان – مذكراتي في الحركة الوطنية..وهو زميل في الأكاديمية المغربية… ويحظى باحترام كبير لدى المغاربة وبخاصة في مدينة سلا…

6- الشيخ محمد المكي الناصري: وزير الأوقاف وسفير ورئيس المجلس العلمي للرباط، وهو عالم متمكن وخطيب مفوه، وسياسي ورئيس حزب، وتولى رئاسة رابطة علماء المغرب، وكان من اعز الأصدقاء وأقربهم إلي، وهو أول من عرفته من المغرب، وهو أول من دعاني لحضور الدروس الحسنية عندما كان وزيرا للأوقاف…وأقيمت بدار الحديث ندوة ثقافية لتكريمه… وألقيت فيها كلمة معبرة عن تقديري له، وكان يحظى بمكانة كبيرة في المغرب، وبخاصة في منطقة الشمال بتطوان، واشتهر بالشجاعة والجدية والاستقامة، ولا يحسن المجاملة، وقد قام بتفسير القرآن في عدة مجلدات، وهو عضو في الأكاديمية…

7- الدكتور إدريس الضحاك: سفير بدمشق ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، وهو مختص بالقانون البحري، وكنا أصدقاء ونلتقي باستمرار وكنت اقدر استقامته وخلقه، ويتميز بالدماثة وسعة الصدر، وكنا زملاء في الأكاديمية..

8- محمد بوسته: شخصية سياسية بارزة، وهو الأمين العام لحزب الاستقلال وخليفة الأستاذ علال الفاسي ومن رفاقه في الحركة الوطنية، تولى وزارة الخارجية… وهو سياسي معتدل ورجل قانون، وكنت اقدره واحترمه، ونلتقي في المناسبات العامة أو في اللقاءات الخاصة..

9- الدكتور مولاي إدريس العلوي العبدلاوي: رئيس سابق لجامعة القرويين، وهو من الأصدقاء الذين تربطني بهم صلة خاصة، وهو أستاذ جامعي وعميد كلية الحقوق، وكنا نلتقي في رحاب الأكاديمية كزملاء، كما كنا نلتقي في رحاب مجلس جامعة القرويين… وأحيانا كنا نلتقي في المؤتمرات العلمية في المغرب وخارجه…

10- الدكتور محمد بنشريفة: باحث في الدراسات الأندلسية ومؤلف، وعميد سابق ومحافظ الخزانة الوطنية، وهو حاصل على جوائز عالمية وبخاصة جائزة الملك فيصل، وكنا نعمل معا في مجال البحث العلمي ومناقشة الأطروحات العلمية، وهو زميل في الأكاديمية وفي المجمع الملكي بعمان،

11- الدكتور حمزة الكتاني : أستاذ جامعي وزير سابق، وهو صديق الدراسة بجامعة دمشق لمدة سنوات…وهو أول من عرفته من المغرب، وهو ابن الأسرة الكتانية المعروفة بمكانتها العلمية والدينية، وهو مغرم بإعداد دراسات عن تاريخ أسرته وأعلامها وجهودها العلمية…

12- الدكتور يوسف الكتاني: أستاذ مختص بالحديث، وهو ابن مولاي إبراهيم الكتاني شيخ الطريقة الكتانية، وهو صديق عزيز، ويتميز بالعلم والأصالة.. وهو شخصية اجتماعية محببة…

13- الدكتور عبد الهادي التازي : مؤرخ مختص بالوثائق الدبلوماسية، وسفير سابق، ويتمتع بشخصية اجتماعية متميزة بخصالها الرفيعة… هو دبلوماسي ناجح وعميد للمعهد الجامعي للبحث العلمي، وكنا نلتقي باستمرار كزملاء في الأكاديمية المغربية والمجمع الملكي الأردني…

وهناك عشرات الأصدقاء الذين تربطني بهم صلة المحبة والصداقة والزمالة، وكنا نلتقي باستمرار في اللقاءات الثقافية أو المناسبات الاجتماعية، وذكرت أسماء مائة شخصية ممن عرفت، في كتابي الآخر عن المغرب…

ومما كان يسعدني أن اذكر أسماء جميع الأصدقاء ولكن لا سبيل لذلك لضيق هذه المذكرات عن ذكر التفاصيل، واكتفي بذكر البعض على سبيل الإجمال:

–         د. عبد اللطيف بنعبد الجليل وزير التعليم العالي سابقا ومدير جامعة محمد الخامس

–         د. ادريس خليل وزير التعليم العالي سابقا ومدير جامعة محمد الخامس

–         د. احمد توفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

–         د. عبد الكبير العلوي المدغري وزير سابق للأوقاف

–         د. سعيد بلبشير وزير سابق للثقافة

–         د. عبد الوهاب التازي سعود مدير جامعة القرويين سابقا

–         د. عبد العزيز بتعبد الله باحث ورئيس مكتب التعريب

–         د. محمد شفيق باحث في اللغة الامازيغية ومدير سابق للمعهد المولوي

–         د. عبد الكريم غلاب أديب وصحافي ومدير جريدة العلم

–         د. عبد اللطيف بربيش طبيب وأمين السر الدائم للأكاديمية

–         د. احمد رمزي وزير سابق للصحة والأوقاف

–         ذ. احمد العمارتي التشريفات الملكية

–         د. سعيد بن سعيد العلوي عميد كلية الآداب

–         د. إدريس خليفة عميد كلية الشريعة بأغادير

–         د. محمد يسف عميد كلية الشريعة سابقا والأمين العام للمجالس العلمية

–         د. عبد الله شاكر الكرسيفي عالم وعميد لكلية الشريعة بأغادير

–         د. آمال جلال مدير جامعة فاس ووالي فاس

–         د. محمد الكتاني عميد كلية الآداب بجامعة تطوان وعضو الديوان الملكي

أصدقاء سوريا

يتميز أصدقائي في سورية وبخاصة في مدينة حلب بأن معظمهم من أصدقاء الطفولة، وممن تربطني بهم صلة الزمالة الدراسية أو الصداقة الأسرية، ومن الطبيعي أنهم ينتمون لمختلف الطبقات الاجتماعية، ومعظمهم لا صلة له بالمناصب الرسمية…

واذكر على سبيل المثال:

–    الدكتور محمد صهيب الشامي: مدير أوقاف حلب وعضو مجلس الإفتاء الأعلى وأستاذ بجامعة حلب، وهو صديق قديم منذ الطفولة، وتربطني صلة وثيقة بأبيه الشهيد الشيخ محمد الشامي، واستمرت صلتي بالدكتور صهيب فيما بعد، وكان صديقا وفيا، وهو احد ابرز الرموز الإسلامية في مدينة حلب، وله نشاط ثقافي واجتماعي واسع، ويعود إليه الفضل في تشجيع المدارس الشرعية وبناء المساجد ورعاية الأعمال الخيرية…

–    الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، عميد سابق لكلية الشريعة، ومن رموز الدعوة، ومن العلماء الذين يحظون بمكانة شعبية كبيرة، وله مؤلفات قيمة، وتربطني به صلة قديمة منذ أيام الدراسة في القاهرة….

–    الدكتور عبد الرحمن الباشا: أستاذ جامعي، وعاش معظم حياته في السعودية، وكنا أصدقاء وزملاء في جامعة الإمام، وهو باحث متمكن وأديب ومؤلف..

–    الدكتور عبد القدوس أبو صالح: استاذ جامعي، وهو رئيس رابطة الأدب الإسلامي، وكنا زملاء في جامعة الإمام…

–    الدكتور سعيد فرهود: رئيس جامعة حلب سابقا، وهو صديق الطفولة، وباحث في مجال الدراسات الحقوقية والمالية العامة…

–    الدكتور بكري شيخ أمين: أديب وباحث وأستاذ جامعي، وهو صديق وزميل في جامعة الإمام في الرياض…

وهناك أصدقاء آخرون اذكر أسماء بعضهم:

–    الشيخ محمود حوت مدير مدرسة الكلتاوية

–    الشيخ احمد حسون مفتي مدينة حلب

–    الشيخ عبد الهادي بدلة خطيب جامع الرضوان

–    الأستاذ عبد العزيز الشامي نائب في مجلس الشعب

–    الحاج نادر عجم: عضو غرفة التجارة

–    الحاج ظافر دباغ: تاجر

–    السيد مروان باقى: مهندس

–    د. علي سيرجيه: طبيب عيون..

–    د. كامل كيه وار: طبيب تحليل..

–    السيد عبد المجيد شبارق مهندس

أصدقاء مصر

أصدقائي في مصر كثيرون، بعضهم عرفته أيام دراستي في القاهرة، والبعض الآخر عرفته بجامعة الكويت، وآخرون عرفتهم فيما بعد من خلال اللقاءات العلمية والثقافية في المؤتمرات المختلفة…

واذكر أسماء بعضهم:

–    الدكتور محمد البلتاجي: عميد كلية دار العلوم سابقا، وهو زميل دراسة

–    الدكتور عبد الصبور شاهين: أستاذ بكلية دار العلوم وهو زميل دراسة والتقينا فيما بعد بجامعة الكويت

–    الدكتور رمزي الشاعر: رئيس جامعة بمصر، وكنا زملاء بكلية الحقوق بالكويت، وكنا نسكن في عمارة واحدة في الكويت

–    الدكتور زغلول النجار: أستاذ بكلية العلوم، والتقينا بجامعة الكويت لمدة سنوات

–    الدكتور مصطفى زيد: أستاذي والمشرف على أطروحتي.. وكانت تربطني به صلة صداقة ومودة، واذكر فضله علي…

–    الدكتور الأحمدي أبو النور: وزير سابق للأوقاف، التقينا في رحاب الدروس الحسنية بالمغرب.

–    الشيخ زكريا البري: رئيس قسم الشريعة بالكويت، كنا زملاء في الجامعة.. وأسندت إليه وزارة الأوقاف فيما بعد…

–    الدكتور محمود حمدي زقزوق: وزير الأوقاف، والتقينا بجامعة قطر، كما التقينا في عدة مؤتمرات، وهو رجل عالم وصاحب خلق واستقامة

–    الدكتور عبد الحي حجازي: عميد كلية الحقوق بالكويت، وكنا زملاء في الكلية وتربطني به صلة مودة وصداقة، وكان رجلا فاضلا… وهو من أعلام القانون.

وهناك مجموعة أخرى من أمثال الدكتور احمد الغندور والدكتور شوقي ضيف والدكتور يوسف خليف والدكتور حسين مؤنس والشيخ محمد الغزالي والدكتور جعفر عبد السلام والدكتور احمد كمال ابو المجد.

أصدقاء السعودية

أقمت ثلاث سنوات في الرياض، وكانت تربطني صلة صداقة ومودة بعدد من الإخوة السعوديين الذين عرفتهم عن قرب، في الجامعة أو خارجها…ومن أبرزهم:

–    الدكتور احمد الضبيب: مدير جامعة الملك سعود بالرياض، وهو من اعز الأصدقاء وأقربهم إلي، ولم تتوقف صلتي به، واستمرت كما كانت، وهو من أكثر الأصدقاء وفاءا ونبلا واستقامة، وتجددت هذه الصداقة بعد أن مثل السعودية في عضوية الأكاديمية المغربية التي كنا نلتقي باستمرار في دوراتها السنوية…

–    الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ: وزير العدل السابق، وهو من الشخصيات السعودية التي أعجبت بأخلاقها وأصالتها وتواضعها، وعرفته منذ الأيام التي أقمت فيها بالرياض…

–    الدكتور عبد الله التركي: وزير الشؤون الإسلامية سابقا، كنا زملاء في كلية الشريعة بالرياض لمدة عامين، ولما غادرت الرياض استمرت الصلة والصداقة والمودة…

–    الأستاذ علي ماجد القباني: سفير المملكة لدى المغرب، كان من اعز الأصدقاء، كنا نلتقي باستمرار ونصلي الجمعة معا لمدة سنين، ونقضي أمسياتنا معا، كان صديقا وفيا وسفيرا ناجحا…

–    الدكتور عبد العزبز خوجة: سفير المملكة في المغرب، وكان صديقا عزيزا، وكنا نلتقي في مناسبات خاصة وعامة وهو شاعر رقيق ويتمتع بأخلاقية عالية

–    الدكتور عبد العزيز التويجري: المدير العام لمنظمة الايسيسكو الإسلامية، وكان من اعز الأصدقاء الذين تربطني بهم صلة المحبة والمودة، وقد كان ناجحا في إدارة المنظمة الإسلامية الايسيسكو ويحظى بمكانة متميزة في الأوساط الثقافية.

وهناك مجموعة أخرى من أمثال الدكتور عبد الرحمن الأنصاري والدكتور منصور الحازمي والدكتور خالد البدلي والدكتور عبد العزيز الفدا والدكتور محمد عبده اليماني.

أصدقاء الكويت

أقمت قرابة سبع سنين في الكويت، وكان لي أصدقاء كثر ومعظمهم في الجامعة…وابرز هؤلاء:

–    الدكتور خالد المذكور: وهو أستاذ جامعي، وهو الآن رئيس الهيئة الاستشارية العليا للنظر في استكمال تطبيق أحكام الشريعة، ويتميز بالتقي والصلاح والاستقامة…وهو من الرموز الإسلامية التي تحظى بالقبول والاحترام…

–    الدكتور عبد الله النفيسي: أستاذ جامعي بكلية التجارة والعلوم السياسية، وهو شخصية كويتية يتمتع بقدرات جيدة، وله مشاركات سياسية، وهو نائب سابق واشتهر بالمواقف الحادة والجريئة.

–    الأستاذ عبد الله حسين الرومي: وهو سفير سابق في الرباط، وتربطني به صداقة إلا أننا كنا مختلف في المواقف والآراء الفكرية والسياسية… وكان شديد الاعتزاز بالقضايا الوطنية..

–    السيد يوسف هاشم الرفاعي: وزير سابق، وهو شخصية إسلامية يغلب عليها الاتجاه الصوفي، وهو رجل صالح وتقي ويحب مساعدة الآخرين، وله مجالس دينية على غرار مجالس الذكر…

–    السيد سليمان المرجان: سفير الكويت بالرباط، وهو صديق عزيز، وهو رجل دبلوماسي وكنا نلتقي باستمرار بالرباط.

 

أصدقاء الإمارات العربية

يتميز شعب الإمارات العربية بالطيبوبة والأخلاق الحميدة، وهو شعب مازال محتفظا بخصاله العربية الأصيلة، وقد زرت الإمارات وبخاصة مدينة دبي عدة زيارات، واشعر بسعادة في كل زيارة، وبخاصة في شهر رمضان، وهناك عادات أصيلة مازالت قائمة… وأمسيات رمضان جميلة في هذا البلد المضياف…

وأهم أصدقائي في الإمارات:

–    السيد جمعة الماجد: وهو من اعيان دبي ومن رموزها الاقتصادية، وله أعمال علمية وثقافية وخيرية، وقد انشأ مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، كما انشأ كلية للدراسات العربية والإسلامية، ودعاني عدة مرات لزيارة مؤسساته الثقافية كما عرض علي أن أكون عميدا لكلية الدراسات العربية والإسلامية في دبي، وهو رجل يستحق التقدير والثناء نظرا لأعماله الثقافية وجهوده في مجال جمع المخطوطات النفيسة…

–    السيد محمد عبد الله القاز: وهو من أعيان مدينة دبي، ومن رموزها الثقافية، وهو محب للعلم وللثقافة ويتابع باهتمام القضايا الوطنية والثقافية، ويتميز برؤيته القومية وسعة افقه وتجربته، وكنا نلتقي باستمرار، ويغلب على مجالسنا الحوار الثقافي، وكنت أعجب بسعة اطلاعه على تاريخ الخليج وأسرار تلك المنطقة والتحديات التي تواجهها، وهو رجل ملتزم بالإسلام ويتمتع بأخلاق رفيعة…وله جهود طيبة في الأعمال الخيرية..

–    السيد سيف الغديد: وهو من الأسر العريقة المعروفة بمكانتها في دبي، وبنشاطها المالي، ويتميز بالخلق والنبل، وكان صديقا عزيزا، وكنت اقدر مواقفه وتشجيعه لكل النشاطات الثقافية والأعمال الخيرية…

–    السيد عيسى حمد بوشهاب: سفير الإمارات في الرباط، وهو شخصية متميزة بأخلاق عالية وصفات محمودة، وكان صديقا عزيزا وأشيد بمواقفه الجيدة…

–    الدكتور سعيد سلمان: وزير سابق ورئيس جامعة عجمان، وهو من الشخصيات الإسلامية التي تتمتع بالشجاعة والرؤية المنفتحة، وله إسهامات جيدة في مجال العمل الأكاديمي…

أصدقاء الأردن وفلسطين

معظم أصدقائي في الأردن عرفتهم من خلال عضويتي بالمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية التي تمت بناء على قرار ملكي عام 1989، وكنا نجتمع في كل سنتين في مؤتمر عام لجميع أعضاء المجمع، وأتيحت لي الفرصة للتعرف على شخصيات أردنية معروفة بمكانتها العلمية…

وأهم أصدقائي في الأردن ما يلي:

–    الدكتور ناصر الدين: الأسد وزير سابق وهو من أعمدة الأردن الثقافية ومن رموز الأدب والفكر في عالمنا العربي، وكان رئيسا للمجمع الملكي لمدة عشرين سنة، وهو شخصية أكاديمية يتمتع بالدماثة والخلق الرفيع والخصال النبيلة، وهو أديب وكاتب ومفكر، وله مؤلفات مهمة، وكان صديقا اعتز بصداقته، وفي الوقت ذاته فقد كان زميلا في الأكاديمية المغربية،

–    الدكتور عبد العزيز الخياط: وزير سابق للأوقاف، وشخصية علمية، وله مشاركات قيمة في المؤتمرات الثقافية، وصدرت له عدة مؤلفات، وكان صديقا اعتز به، ويتميز بالسعة والحماس والنشاط،

–    الدكتور عبد السلام العبادي: وزير سابق للأوقاف، وصديق عزيز، كنا نلتقي فكريا، واشتركنا في عدة لقاءات ثقافية وندوات، وهو شخصية علمية متميزة، وله جهود طيبة في مجال الفكر الإسلامي…

–    الدكتور احمد صدقي الدجالي: وهو من اعز الأصدقاء، وكان من القيادات الفلسطينية الفكرية ومن ابرز الشخصيات الفلسطينية التي عرفتها، كان واسع الثقافة ويتمتع بسعة الأفق، ويدافع عن قضية بلده بحماس، وله مشاركات واسعة في المؤتمرات السياسية والثقافية، وكان عضوا في الأكاديمية المغربية، وكنا نلتقي في كل دورات الأكاديمية، وهو شخصية اجتماعية دمثة، وكتاباته تدل على سعة في رؤيته وعلى التزام في المواقف الوطنية …

–    الشيخ عكرمة صبري: مفتـي القدس، وهو صديق الدراسة بجامعة دمشق ويتميز بالعلم وهو من رموز الجهاد الفلسطيني، وله مواقف وطنية مشهودة..

وهناك أصدقاء آخرون كنا نلتقي باستمرار في المؤتمرات واللقاءات العلمية أو نشارك في أعمال ثقافية،

ومن ابرز هؤلاء :

–    الدكتور صبحي الصالح: وهو من علماء لبنان، وكنا أصدقاء وكنت معجبا بحسن أدائه وفصاحة لسانه وقدرته على الحفظ، والتقينا مرارا في الدروس الحسنية، وهو شخصية محببة إلى النفس، ويتمتع بخصال رفيعة، والتقينا في رحاب الأكاديمية المغربية، ولما استشهد حزنت عليه كل الحزن…

–    الشيخ محمود الصواف: وهو من علماء العراق، وكان يعيش في المملكة السعودية، وهو خطيب مفوه وداعية مخلص، وتربطني به صلة صداقة ومودة…

–    الشيخ مولود قاسم: وزير الشؤون الإسلامية في الجزائر، وكان مشرفا على الملتقى الإسلامي الذي ينظم في كل عام في الجزائر، وقد شاركت فيه مرتين، وهو من الملتقيات المتميزة بأسلوبها وتنظيمها، ويتميز السيد مولود قاسم بشخصية فريدة في طباعها وجديتها وصراحتها وفي نفس الوقت فقد كان يملك قدرات تنظيمية فائقة،

–    الشيخ محمد علي التسخيري: وهو من رموز الثورة الإسلامية في إيران، ومن قياداتها المخلصة، وكان يتمتع بشخصية دمثة وأخلاق عالية وسعة في الأفق وقدرة على استيعاب فكر الآخرين، وهو شخصية تتميز بالاعتدال، وأسندت إليه مهمة الأمانة العامة لهيئة التقريب بين المذاهب، وكان صديقا عزيزا تربطني به مودة متبادلة

–    عبد المجيد الخوئي: وهو ابن الإمام الخوئي الذي يعتبر المرجع الشيعي، وكنا نتحدث كثيرا عن التقارب بين الشيعة والسنة، كما كان يحدثني عن معاناة أسرته في العراق، وكان يرأس مؤسسة الإمام الخوئي العالمية، ونظم مؤتمرا عن التقارب بين الشيعة والسنة ودعاني لحضوره في دمشق، ولما عاد إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين قتل على أيدي خصومه….

–    الدكتور الحبيب بلخوجة: مفتي تونس، والأمين العام للمجمع الفقهي، وكنا أصدقاء، وكنت اقدر علمه وفضله، وبدأت صلتنا في رحاب الدروس الحسنية، وكان الملك يقدره، وفي الوقت ذاته فقد كنا زملاء في الأكاديمية المغربية…

–    الدكتور محمد اركون: أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة السوربون الفرنسية، وهو جزائري الأصل، وهو باحث في التراث الإسلامي، وله آراء في موطن النقد، ويتهمه خصومه بمجاراة المستشرقين في نقده للفكر الإسلامي، كان صديقا، وكنا نتحاور فيما نسب إليه، وكان يؤكد لي اعتزازه بالإسلام…

–    الشيخ احمد الخليلي: مفتي سلطنة عمان، وهو عالم متمكن في فقه الاباضية، وهو رجل تقي وصالح ويتمتع بخصال رفيعة، وله نشاطات إسلامية وبحوث تدل على سعة علمه… وكنت اقدره، وكنا نلتقي في رحاب المجمع الملكي في الأردن وفي معظم المؤتمرات الإسلامية…

–    الدكتور إبراهيم شبوح: مدير مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي وهو تونسي الأصل، وهو شخصية علمية يتمتع بالنشاط والذكاء، وكنا على صلة وثيقة نظرا لعضويتي في هذه المؤسسة…

–    الدكتور عبد الحليم محمود: شيخ الأزهر، وكنت أحبه واحترمه، والتقينا عدة مرات في رحاب الدروس الحسنية، ويتميز بالخلق والدين والاستقامة، وهو رجل صوفي في فكره وسلوكه،

–    الدكتور محمد سيد طنطاوي: شيخ الأزهر، عرفته عندما كان مفتيا، وتحاورنا كثيرا في قضايا إسلامية، وهو رجل عالم وتقي وصالح، وتغلب عليه صفة الصدق، إلا انه قد تصدر عنه آراء متسرعة وهذا مما يؤخذ عليه وبخاصة بالنسبة لموقعه كشيخ للأزهر..

–    الدكتور عبد الله الاوصيف: كان عميدا لكلية الزيتونة، وهو صديق عزيز، وكنا على صلة دائمة، ودعاني عدة مرات لإلقاء محاضرات في الكلية الزيتونية…

عندما اذكر أسماء بعض الأصدقاء استعيد ذكريات الأمس البعيد، في رحلة الحياة من العدم إلى الوجود ومن الوجود إلى العدم، وكأن الحياة هي حلم نائم  يعش الأحداث والوقائع وكأنها حقيقية، يحزن ويفرح ويضحك ويبكي ويتألم ويشعر بالسعادة، وفجأة يكتشف في لحظة اليقظة الحقيقة كاملة، مجرد سراب مجرد حلم، ويحاول أن يمسك بتلابيب ما رآه في نومه، وينساب الحلم من بين يديه كماء ينساب من بين الأصابع، لا يمكن إيقاف جريانها السريع، وقبل أن يفتح عينيه ينسى كل شيء، وتبقى أطياف ذكريات متناثرة، ويحاول صاحبها أن يتذكر ما رأى فلا تسعفه الذاكرة ولا تستجيب له…

لعله من الأفضل أن ينسى، لكيلا يفسر الحلم بما يسعده أو يشقيه، فيفرح لما يفرح من الأحداث ويحزن لما يحزن، وما هي إلا أضغاث أحلام، حار المفسرون في تأويلها، واكتشفوا بعد حين انه لا قانون يمكن له أن يحكم قبضته على هذه الأحلام، مثلنا في ذلك كمثل أحلام اليقظة، التي ينتجها خيال واسع، فالطامحون يحلقون بها في فضاءات الكون، ويصنعون منها صروحا مريحة لهم في لحظات التأمل، ثم يكتشفون أن أحلام اليقظة هي مجرد مرآة لطموحات الطامحين ولغرور المتكبرين، وهي صانعة مجد الأباطرة السالفين…

وذكريات الأمس ليست أحلام نوم أو يقظة، وإنما هي أحداث حقيقية مازالت عالقة في الخيال، هي بقايا مازالت عالقة في جدران الذاكرة قد تنسى بعد حين، هي رأسمال الإنسان عندما يشعر بحاجته إلى أمسه البعيد، لعله يريد من خلال مذكراته أن يبقى حيا وان يذكر بما هو فيه…

ليس كل ما يكتب من ذكريات لا قيمة له، بعضه معبر ومفيد، وبخاصة ما كان يحمل فكرا أو تجربة أو موقفا…

وأصدقاء الإنسان هم محيطه الاجتماعي، والفكر وليد رؤية صاحبه من خلال تلك الحركة الاجتماعية التي تمثل محيطه، وعندما أخذت استعيد أسماء أصدقائي عدت بذاكرتي إلى ذلك الأمس، أليس هؤلاء هم جزء من كياني ويحتلون صفحة من سجلي…

لو تأملت في شخصية هؤلاء الأصدقاء لوجدت جذعا مشتركا يشتركون فيه، ولولا ذلك لما كانت الصداقة والمودة… ولابد من وجود انسجام على مستوى الفكر والقاعدة المشتركة…

ولابد في الصداقة من مجانسة، نفسية أو فكرية أو سلوكية، وهنا تكون الصداقة دائمة، ومن ذكرتهم من الأصدقاء معظمهم من رموز الثقافة الإسلامية، قد يختلفون في بعض الجزئيات…ولكن تجمعهم الثوابت الواحدة…ولابد من الاختلاف وهو ظاهرة حتمية وصحية، ولكن لا يمكن لهذا الاختلاف أن يؤدي إلى توقف الحوار، والى زوال المودة…

الالتزام الإسلامي لا يعني الجمود ورفض الاجتهاد وتوقف الحوار مع الآخر، فالجمود مؤشر على ضيق الأفق الإنساني، ولابد من احترام التعددية، وهي ظاهرة حضارية ومؤشر على قابليات إيجابية…

وأهم ما في الصداقة إنها تعبد الطرق الوعرة وتزيل الحواجز النفسية وتذيب الأوهام، وفي ظل الصداقة تضيق دائرة الخلاف، ومعظم الخلافات المذهبية وهمية ونفسية، وأسبابها دفاع عن مصالح دنيوية أو مطامح سياسية أو تعبير عن احتقانات تاريخية، وأوجه التلاقي أقوى وأرسخ، وأسباب التفرقة شخصية، ولا خيار لهذه الأمة إلا في وحدة المواقف والثقة المتبادلة، وليست هناك حدود جغرافية، وإنما هناك تشابك في المصالح على حساب الدين والأخلاق والقيم المشتركة…

وكنت عندما اختار صديقا كنت ابحث عن أوجه التلاقي بيني وبينه، ولابد من وجود ذلك لكي تكتمل الصداقة وتنمو وتدوم، وليس كل من نراه يمكن أن يكون صديقا، وليس كل من نلتقي به يمكن أن نرتاح إليه، ولابد من وجود القواسم المشتركة التي تريح كلا من الطرفين، أحيانا كنت التقي شخصا لمدة سنين ومع ذلك لم أكن اسميه صديقا، وبعض الأصدقاء كنت أراه مرة واحدة، وتستمر الصلة بيننا، وعندما نلتقي ثانية نلتقي وكأننا نجتمع في كل يوم…

أمر خفي لم اكتشف سره بعد، هو سر الطمأنينة في الصداقة، قد نقول لقاء الأرواح وتقارب الطباع والجذور المشتركة، ولكن هناك شيء أقوى هو سر مازال خفيا…  لماذا ارتاح إلى فلان إذا التقيت به واشتاق إلى لقائه في كل حين، وأضيق بآخر كلما رأيته، وأضيق بمجلسه كلما اجتمعت به…

من ذكرتهم كنت ارتاح إليهم ممن عرفتهم في حياتي، وهناك آخرون لا يقلون عمن ذكرت مكانة في قلبي لم اذكرهم، بعضهم لا ينتمي إلى أسرة العلم والثقافة، وهناك أشخاص كنت أحبهم واعتبرهم من اعز الأصدقاء وهم من عوام الناس وينتمون إلى مجتمع الأغلبية الصامتة الذين قد تجد فيهم من صفات الاستقامة والصفاء والتقى والورع ما لا تجده في مجتمع النخبة الثقافية…

لم يكن هذا المجتمع الشعبي بعيدا عن اهتمامي، كنت ارتاح إليه، وأجد فيه طمأنينة نفسي وانشراح صدري، هذا المجتمع أكثر نقاءا من مجتمع النخبة، لأنه مجتمع الفطرة السليمة…

          في بلدي حلب كنت أجد هذا النموذج من الأصدقاء، وكنت اشعر بالطمأنينة والانشراح، واحلق في فضاءات الفطرة غير الملوثة، ويثير إعجابي هذا النموذج الإنساني الذي يتصرف بطريقة تلقائية، ويدرك بفطرته الصافية القيم الإنسانية الرفيعة…

ما اجل ما كنت اشعر به عندما كنت التقي بأخ لأول مرة، واشعر وأنا أحدثه ويحدثني عن صلة روحية قوية، كانت سعادتي لا حدود لها، ويبقى اثر ذلك اللقاء في قلبي كسراج يضيء في كياني، وأحس بوهجه الدافئ  في صدري…

لا شيء كحديث الروح يثير مشاعر السعادة، وكأن الإنسان غير ذلك الإنسان الذي نعرفه من قبل، قد انقلب فجأة إلى كتلة نورانية مطوقة باستعدادات فطرية وتلقائية للارتحال والسمو إلى عوالم علوية، ولم أجد في حوارات العقول ذلك الاستعداد الروحي، وتأكدت أن ما يسعد النفس هو ما يرتقي بمستوى اهتمامها إلى الأفضل والأسمى…

( الزيارات : 2٬249 )

One thought on “اصدقاء الفكر ورفاق الطريق

  1. _ السلام عليكم ورحمة الله
    حفظكم الله ورعاكم وادامكم ذخرا للإسلام والمسلمين
    أرجو من فضيلتكم التكرم بكتابة كلمة موجزة عن فضائل الشيخ عبد الفتاح أبي غدة, إذ إنني اكتب بحثا في ذلك, وأود أن أزينه ببعض ما خطت يداكم, وبارك الله فيكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *