ذكريات ربع قرن فى مهمة علمية

مضت الأيام  سريعة، واستقرت أوضاع دار الحديث وحققت ما كنا نطمح فيه، فلقد أصبحت الدار في حماية القانون بعد صدور المرسوم المنظم لشؤونها، ولم يعد هناك أي خطر يهدد وجودها واستمرارها، واستقرت المسيرة العلمية في الدار، وأصبح الطريق معبداً وميسراً، واستطاع كل باحث أن يعرف طريقه، وأصبح أبناء الدار المتخرجون منها يدرسون  في معظم المؤسسات العلمية والكليات والشعب الإسلامية، وهم يعبّدون الطريق العلمي للتعريف بالثقافة الإسلامية، وكنت أشجع كل باحث على الالتحاق بالمؤسسة التي يختارها لأداء رسالته  ، لقد أسعدني ماكنت ألمسه من أبناء الدار من اعتزاز بهذه المؤسسة التي كانت تشجع كل خريج منها على أن يأخذ موقعه العلمي، ولم تعد هناك عقبات، وأصبح الجميع يعترف بأثر هذه الدار في تكوين كفاءات علمية متميزة بفكرها، وكانت البلاد المجاورة للمغرب تعيش في ظل صراعات ثقافية , وانتشرت فيها أفكار التطرف والعنف، وكان المغرب بعيدا عن هذه الأفكار والسلوكيات، فقد كان الخطاب الديني في المغرب أكثر توازناً وأعمق فكراً، ولم أشعر بأي ظاهرة للتطرف لدى أبناء الدار,  وقد أثارت هذه الظاهرة فضول بعض الصحفيين الأجانب الذين كانوا يزورون الدار ويتساءلون عن أسباب الاستقرار في الساحة الإسلامية، وكنا نهتم بالتكوين العلمي والأخلاقي وتكوين الشخصية الإسلامية ….

وأهم ما كان يسعدني هو ثقة الشعب المغربي بهذه المؤسسة الإسلامية، والثقة بأبنائها ودعم مسيرتها، وهذه الظاهرة أكسبت الدار ثقة كل الأطباف الاجتماعية والأحزاب السياسية، فقد كانت دار الحديث مؤسسة إسلامية وتحمل شعار الإسلام كما يجب أن يكون , وكما هو في ثوابته وقواعده وأسسه، وكان الصراع قوياً بين الأحزاب السياسية، وظلت هذه المؤسسة محتفظة باستقلاليتها وبعيدة عن ذلك الصراع السياسى..

وهناك مواقف أخرى قريبة من هذا الموقف، ولم أتعرض قط لأي إحراج أو ضغط من أي مسؤول قي أي موقف، وفي الوقت نفسه كنت أحرص على عدم إحراج المغرب في أي موقف، وعندما كانت العلاقة بين المغرب وسوريا تتعرض لأزمة كنت أشعر بالحرج، وأحرص على تجاهل ذلك والابتعاد عن أي موقف يسيء لأي من البلدين، وكان يفرحني أن تكون العلاقات حسنة والتواصل قائماً، وكان المغرب يتفهم موقفي هذا ويلتمس العذر لي فيه ..

ذكريات دافئة

في السنوات الأخيرة بدأ شوقى بزداد إلى مرابع الطفولة الأولى في مدينة حلب، وكنت عندما أزور حلب أشعر بالحنين إلى ذكرياتي القديمة، وكنت أمشي في الدروب العتيقة التي كنت أمشي فيها من  قبل ويستيقظ الماضي في كياني وينتابني شعور دافئ وكأن الماضي يناديني ويوقظ أيامي الماضية، ولكن المغرب كان في حياتي، ولم يكن بإمكاني أن أغادره و ولا يمكن لذاكرتي أن تنسى ذكريات المغرب ..

وبدأ التدافع الداخلي يثقل كاهلي، وأخذ الحوار يتصاعد في ذهني، وأسمع في داخلي صوتاً هامساً يناديني بإلحاح،

وماذا بعد ..

لقد أكملت مهمتي العلمية فى المغرب، وكنت أتوقع ألا تزيد إقامتي في المغرب عن ثلاث سنوات واستمرت قرابة ربع قرن ، فما ضقت بالمغرب ولا ضاق المغرب بي .. لقد أحببت المغرب من كل قلبي، ورأيت من اصدقائى المغاربة كل محبة وتقدير ..

وكنت أشعر بدفء عاطفي واستقرار نفسي، وأخذت ا الدافئ بالطمأنينة الروحية، لقد تعبت مما كتبت في النظم والأحكام والأفكار ، وبدأت أشتاق لراحة نفسي في فضاء الأرواح، تلك كانت طفولتي  الاولى وقد شغلت بالعلم بعد ذلك ..لأيام تتعاقب بسرعة، والنفس حائرة مترددة، وكان هناك صوت خفي يناديني في لحظات التأمل ، وشوق يزداد في كل يوم ، وكانت حلب بالنسبة لي هي ذكريات دافئة وانتماء روحي، وشوقي إليها هو شوق لذلك الشعور كنت خلالها أؤدي رسالتي العلمية في هذه المؤسسة العلمية وفي بلد إسلامي عريق، وسوف تظل هذه الفترة مشرقة وجميلة فى حياتى 

 

 

( الزيارات : 1٬628 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *