اصناف الناس

كلمات مضيئة..الاصناف الاربعة فى الميزان
معظم الناس يعتقد ان العلم يعني التقوى ، ولا يتصور العلم بلا تقوى ،وكلمة العلم تشمل كل علم فى أي تخصص ,  لان العلم معرفة بحقيقة الاشياء وتلك المعرفة تجعل صاحبها اكثر فهما واستقامة ، والتقوي كلمة جامعة لكل فضيلة والمراد بالتقوي الخشية من الله وامتثال اوامره  والرجل التقي  هو الذي يخاف الله ولا يعصيه ، وينعكس ذلك علي سلوكه ومواقفه ، فالتقي لا يفعل مالا يليق مما حرمه الله عليه  ، فلا يتوقع منه العدوان علي الآخرين ولا يظلم غيره  ولا يغش فى تجارة ويكون صادقا فيما يقول ومستقيم المواقف ، هناك ترابط بين التقوي والعلم ، والتقوي هي ثمرة من ثمرات العلم  وتكون العالم ارقى فهمًا لمعنى العبدة والاستقامة ,  ، لان العلم مشعل ينير طريق صاحبه فيبني مواقفه علي قاعدة من الفهم وحسن الاختيار ، والمراد بالعلم هو نقيض الجهل ، وهو مفهوم يشمل كل معرفة تنمي وعي الانسان وتغذي قيم الخير فيه وتجعله اكثر التزاما بالاستقامة التي هي ثمرة لأمرين: العلم المؤدى الى رقي المعرفة والتقوي التى هي ثمرة الايمان ، العلم الذي لا ينمي قيم الخير في الانسان ليس علما وهو مهنة كبقية المهن المعاشية ، ولكل شيئ ثمرته ، وثمرة العلم هو حسن الفهم المؤدى الى احترام الحقوق  والالتزام بها وكراهية كل مالا يليق ان يصدر من الانسان ، العلم والتقوي صفتان محمودتان في الانسان وبهما يكون كمال الاستقامة ، العلم اكتسابي ويكون عن طريق التعلم والتلقين واكتساب المعرفة من الاسرة والمدرسة والكتاب والتجربة الانسانية الناتجة عن الحياة المتجددة  والملاحظة وتجارب الآخرين ، اما التقوي فهي ثمرة لأمرين : صفاء القلب وهو امر وهبي وهو فضل من الله يؤتيه من شاء  , وحسن التربية والتكوين والقدوة والصداقة والبيئة الحاضنة للانسان ، والناس في ذلك أصناف أربعة :
اهل علم وتقوي ، وأهل تقوى بغير علم ، وأهل علم بلا تقوى ، وهناك من لا علم له ولاتقوى ، وهم السفهاء والأشرار ، وهم الأكثر في عصر التخلف والجهل حيث يتسلق السفهاء بسفاهتهم قمم الجبال ويعبثون بكل القيم ويشوهون كل شئ ويخربون ما كان قائما من الأبنية والحصون ولا يجدون لهم رادعا  من دين او اخلاق او قانون ، اهل العلم والتقوي لا يخلو منهم عصر ولا مجتمع ، وهم مشعل الخير في مجتمعهم وهم اقرب الى الله ويعملون في الدنيا باستقامة ونزاهة ، ويمكننا ان نراهم فى كل مكان وفى كل العلوم والاختصاصات , هم اهل صدق ونزاهة واستقامة وتعرفهم بسيماهم , منهم الطبيب والمهندس والمعلم ومنهم التاجر والمزارع والعامل , العلم هو مطلق المعرفة , العلم يضيء الطريق ويعبده لفهم اعمق لكل التجليات  ، والتقوي تنير القلوب بمحبة الخير والرحمة ، وهذا الصنف موجود ولو كان قليلا ، ولا يوجد هؤلاء  في الصفوف الأمامية ومن عمل لله اكتفى به واستغنى ، وهؤلاء لا تغريهم الدنيا ويرون  الله في كل عمل من اعمالهم ، هؤلاء يعملون ولا يلتفتون الي الوراء ابدا ، لا يطمعون ولا يحقدون ، ويحسنون ما استطاعوا ولا يسيئون,  ومن طبيعة  هؤلاء انه اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، هؤلاء يسيرون في الحياة علي بينة من امرهم وهم اكثر طمأنية وسكينة ، اما الصنف الثاني فهم اهل تقوى بلا علم ، وهؤلاء يريدون الخير ويحبونه  , ولكنهم لا يعرفون طريقه اما لجهل به او غفلة عنه ، ويحتاجون لمن يمسك بيدهم ويهديهم ، ومعظم العامة  ممن صفت قلوبهم  وحسن ايمانهم من هؤلاء ، يريدون الخير ويكرهون الشر ، وهم اهل تقوي واستقامة ، ومحنة هؤلاء فيمن يمسك بيدهم ، ان كان صالحا وتقيا أرشدهم الى طريق الهداية وكانوا اداة للخير ، لان الخير فيهم اصيل وعميق ، وان تمكن منهم من هو غير صالح سخرهم لما يريد فكانوا له جندا ، ودفعهم الي المخاطر وزين لهم سوء عملهم ، وقلة منهم يعودون الى الطريق الذي يقودهم الي الله وهو طريق الخير والرحمة والاستقامة ، وهناك الصنف الثالث وهم اهل علم بلاتقوى ، وهذا صنف موجود بكثرة في المجتمع الذي يكثر جهله ويتحكم فيه  سفهاؤه من الطغاة والمستبدين ، ويجد هؤلاء ضالتهم في علماء السوء وهم كثر في عصر التخلف وفِي ايّام الفتن والمحن ، وهؤلاء اذكياء ويعرفون جيدا كيف يوظفون علمهم لخدمة طموحاتهم في الشهرة والسلطة والمال وكل ما يريدون الوصول اليه من الدنيا ، وهؤلاء هم شعراء كل عصر يمدحون ويهجون ويبررون ويقنعون ، هؤلاء كثر في كل عصر ، وهم في مقدمة الصفوف يقودون المواكب والمسيرات ، هؤلاء يملكون كل الادوات للتواصل ويملكون الفصاحة والبيان ، هؤلاء اذكياء  فى الغالب ويعرفون كيف يتقدمون ويتراجعون ومتى يوالون ويعارضون ، وهناك الكثير من هذا الصنف بدرجات متفاوتة ، وعندما كنت اقرأ التاريخ كنت اجد هذا الصنف كثيرا فى عصور الترهل الحضارى عندما يتقدم الصفوف شعراء كل عصر ، هؤلاء ان اعطوا كانوا في مقدمة صفوف المداحين ، وان منعوا كانوا في مقدمة صفوف الهجائين ، ومحنة هؤلاء انهم يتوهمون في انفسهم انهم الأكثر ذكاء فى مجتمعهم وانهم الصانعون للمجد ..

ومحنة المحن في ذلك الصنف الرابع الذي لا سبيل الي هدايته ابدا ، هؤلاء اشرار بالطبع لا يستقيم امرهم ، انهم جاهلون ويظنون انهم اهل علم ومعرفة ، وهم سفهاء ويظنون انفسهم اهل حكمة ورشاد ، وكل الأصناف يرتجى منهم الخير اذا حسن التعامل معهم ، وهم ليسوا اشرارا فالعلم يشعرهم بمسؤولية الكلمة والموقف  ويمكنهم اصلاح ما هم فيه ، اما هدا الصنف الذى لا علم له ولا تقوى  فقلما يستطيع اصلاح ما هو فيه , وهذا الصنف  طبيعي وحتمي ويعبر عن طبيعة النفوس المريضة  في حالاتها المختلفة ، وهذه الاصناف  الاربعة على درجات متفاوتة , وقد تختلف النسب التعددية  بحسب ذلك المجتمع ومدى قبوله لتلك الأصناف وتعايشه معها  ، وكلما اتسع وعي المجتمعات ارتقت معاييرها للتفاضل بين الانسان والانسان ، المجتمعات الراقية تعتبر الاستقامة والنزاهة مبررا للتفاضل وترفض ما عدا ذلك من انواع السلوك ، وهناك مجتمعات تتعايش مع سلوكيات السفه الناتج عن الجهل وتقبل به وتنزل صاحبه مكانة الصدارة في مجتمعه ، ولا يشعر باي خجل مما يفعله ، البيت النظيف يطرد كل الحشرات التي تدخل اليه ولا يتعايش اهله معها ، والبيت الذي يهمل اهله تنظيفه كل صباح تدخله الحشرات وتجد مكانا آمنا فيه ومريحا ، وتبني أعشاشها في زواياه ، المجتمع بيت كبير يضم الابناء والأحفاد ، كما يضم الآباء والأجداد ، وفِيه كل المقتنيات التراثية والذكريات ، الاسرة الكونيةً كالاسرة الصغيرة تضم ما تضمه كل اسرة من تنافسات ونزاعات ، قد تكون اسرةً متحابةً متعاونة متكافلة ، وقد تكونً اسرة متنافرة متباعدة متباغضة يسعي كل فرد فيها للإساءة للآخر ولو بكلمة جارحة او إشارة مستفزة او عدوان علي حق من حقوقه ، هناك اسرة تحل مشاكلها بالكلمة والحوار والاحترام المتبادل وبروح انسانية راقية التعبير ، وهناك اسرة احرى تسمع من بعيد أصوات الصخب والصراخ والتهديد والوعيد، ويستعين كل فرد بمن يعينه ويشجعه ويمده بالسيف والرمح ، ما اقسى ما يفعله الجهل باهله ، ليست المشكلة فيمن ينتصر في النهاية ، ولكن المِحنة فيما يخسره المنتصر عندما يجد نفسه وحيدا فوق أكوام من الركام والبقايا المبعثرة ويقف حائرا منبوذا تلاحقه كوابيس ليله المظلم وذكريات امسه ، تلك هي محنة كل جيل عندما يتحكم فيه ويقوده من لا تقوي له ولا علم يهديه الى سواء السبيل ..

( الزيارات : 564 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *