اكاديمية المملكة المغربية..ذكريات وايام

أكاديمية المملكة المغربية

كانت فكرة الأكاديمية المغربية تروج في الأوساط العلمية كمجرد أمل ولا أحد يعرف خصائص هذه الأكاديمية وأهدافها , وكان الملك يطمع لإنشاء هيئة أكاديمية  عالية المستوى ذات طبيعة دولية وتعالج قضايا إستراتيجية خاصة تهم المجتمع الإنساني كله ..

في شهر فبراير 1978 دعا الملك مجموعة من كبار مستشاريه ووزرائه وبعض رموز الفكر والثقافة في المغرب وحضر الاجتماع في القصر الملكي بمراكش كل من السيد أحمد عصمان الوزير الأول والسيد الحاج محمد باحنيني وزير الدولة في الثقافة ووزير التعليم العالي الدكتور عز الدين العراقي ومستشارى الملك احمد بنسودة وبوطالب واحمدكديره وادريس السلاوى  والسيد محمد الفاسى والسيد موريس دريون أمين سر الأكاديمية الفرنسية , ودعيت لحضور هذا الاجتماع وهي المرة الأولى التي أحضر فيها هذا الاجتماع , وفي بداية الجلسة تحدث الملك عن رغبته في إنشاء أكاديمية مغربية عالية المستوى ويكون نصف أعضائها من المغرب والنصف الآخر من شخصيات عالمية متنوعة وأخذ الملك يتحدث عن تصوره المبدئي لفكرة الأكاديمية , وكانت فكرة الأكاديمية قد ترسخت في ذهن الملك وعقد العزم على إنشائها , وكان الملك يريد أن يسمع وجهات نظر مختلفة تعمق الفكرة لديه ,  وبعد ثلاث سنوات تم الإعلان عن إنشاء الأكاديمية ونشر في الجريدة الرسمية الظهير الشريف المؤسس لهذه الأكاديمية , وقد كتبت في إحدى المجلات المغربية مقالة عن فكرة الأكاديمية كما جاء في الظهر المؤسس , وأقيم حفل كبير برعاية الملك لافتتاح هذه الأكاديمية وضمت نخبة ممتازة من شخصيات مغربية وعالمية وكان حدثاً كبيراً فى المغرب..

وفي عام 1983 اختارني الملك عضواً مقيماً في الأكاديمية ويشترط في العضو المقيم أن يكون مغربي الجنسية , واصدر أمره بإعطائي الجنسية وكلف الملك مستشاره عبد الهادي بو طالب أن يلقي خطاب الترحيب بي في الأكاديمية وفقاً للأعراف المتبعة عند استقبال العضو الجديد , وقد ألقى الأستاذ بو طالب خطاب الاستقبال ثم ألقيت خطابي بعد ذلك , وبذلك أصبحت عضواً في هذه الأكاديمية , وكانت تضم ثلاثين شخصية مغربية وثلاثين شخصية عالمية معروفة بإسهامها الثقافي في الأدب واللغة والطب والعلوم والاقتصاد والسياسة الدولية ,وينتمي هؤلاء لمختلف القارات والدول ويمثلون مختلف الثقافات الإنسانية , وكان الملك يختار المكان ويحدد موضوع الدورة ومكان اجتماعها , ويشرف على أعمالها , وهناك الدورة الربيعية والدورة الخريفية وكان كل عضو يشترك في الحوار ويعد التدخل الملائم اوالمناقشة , بالإضافة إلى الخبراء الذين يدعون للمشاركة في كل دورة.. وهناك اجتماعات نصف شهرية للأعضاء المغاربة المقيمين تناقش فيها قضايا فكرية وثقافية في إطار مهمة الأكاديمية في تعميق القيم الروحية والإنسانية..

وكانت الأكاديمية تجتمع في المدن المغربية وأحياناً تجتمع خارج المغرب وقد عقدت دورات في كل من باريس ومدريد ولشبونه وغرناطة وعمان وكانت جميع التدخلات والمناقشات تنشر في كتاب خاص عن كل دورة , وقد نشرت الأكاديمية كتباً كثيرة  حول دورات الأكاديمية ومحاضرات الأكاديمية وندوات الأكاديمية ومجلة الأكاديمية , وكانت موضوعات الدورات هامة ومفيدة , وكانت الحرية الفكرية مكفولة للجميع , ويمكن لكل عضو أن يعبر عن وجهة نظره كما يراها في كل القضايا المطروحة للمناقشة,  وقد شاركت في بحوث مكتوبة في معظم هذه الدورات, وهذه التدخلات منشورة في كتب الأكاديمية ,وقد ناقشت الأكاديمية موضوعات ..وأهمها :

التنمية والتربية والجامعة

الانتداب الرئاسي

الثوابت والمتغيرات

حوار الشمال والجنوب

قضايا الإنجاب

الاستنساخ…قضاياه ومشاكله

مشكلة الجراد

أخلاقيات غزو الفضاء

الأمم المتحدة والشرعية الدولية

أزمة تشيرنوبل وآثارها

القدس

 التعاون بين دول الحوض المتوسطي

الغزالي وابن ميمون

الشرعية الدولية

اوروبا ..والآخرون 

نشاطي في نطاق الأكاديمية

 أتاحت لي الأكاديمية فرصة المشاركة في قضايا سياسية واقتصادية ودولية، وكنت أسمع وجهات نظر الطرف الآخر الذي يمثل الغرب أو عالم الشمال من قضايا العالم المعاصر، ولا يمكن لأي طرف في العالم مهما كان قوياً أن يتجاهل الطرف الآخر، ولا يمكن لأحد أن يعيش منعزلاً عن الآخرين، والحوار ضروري بين كل الحضارات والثقافات والشعوب والدول والطوائف والأديان والطبقات الاجتماعية في المجتمع الواحد، ولا بديل عن الحوار وقبول الآخر والتفاوض معه بعيداً عن مواقف القوة وسياسات الهيمنة ، وعندما يلجأ الطرف القوي إلى الاستبداد بالسلطة والتفرد بالرأي فالتمرد حتمي،ولا يمكن لأي فريق مهما كان ضعيفاً أن يستسلم ، والمقاومة حق لكل من وقع الاعتداء عليه ، وكنت أحرص على سماع رأي الآخر في حوارات الأكاديمية التي كانت تضم شخصيات كبيرة كان لمعظمها دور مؤثر في سياسة بلده ، ويجب أن نسمع وأن نتفهم مخاوف الآخرين، ولا يمكن أن يتحقق السلام في أي مكان في العالم إلا بالسياسات العادلة، والابتعاد عن سياسات السيطرة، ولا يمكن للطرف الضعيف أن يمارس الإرهاب إلا عندما يشعر بالظلم وتغتصب أرضه ويقع تجاهل مطالبه العادلة …

كانت الأكاديمية تضم شخصيات مغربية وشخصيات عربية وإسلامية يمثلون مختلف الاتجاهات الفكرية، وهذا أمر جيد، لأنه أتاح الفرصة لتكوين علاقات إنسانية بين الأطراف المختلفة، وتمكن كل فريق أن يسمع الآخر ..

ومشكلة الأقوياء أنهم يتوهمون الكمال في أنفسهم، وقلما يعترفون بحقوق الآخر الأقل منهم قوة وحضارة، وهذه هي مشكلة الحضارة الحديثة، فقد أوهمت شعوبها بأنهم الأفضل والأكمل والأقدر على قيادة المركبة الكونية، وهذا التصور حجب شعوب الحضارة عن رؤية الواقع، وهم يرون الواقع كما يريدون رؤيته، لا كما هو في حقيقته، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل مآسى الشعوب المتخلفة، والنموذج الحضاري المعاصر ليس هو النموذج الوحيد الذي يجب الاقتداء به، فمن حق كل شعب أن يختار نموذجه الذي يلائمه، وأن يستمده من واقعه، ويعبر عن اختياراته …

ولاحظت أن الغرب المسيحي بكل تنوعه القومي والمذهبي والعرقي يعيش في داخله شعور بالخوف من الإسلام، ولا يمكن له سواء على مستوى الشعوب أو الدول أن يتعامل بحياد وموضوعية مع الإسلام، ويعتبرون أن أي قوة سيملكها العالم الإسلامي ستكون موجهة ضد الغرب المسيحي، وهذا شعور خاطئ والإسلام لا يحقد على الغرب وإنما يدين سياسة الدول الغربية وهو لا يريد استخدام العنف ضدها وإنما يريد الدفاع عن ذاته ومصالحه ، ولذلك فإن كل مؤتمرات الحوار بين الإسلام والغرب قد فشلت وسوف تفشل على وجه التأكيد ، لأن الغرب لا يريد الحوار لأجل أن يسمع صوت العالم الإسلامي، وإنما يريد الحوار لكي يسمع عالمنا الإسلامي ما يريد الغرب من شعوبنا، وتكوين قابليات نفسية للرضوح وقبول القيم الغربية ..

والفرق بيننا وبين الآخر الغربي المسيحي أننا نكره الصليبية الحاقدة والصهيونية المغتصبة المعتدية ولا نكره المسيحية العاقلةالمتعايشة  ولا اليهودية المتساكنة  ، وهم يكرهون الإسلام ويحقدون عليه من غير مبرر يدفعهم لذلك، ويريدون إسلام الاستسلام والتبعية، وهذا الإسلام ليس هو الإسلام الذي تؤمن به شعوبنا، ومما لاحظته أن معظم الشخصيات الغربية، سواء كانت علمية أوسياسية تتعامل مع الإسلام من خلال أسلوب ” التقية “، ويشعرون في داخلهم أنهم أكثر رقياً وحضارة وفهماً ونضجاً، وإن مجتمعاتهم تملك ما لا تملكه المجتمعات الإسلامية من العلم والثقافة والحضارة والأخلاق والقيم الإنسانية، وهذا صحيح، فمعظم مجتمعاتنا الإسلامية ما زالت متخلفة وجاهلة وهي بعيدة عن الإسلام الصحيح، إسلام الكرامة والحرية والقيم الأخلاقية والسلوكيات الحميدة ..

وخلال اجتماعات الأكاديمية كنت ألاحظ فرقاً كبيراً بين الشخصيات الغربية التي تربت في ظل المجتمعات المسيحية التقليدية وبين الشخصيات الآسيوية أو الأفريقية التي تربت في ظل قيم التسامح واحترام الخصوصيات الإسلامية، ولا نشعر لدى هذه الشخصيات سواء كانت مسيحية أو كانت مؤمنة بعقائد أخرى أي مشاعر عدائية ضد الإسلام، وكانت الأكاديمية تضم عدداً من كبار علماء المغرب، من أمثال الشيخ عبد الله كنون الحسني رئيس رابطة علماء المغرب، والشيخ محمد مكي الناصري رئيس المجلس العلمي للرباط والشيخ محمد الحبيب بلخوجة مفتي تونس والدكتور صبحي الصالح من لبنان، وكانت تضم أحد أعمدة الفاتيكان وكانت معظم موضوعات الأكاديمية ذات طبيعة سياسية أو قانونية، وأحياناً كان الموضوع يتطلب دراسة موقف الأديان السماوية من بعض القضايا العلمية مثل تقنيات الإنجاب وأطفال الأنابيب وضوابط الاستنساخ البشري، وموقف الأديان السماوية من هذه التطورات العلمية التي تخص الإنسان ، وكان موقف الإسلام والمسيحية متقارباً في معظم المواقف المرتبطة  بالاخلاقيات والإنجاب وأهمية الحفاظ على الأسرة، والحرص على عدم اختلاط الأنساب والتمسك بالقيم الروحية والأخلاقية في العلاقات الاجتماعية ..

وقد ضمت الأكاديمية عدداً من الشخصيات العلمية المغربية، من مختلف الاتجاهات الفكرية، وهذه ظاهرة إيجابية، وأتيحت لي الفرصة للتعرف على بعض الشخصيات المغربية ذات الميول الفكرية الليبرالية ، واكتشفت في معظم هذه الشخصيات اعتدالاً في الفكر واستقامة في الخلق واحتراماً للقيم الإسلامية الأصيلة ، فما ينكره هؤلاء ليس هو الإسلام وإنما هو الصورة السلبية الضيقة  للإسلام، ولا خلاف في إنكار هذه الصورة، وليس من الإسلام ماكان مناقضاً لثوابت الإسلام في حرية العقيدة واحترام الحياة والثقة  بالعقل والعلم ، ويجب ألا تضيق صدورنا بمن ضاق صدره بالصور السلبية والأفكار المتخلفة والضيقة ، وكلنا منكر لكل مظاهر التخلف والجهل ، وليس من ثقافة الإسلام ما كان مسيئاً لحقوق الانسان وكرامته..

وكان الملك الحسن الثاني رحمه الله يحرص على اختيار أعضاء الأكاديمية بنفسه، بحيث تضم الأكاديمية مختلف الاتجاهات الفكرية ومختلف التخصصات العلمية لكي يكون الحوار بين الأفكار والثقافات، وكانت كل الآراء تحترم، ولا حدود لحرية المفكر، بشرط أن تحترم ضوابط الحوار وأخلاقية الحوار، وأدب الاختلاف، وهذه ظاهرة جيدة ومفيدة، وأتيحت لي خلال اجتماعات الأكاديمية أن أتعرف على كثير من الأفكار وأن أسمع من الاخرين ما يؤمنون به من الأفكار، ورأيت أن الفجوة بين الأفكار ليست متباعدة، والخلاف شكلي وسطحي، وكل فريق يرسم للآخر صورة قاتمة، ولو ارتقت أساليب الحوار لما كان الخلاف…

وقد سعدت بمعرفة الكثير من أعضاء الأكاديمية المغاربة وغير المغاربة، وكنا نتحاور باستمرار، نلتقي ونختلف، ولم يكن الخلاف مبرراً للقطيعة والجفاء ، وكنت أحترم من يخالفني في الرأي وألتمس له العذر، وكنت أقدره لأنه أتاح لي الفرصة لمعرفة الرأي الآخر، ولا يمكن لأي أحد منفرداً أن يدعي امتلاك الحقيقة، فالحقيقة ليست واحدة، ولكل فرد حقيقة تتراءى له ويؤمن بها ويدافع عنها، ولولا إيمانه بها لما دافع عنها، وما دام الإنسان يؤمن بحقيقة ولو كانت متوهمة فهو معذور في رؤيته، وكل حقيقة في نظر صاحبها تملك نسبة ولو ضئيلة من إمكان الصحة، وهذا هو المنهج الذي كنت أؤمن به، بأن الخلاف الناتج عن رؤية فكرية يجب أن يحترم بشرط ألا يقع التفريط في الثوابت…. 

ابرز أصدقائي من أعضاء الأكاديمية المغاربة هم :

-الأستاذ عبد الوهاب بنمنصور وهو مؤرخ المملكة ومحافظ ضريح محمد الخامس ومدير الوثائق الملكية وهو من أعز أصدقائي وأقربهم إلي , وقد عرفته قبل الأكاديمية، وكنت أقدره وأثق به , وكنا نلتقي باستمرار وهو عالم ومؤرخ وله مؤلفات كثيرة , وأهمها أعلام المغرب والوثائق المغربية وقبائل المغرب وكتب عن الرحلات الملكية ..

ـ الأستاذ أبو بكر القادري وهو من رجال الحركة الوطنية , ومن الشخصيات المغربية التي تحظى باحترام المجتمع المغربي, وقد أصدر عدة كتب عن تاريخ الحركة الوطنية وكانت له مساهمات جيدة في أعمال الأكاديمية وكنت اقدره واحترم تاريخه الوطني والتزامه بالقيم المغربية الأصيلة, وهو غيور على الإسلام واللغة العربية …

ـ الدكتور عزيز الحبابي وهو من ابرز فلاسفة المغرب وأكثرهم شهرة ومكانة ,وله مؤلفات في الفلسفة والشخصانية وكان ينظر إليه كمفكر يساري بعيد عن الإسلام ولم ألمس ذلك من أفكاره وكان صاحب رؤية فكرية وفلسفة متحررة ولم أجد في تدخلاته في الأكاديمية ما يخرج عن الثوابت, وهو شخصية متميزة وصاحب خلق رفيع وكنا نتحاور موضوعية وأدب ولا أشك في إخلاصه …

ـ الأستاذ عبد الله كنون الحسني رئيس رابطة علماء المغرب وهو عالم ومؤرخ وفقيه وهو مؤلف كتاب النبوغ المغربي ومؤلفات أخرى ويتمتع بشخصية قوية وله مواقف وطنية، ويحظى باحترام المغاربة، وهو رجل حكيم ويحسن التدبير والرأي، وكان يحظى باحترام علماء المغرب ومفكريه…

-الحاج محمد باحنيني، وزيردائم  وأديب وكاتب سياسي وكان يحظى بثقة الملك، وتولى وزارة الثقافة وغيرها ، وكانت تربطني به صلة صداقة ومودة.وهو من اعمدة المخزن ورموزه…

الدكتور عباس الجراري،  أستاذ جامعي  ومفكر ومؤلف وأديب، وهو عميد الأدب المغربي، وهو مستشار الملك، وكانت له إسهامات مهمة في أعمال الأكاديمية، في الدورات والندوات الوطنية وأحاديث الخميس، وهو من أقرب أصدقائي، وهو صاحب رؤية إسلامية متميزة…

الدكتور عبد الهادي النازي عالم ومؤرخ ومختص بالتاريخ الدبلوماسي المغربي، وله موسوعة في ذلك، وكان إسهامه في أعمال الأكاديمية جيداً , وبخاصة فيما يتعلق بتاريخ المغرب والوثائق التاريخية المخطوطة…

الدكتور محمد الكتاني، مفكر وأديب وعميد لكلية الآداب ,وله مؤلفات قيمة في الأدب والفكر واللغة ، وكان له إسهام جيد في أعمال الأكاديمية، وكنت أقدر فكره والتزامه بالثوابت المغربية الأصيلة… 

الأستاذ عبد الكريم عُلاب،  عميد الصحافة المغربية، وأديب ومفكر وسياسي , ومن أعمدة حزب الاستقلال، وله تاريخ كبير في الحركة الوطنية، وهو من المدافعين عن الهوية المغربية الأصيلة، ومن دعا ة الإصلاح السياسي والاجتماعي..

الأستاذ محمد شفيق  باحث جيد ومتمكن من اللغة  ومن رموز الحركة الأمازيغية , وضع قاموساً علمياً للأمازيغية، وكان يدافع عن الأمازيغية بحماس، وتولى ادارة معهد الدراسات الامازيغية..

الدكتور عبد اللطيف بربيش،  أمين السر الدائم للأكاديمية، وهو طبيب متمييز ، ويتمتع باستقامة وأخلاقية عالية ,وكان يشرف على أعمال الأكاديمية، ويسهر على تنظيم الدورات والندوات والاجتماعات  الدورية..

الدكتور عز الدين العراقي،  طبيب وسياسي، وتولى منصب الوزارة الأولى، وهو مثقف جيد، وكانت تدخلاته في أعمال الأكاديمية جيدة وموضوعية ..

الدكتور عبد العزيز بنعبد الله، باحث متميز ومؤرخ وعالم ومؤلف ,وتولى إدارة مكتب تنسيق التقريب في الجامعة المغربية، وله عدة معاجم  علمية ولغوية وجغرافية عن المغرب..

الدكتور إدريس الضحّاك، أستاذ جامعي وسفير ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ووزير، وهو مختص بقانون البحار، وهو من الشخصيات المغربية المتميزة والمعروفة بالاستقامة والنزاهة، ومن أبرز المشاركين في أعمال الأكاديمية..

الدكتور إدريس العلوي العبدلاوي،  رئيس جامعة القرويين ومن المختصين بالقانون، وكان صديقاً عزيزاً وكنت أقدره ويتميز بأخلاقه و استقامته .

الدكتور محمد بنشريفه : من ابرز الباحثين المختصين بالأدب الأندلسي، وله مؤلفات قيمة، وله حضور علمي في الساحة الثقافية المغربية  …..

الدكتور المهدي المنجرة : وهو مفكر مغربي يهتم بالدراسات المسقبلية، وله مشاركات جيدة في أعمال الأكاديمية

الدكتور عبد اللطيف بنغبد الجليل : استاذ جامعى وعميد ووزير ورئيس جامعة محمد الخامس وهو من أعمدة الاكاديمية ومن ابرز القيادات الجامعية..

الدكتور ادريس خليل: استاذ غى الرباضيات وعميد ووزير , وله مشاركات مهمة فى اعمال الاكاديمية وفى المناقشات والحوارات.

الدكتور عبد الله العروي : وهو مؤرخ متميز، وله كتابات قيمة في مجال التاريخ والأدب، وهو مفكر وصاحب رؤية شمولية ……..

وهناك شخصيات أخرى، وكانت لقاءات الخميس في الأكاديمية غنية بالحوار الجاد حول قضايا فكرية مختلفة، وكانت معظم القضايا التي كانت تثار في اجتماعات الخميس تتركز على قضايا مغربية، سواء فيما يتعلق بتراث المغرب وأعلامه أو ما يتعلق بقضاياه المعاصرة ………

وهناك شخصيات عربية وإسلامية تم اختيارهم لعضوية الأكاديمية، وكانت لهم مشاركات جيدة في أعمال الأكاديمية، ومن أبرز هؤلاء:

الدكتور محمد الحبيب بلخوجة من تونس، والدكتور أحمد الضبيب من السعودية,  والدكتور أحمد كمال أبو المجد من مصر , والدكتور ناصر الدين الأسد من الأردن , والدكتور شاكر الفحام من سوريا,  والأمير الحسين بن طلال من الأردن ,والدكتور مانع سعيد العتيبة من الإمارات العربية ,والأستاذ فؤاد سيزكين من تركيا ,والدكتور أحمد عبد السلام من باكستان، هناك شخصيات أخرى من أميركا وفرنسا وإنكلترا وروسيا والصين والهند وإسبانيا والبرتغال , وكان يتم اختيارهم لاسهامهم في خدمة الفكر ودعم القيم الإنسانية .

وكان الملك الحسن الثاني يهتم كثيراً بهذه الأكاديمية , ويختار أعضاءها بنفسه، ويتابع أعمالها بعناية كبيرة، وكان يريد أن تكون إحدى مآثر عهده، وفي الوقت ذاته تعبر عن شخصية الملك وتوجهاته واختياراته، وكان يؤمن بالحوار ويشجعه ويرى أن هذا هو طريق التواصل بين الحضارات من خلال طرح المشكلات ذات البعد الانسانى في القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية , وأعترف أنني قد استفدت من خلال هذه الاجتماعات، وكنت مستعداً من خلال تكويني النفسي والفكري للحوار مع الآخر، والآخر موجود أردنا أم لم نرد ذلك ، فهو شريك في الأسرة الإنسانية، ولا تفاضل بين البشر بسبب الأعراق والقوميات والانتماءات النسبية والاديان ، فالناس سواء في الحقوق الإنسانية، ويتفاضلون بالعمل الصالح والسلوك الحسن والتمسك بالقيم العالية ، ولم أشعر قط بكراهية الآخر والحقد عليه، سواء من اتباع الأديان السماوية أو الأديان الإصلاحية الأخرى كالبوذية والهندوسية، وإنما كنت أكره الطغيان والاستكبار والعدوان على الآخرين واحتلال أرض الغير وقتل الأبرياء من الجنود لبناء مجد موهوم لصاحب السلطة، وتحقيق نصر مخجل لأنه ملوث بدماء الأبرياء، ذلك ما تعلمناه من ثقافتنا الإسلامية الأصيلة وذلك ما تربينا عليه في طفولتنا ..

لقد عبرت في معظم تدخلاتي في الدورات العامة للأكاديمية عن أفكاري هذه، من غير انفعال أو تعصب، وكان هناك من أعضاء الأكاديمية من كان يؤمن بهذا المنهج …

وقد حافظت الأكاديمية على أدبيات الحوار, وأرست قيماً عالية في التسامح والتكافل للدفاع عن الحريات والحقوق الإنسانية وترسيخ القيم الروحية في المجتمعات المعاصرة ، ولم يحدث قط أي تدخل في خصوصيات الحوار أو توجيهه،  وكل عضو كان يعبر عن رؤيته الذاتية، وقد يقول قائل ان مثل هذه الأفكار واللقاءات المثالية هي مجرد أحلام والأحلام سرعان ما تمحى عندما يفيق الحالمون، وهذا صحيح، فالحياة الواقعية شيء آخر، وأؤكد أنه لا شيء يمحى أبداً، وما يتجاهله جيل قد يهتم به جيل لاحق، إذا كان هذا الفكر في صالح الحياة الإنسانية ..

وإنني أؤمن بأثر الفكر في تطوير التجربة الإنسانية، وفي النهوض بالمجتمع الإنساني إلى الأفضل وليس لدينا معيار للصواب والخطأ، فالصواب في نظر حكمائنا هو الفكر الذي يحرر الإنسان من العبودية ومن قيم العبودية , ويدافع عن الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة فى توزيع الثروات الكونية و اقرار حقوق الأفراد والمجتمعات ,ومن واجب الفكر أن يكون في خدمة الإنسان، ولا خير في فكر لا ينهض بمجتمعه ويسهم فى تحريره من الظلم والخوف والجهل والاستبداد والطغيان ، ولا خير في مفكرين لا يهتمون في توعية مجتمعاتهم بحقوقهم المشروعة ، فالفكر لأجل النهوض بالانسان  والحياة الأفضل له..

كنت أنظر إلى الأكاديميات والجامعات العلمية وكل مؤسسات الفكر من خلال دورهم في يقظة شعوبهم، وإقرار قيم عادلة في مجتمعاتهم، وعندما يغيب هذا الدور عن المؤسسات العلمية فإن هذه المؤسسات تفقد مبرر وجودها , ويفقد المجتمع ثقته بها، وهذا هو دور المساجد أيضاً، فمنابرها أهم المنابر الثقافية وأكثرها تواصلاً مع المجتمع، وإذا ارتقت هذه المنابر بخطابها وأفكارها ارتقى المجتمع بها، والإسلام رسالة موقظة ومحررة , وترتقي رسالة الاسلام   بسمو فهم المؤمنين به لهذه  الرسالة، لكي تكون صورة الإسلام معبرة عن حقيقة الإسلام ..

وأتمنى من الجامعات أن تدرك رسالتها في تكوين الأجيال القادرة على تحمل المسؤولية، وسوف يكون جيل الأبناء مؤتمناً على عصره كماأن جيلنا مؤتمن على عصرنا، ولا وصاية لجيل على جيل في اختياراته المتعلقة بمشاكله وهو أعرف بقضاياه، وأحرص عليها و ولا يمكن أن يجتمع جيل على ضلالة، وعندما تقود الجامعات مسيرة المجتمع  , فإن من المؤكد أن رؤية الأحداث والأزمات ستكون اوضح والحلول سنكون أكثر نضجاً وأقرب إلى الصواب ..

.

( الزيارات : 3٬818 )

One thought on “اكاديمية المملكة المغربية..ذكريات وايام

  1. شكرا لكم كتير على هذا المنشور الذى قراته كاهل وستفدت منه كتيرا

اترك رداً على mohamad إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *