اكاديمية المملكة المغربية..مسيرة وذكريات

أكاديمية المملكة :

كان الملك يطمح لإنشاء هيئة فكرية ذات مكانة عالمية ، يكون مقرها المغرب ، تعمل تحت رعايته ، وتسهم في مناقشة قضايا سياسية واقتصادية ودينية وثقافية ، لإغناء الفكر بآراء هذه النخبة المختارة التي تمثل مختلف الشعوب والحضارات والثقافات والأديان ..

وهذا التصور بحد ذاته يلقي الضوء على شخصية الحسن الثاني ذات الرسوخ الفكري والإيمان بدور الفكر في إغناء التجربة الإنسانية ، ولم تكن الغاية من هذه الهيئة إصدار قرارات وتوجيهات ، وإنما الغاية إغناء الفكر الحضاري بآراء مفكرين ، لهم تجربة واسعة في مجال السياسة والاقتصاد ومعرفة بشؤون الدين والثقافة .

كان الملك يتابع أعمال الأكاديمية باهتمام ويتابع الحوار الذي يجري فيها ، لايشغلـه عنها شيء ، وكان يقترح عليها موضوعات يستمدها من تجربته وتعبر عن قضايا تعانيها قيادات الدول وتشعر بوطأتها الشعوب ..

والمتأمل في طبيعة الموضوعات التي كان يقترحها على الأكاديمية يدرك خصوبة فكر جلالته وثراء ثقافته ، ومعرفته العميقة بقضايا عصره ، هذه المؤسسة هي بحق من أروع إنجازاته ، لقد جمعت رؤساء دول وقيادات فكر وسياسيين محترفين ورموز أيدلوجيان ورجال اقتصاد وثقافة وعلماء دين وكان يريد منهم أن يتحاوروا في قاعة مغلقة ، ويختلفوا في الرأي ، ويتصارعوا بالحجج والأدلة ، ويتباروا في الدفاع عن القيم الإنسانية ..

كان الكل يشعر أن الملك ينصت إلى كل رأي ويتابع كل فكرة ، وكان يعرف كل عضو ويختاره بعناية ودقة لكي يؤدي مهمته .. لكي يحدث ذلك التلاقح الفكري ، ويسمع كل فريق ما يقولـه الآخر وما يؤمن به..

حضر صاحبنا اجتماعاً برئاسة الملك عام 1978 للنظر في الخطوط الرئيسية للأكاديمية ، كانت البداية الأولى وحضره مستشارو الملك والوزير الأول وعدد من الوزراء المختصين ولما صدر القانون التأسيسي للأكاديمية كتب صاحبنا مقالاً حول فكر الأكاديمية وما تعنيه وما تهدف إليه نشر في مجلة القدس ونقلته إحدى الصحف المغربية ..

افتتحت الأكاديمية بصفة رسمية يوم 21 أبريل 1980 وضمت نخبة مختارة من الأعضاء المقيمين والمشاركين ، أقل من العدد المحدد وهو ستون عضواً ، نصفهم من المغاربة والنصف الآخر من شخصيات رفيعة من العالم العربي والإسلامي ومن بلاد أوروبا وأمريكا والصين والهند ، وأمريكا اللاتينية ..

وأخذ الملك يختار في كل دورة عدداً من الأعضاء المغاربة والأجانب ، لكي يكتمل العدد ، كان الكل يتطلع إلى عضوية الأكاديمية التي حظيت باهتمام رسمي وشعبي ، بسبب رعاية الملك لشؤونها ، واختار لها أمين السر الدائم لها ، والمبنى اللائق بها ، وهو فيلا المرحوم علال الفاسي في طريق زعير .. كان أمين السر هو السيد أحمد الطيب بن هيجه الوزير السابق المقرب من الملك ، ثم اختير عبد اللطيف الفيلالي الذي تولى فيما بعد الوزارة الأولى ، ثم اختير الدكتور عبد اللطيف بربيش الطبيب الخاص للملك ..

في عام 1983 اتصل أمين السر الدائم السيد بربيش بصاحبنا وأبلغه بقرار جلالة الملك بتعيينه عضواً مقيماً في الأكاديمية وكلمة العضو المقيم تعني العضو المغربي الذي يحضر الاجتماعات الدورية للأكاديمية التي تعقد كل يوم خميس ، ويشارك في عضوية اللجان الدائمة ، ويشترط في العضو المقيم أن يكون حاملاً للجنسية المغربية ..

لم يكن صاحبنا يحمل الجنسية المغربية ، ولم يقدم أي طلب للحصول عليها ، كان يعرف أنه لو رفع الطلب إلى الملك فسوف يمنحه الجنسية فوراً ، ولكنه لم يفعل ، كان يريد أن يمنحه الملك الجنسية المغربية تعبيراً عن التقدير والتكريم ، لم يكن يريد الجنسية كغيره ممن يطلبون الجنسية ، كان يريدها تكريماً لـه ، كانت الجنسية تسعده لو جاءت إليه بصيغة التعبير عن ذلك التكريم .. ومضت سبع سنوات ولم يطلب الجنسية ، وطلب منه أصدقاءه من الحاشية الملكية ومن الديوان الملكي أن يطلب الجنسية ،وكان يجيب بأن الجنسية وحدها لا تسعده ، فهو ينتمي لجنسية يفخر بها ، ويريد جنسية يفخر بها ، وهي الجنسية التي يمنحها المغرب لـه ، وبمبادرة من جلالة الملك .

كان شديد الاعتزاز بكرامته ، ولا يرضى لنفسه أن يضع نفسه في مواطن الإحراج ، أو يصدر منه ما يسيء لصورته ، كان كبرياؤه كبرياء اعتزاز بمكانة العلماء ، وليس كبرياء كِبر وترفع ، كان يدرك أن رصيده في المغرب ولدى الملك شخصياً هو نزاهته وسمعته ونظرة الآخرين لـه ، وما كان يريد أن تكون صورته صورة الطامع الذي يطالب ويلح في الطلب ، وقد كلفه هذا السلوك الكثير من التضحيات .. وما كان يرضى أن يُرفض لـه أي طلب ، ولذلك كان لا يطلب لئلا يضع نفسه في موقف يندم عليه . كان أصدقاؤه ينصحونه أن يطلب ، ويقولون لـه أن الملوك يحبون أن يطلب منهم ، ولا يحبون من تغلب عليه كرامته فيستغني عنهم ويتعالى عن الطلب ..

لم يكن التعالي من طبعه ، ولكنها الكرامة ، وكان يعرف أن الملوك يحترمون من يحترم نفسه ، ومن أثقل عليهم بمطالبه فسرعان ما يفقد احترامه عندهم ، وهذا من طباع البشر ، ومن قوانين النفس ..

والملوك مثقلون بمطالب الناس ، وقد يرضيهم الطلب لأنه يُشعرهم بحاجة الآخرين لهم كما يُشعرهم بقوتهم ونفوذهم ، ولكنه لا يُسعدهم ، لأنهم يبحثون عمن يتقرب إليهم لا لحاجة ، ومرت سبع سنوات في المغرب ولم يكن يحمل الجنسية المغربية ، كان يسافر بجواز سفره الأصلي والجنسية ستحقق لـه الاستقرار النفسي ، ولكنه يبحث عن تلك الرمزية المعنوية التي كان يسعده أن يشعر بها ، احتراماً منه لذاته ، لعلها شعور داخلي بالدفاع عن نفسه ، لكي يشعر من حولـه أنه غير طامع في المغرب ..

عندما أبلغه أمين السر الدائم للأكاديمية بقرار تعيينه كعضو مقيم ، أجابه بأنه لا يحمل الجنسية المغربية ، في كلمة عادية لشرح الواقع ، ولم يكن لها أي مدلول آخر ، رفع الأمر إلى الملك وكأنه اعتذار عن قبول العضوية ، فاختار الملك عضواً آخر ليحل محلـه في إشغال المقعد الأخير المكمِّل للعدد المطلوب ، وهو ثلاثون مقعداً للأعضاء المغاربة .. وفوجئ صاحبنا بالأمر ، فليس من عادة الملك الحسن الثاني أن يتراجع عن قرار اتخذه ، وليس هذا من عادة الملوك ، وأدرك أن هناك سراً في الأمر ، وكان قد رفع رسالة إلى الملك يشكره فيها على اختياره لعضوية الأكاديمية ..

وبينما كان يقلب الأمر متسائلا عن سر ما جرى التقى صديقاً مقرباً من أعضاء الأكاديمية ، وسألـه ذلك الصديق قائلاً : لماذا لا تريد عضوية الأكاديمية فوجئ بالسؤال وأدرك أن الأمر قد نقل بصورة مغايرة للواقع .. وكأن تساؤلـه اعتذار عن قبول العضوية .. ولما التقى بأحد أصدقائه المقربين من الملك أكد لـه أن الأمر نقل على صورة من لا يرغب في العضوية ، وأن هذا قد ترك انطباعاً سلبياً ..

ولما وصلت رسالة الشكر إلى الديوان الملكي اكتشف السيد أحمد بنسوده مستشار الملك المكلف بالديوان الملكي ذلك السر ، ونقل مضمون رسالة الشكر إلى جلالة الملك الذي أصدر أمره بإعطائه الجنسية المغربية فوراً وبصفة استثنائية ويتمتع بمجرد الحصول عليها بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطن المغربي من غير حاجة لانتظار خمس سنوات ..

نشر ظهير الجنسية بالجريدة الرسمية في بداية عام 1984 ، ولكن عدد الأعضاء في الأكاديمية قد اكتمل ، وسافر صديقه القديم الشيخ عبد الرحمن الدكالي إلى الديار المقدسة لأداء العمرة وودعه في داره قبل سفره ، وكان من أكثر أصدقائه وفاءاً ، وهناك رحل إلى الرفيق الأعلى ، وحزن عليه صاحبنا ، وألقى كلمة في حفل تأبينه كانت مؤثرة وحزينة وصادقة ..وفقد صاحبنا بفقده أحد أهم أصدقائه الأوفياء الذين وقفوا إلى جانبه بشجاعة الرجال ووصفه في كلمته التأبينية بقولـه :

يمدح من غير تزلف ، ويثني من غير إفراط ، ويدافع عن قيم ومواقف ، ولا يحني هامته ذلاً وتملقاً ، يحب المغرب ويغار على قيمه ، ويدافع عن الحق من غير تخاذل ويتصدى لما يعتقده مجانباً للصواب بشجاعة وإقدام ” .

أصدر الملك أمره بأن يشغل صاحبنا المقعد الشاغر الذي كان يشغلـه الراحل الكبير في الأكاديمية.

وفي شهر أبريل 1984 وقف السيد عبد الهادي بوطالب عضو الأكاديمية ومستشار الملك ، وكان يشغل آنذاك منصب المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ليقدم العضو الجديد إلى الأكاديمية ويلقي باسم الأكاديمية خطاب الاستقبال الذي يستقبل به الأعضاء الجدد قائلاً ([1]): برز اسم الدكتور النبهان بين علماء حلقات الدروس الحسنية كمتحدث في بيئته جامع بين العصرنة والأصالة ، متفتح على المستقبل ، مشرئب إلى آفاقه ، ولا غرو أن يجد فيه الملك الحسن الثاني النموذج الصالح لما ينبغي أن يكون عليه الباحث المسلم وأن يستبقيه بعد ذلك ليعهد إليه بتكوين الجيل الجديد من الباحثين الذين يتلمس فيهم جلالة الملك أن يكونوا على غراره ، فيلقي إليه بمقاليد الإشراف على مؤسسة دار الحديث الحسنية التي لا شك أن جلالته يريدها أن تخرِّج النماذج المتخصصة لصورة عالم العصر ”

وفي الخطاب الذي ألقاه صاحبنا في حفل استقبالـه عبَّر عن سعادته بالثقة الملكية وسعادته بهذه العضوية ، وأكد أن مجتمعنا الإنساني لا يمكن أن يتغلب على مشاكلـه المتجددة ما لم يقتحم رجال الفكر أسوار ذلك المجتمع بُمثُلهم وقيمهم لكي تصبح الفضيلة عنصراً فاعلاً في مجال الحقوق الإنسانية ، وأن هذه الفضيلة يجب أن تكون قيداً قانونياً مُلزماً وليست مجرد قيمة أخلاقية غير ملزمة ، وأن استعمال الفرد لحقه يجب أن يتقيد بالفضيلة الاجتماعية وألا يتجاوزها ، وفي ظل الفضيلة تصبح الحقوق القانونية عاملاً من عوامل الاستقرار ، وأن الفضيلة تحتاج إلى أن يهتم رجال الفكر بإيقاظ القيم الروحية المستمدة من التربية الإسلامية ، لكي تفهم مبادئ العدل في إطار الفضيلة ويتنازل الأقوياء عن جزء من حقوقهم لصالح الضعفاء ، وأن يتركز الحوار بين الشمال والجنوب على دعم دول الشمال لمخططات التنمية الحقيقية في الدول الفقيرة لتحقيق السلام العالمي ، ودعا الأكاديمية إلى تحمل مسؤولية الإسهام الجاد في تنمية الجانب الإنساني في المسيرة الحضارية وتقديم التصور الأمثل لمجتمع الغد . .

ومنذ ذلك اليوم انضم صاحبنا إلى أسرة الأكاديمية ، ووجد نفسه مع أصدقائه القدامى الحاج محمد باحنيني والسيد عز الدين العراقي الذين اختلف معهما من قبل ، والتأمت الجروح وبقيت آثارها عالقة في أعماق النفس ..

كانت أسرة الأكاديمية متماسكة والحوار غني ومفيد ، والموضوعات حية ومعبرة عن قضايا واقعية ، وبالرغم من تعدد المدارس الفكرية وتباينها وتباعدها بين الأعضاء المقيمين والمشاركين فقد كان الحوار هادئاً وموضوعياً والحرية مكفولة لكل الأعضاء ، والاحترام المتبادل قائم ..

وأتيحت لـه أن يتعرف على شخصيات مغربية من مدارس فكرية مختلفة ، وأن تربطه صلات مودة مع جميع زملائه ، الذين كانوا يتحلون بأخلاق عالية ، ويعبرون عن آرائهم بلباقة وحكمة من غير انفعال وقلما كان يحدث ذلك التوتر في النقاش والحماس المذموم ..

كان منبر الأكاديمية هو المنبر الأهم بعد الدروس الحسنية وكان يشارك في معظم الدورات العامة التي كانت تعقد مرتين في السنة ، دورة ربيعية ودورة خريفية ، ويحضرها جميع الأعضاء ، ونظراً لاختلاف هذا المنبر عن المنابر الأخرى بسبب تكوينه وطبيعة مهمته فقد كانت تدخلاته تركز على البعد الفكري والأخلاقي والإنساني ، وجميع التدخلات والمناقشات كانت تجمع وتطبع في كتاب خاص عن كل دورة ..

وتضم الأكاديمية نخبة مختارة من رجال الفكر والثقافة ومن القيادات السياسية التي أسهمت في إغناء التجربة الإنسانية وإغناء الفكر وإثراء المعرفة ..

ومن الطريف أن تجد شخصيات مختلفة كل الاختلاف في تكوينها الفكري وتنتمي لمدارس متباعدة تجلس متجاورة في مقاعدها ، تتحاور وتتناقش ، وتتصافح وتتبادل كلمات المجاملة في اللقاءات الجانبية ، مما كان يثير الدهشة ويلفت النظر ..

كان الشيخ عبد اللـه كنون الأمين العام لرابطة علماء المغرب والشيخ الرحالي الفاروقي والشيخ عبد اللـه الكرسيفي والحاج أحمد بنشقرون يمثلون علماء المغرب وهم من علماء الحديث والفقه ومن رموز الثقافة الإسلامية وفي المقابل تجد هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق المعروف بدهائه السياسي ، وليومولد سيدار سنفور رئيس جمهورية السنغال وفيلسوف الثقافة الزنجية ، ونيل ارمسترونج رائد الفضاء الأمريكي الذي هبط على القمر وادغارفور رئيس وزراء فرنسا ، وموريس دريون أمين السر للأكاديمية الفرنسية وأرطو دوهاريسبورغ من أمراء النمسا ، وهران كسبانع من الصين وقسطنطين تساتوس رئيس جمهورية اليونان والحاج أحمد أحيجو رئيس جمهورية الكاميرون وماريو سواريز رئيس جمهورية البرتغال ..

وتجد شخصيات عربية وإسلامية هامة كالدكتور الحبيب بلخوحه مفتى تونس من تونس وفؤاد سيركين من تركيا وأحمد مختار أمبو مدير عام اليونسكو من السنغال وأحمد عبد السلام من باكستان وأحمد الضبيب من السعودية والأمير الحسن بن طلال من الأردن والدكتور عزيز الحباب من المغرب ومحمد شفيق من رموز الدعوة إلى الأمازيغية في المغرب .

ستون شخصية هم أعضاء الأكاديمية يجتمعون مرتين في كل عام لتدارس موضوع يختاره الملك بنفسه، من القضايا الهامة التي تشغل اهتمام العالم ، القدس ، أخلاقيات غزو الفضاء ، قضايا الماء والجفاف ، السيادة والهيمنة في السياسة الدولية ، شرعية التدخل الدولي ، الاجتياح العراقي لدولة الكويت ، المسؤوليات القانونية للكوارث النووية ، معاهدة السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل ، قضية الأجنة وتقنيات الإنجاب ، الاستنساخ البشري ، العولمة والهوية ، الوحدة الأوربية والآخرون ، مستقبل العلاقة بين دول الحوض المتوسطي ، القرصنة والإرهاب .

كل موضوع كان يعبر عن مشكلة قائمة في عصره ، وتشارك الأكاديمية في إغناء الموضوع بالآراء والأفكار والحلول الممكنة ، لم تكن هناك قرارات أو توصيات بل مجرد حوار مفتوح وجاد لدراسة المشكلة ..

كانت الأكاديمية تمثل منهجية الحسن الثاني في ممارسة الحكم ، كان يسمع الآراء المختلفة ، ثم يتخذ قراره ، وهذا يشبه مجلسه اليومي المسائي مع حاشيته المقربة ، يسمع منهم ما يردده الناس من أقوال وإشاعات ، وما تكتبه صحف المعارضة من انتقادات للحكومة ، ويحتفظ بكل ذلك ، ثم يصدر قراراته ويوجه الأمور بما يراه ملائماً ..

وربما كانت الأكاديمية تؤدي هذا الدور ، في القضايا الدولية الشائكة ، وفي التطورات العلمية المرتبطة بالإنسان ، كالتقنيات الطبية المرتبطة بالإنجاب ، كان هناك رأي لعلماء الأديان الإسلام والمسيجية واليهودية في تلك التطورات ، وهي آراء متقاربة وليست متصادمة ، لأن هدفها واحد ، وهو الحفاظ على الأسرة ووضوح الانتماء النسبي ، وهناك رأي لعلماء القانون ولعلماء الاجتماع والنفس وللعلماء المختصين بالطب ، كان الملك يريد أن يسمع صوت الفكر والمفكرين من الذين كانوا يمثلون مختلف الثقافات والقارات الجغرافية والأيدلوجيات ، أولاً لإغناء الفكر الإنساني وثانياً لتكوين رأي عام دولي يسهم في تكوين رؤية كونية ذات طبيعة شمولية تدافع عن الحق والفضيلة وتلتزم بالقيم الإنسانية الأصيلة ..

كان صاحبنا يشارك في أعمال الأكاديمية ، في موسمها الثقافي التي تُلقى فيه محاضرات علمية ، وفي أحاديث الخميس التي تُلقى في الجلسة العادية كل أسبوعين ، ويتولى أحد الأعضاء المقيمين إلقاء عرض في موضوع يختاره بمحض إرادته وتجري مناقشته من الأعضاء الاخرين ، وهناك الدورات العامة في شهري مايو و نوفمبر من كل عام ..

وأعضاء الأكاديمية من المغرب يمثلون مختلف التيارات الفكرية ، ورموز الفكر والثقافة والأدب ، ممن أسدوا خدمات حقيقية لبلدهم من خلال جهدهم ، ومعظمهم تولى اسمى المناصب ، فهناك علماء الشريعة وهناك رجال الأدب واللغة ، وهناك رجال قانون واقتصاد ، منهم من تولى الوزارة الأولى أو وزارات مهمة وهناك مستشارون للملك ، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس المجلس الدستوري ..

وبالرغم من اختلاف المدارس الفكرية التي ينتمون إليها فقد كانت جلسات الأكاديمية منضبطة وتسودها روح المسؤولية والاحترام المتبادل ، والمجاملات المحمودة ، وقلما كان يحدث ذلك التصادم المعبر عن ضيق الأفق وعدم التسامح ،ولعل سبب ذلك أن القضايا المطروحة للنقاش لا تدخل ضمن القضايا التي يشتد فيها الخلاف ، وهي غالباً ما تتناول دراسة قضية فكرية أو ثقافية أو لغوية أو تراثية أو دينية ، وكان التراث المغربي يحظى باهتمام الأكاديمية في الجلسات العادية ، وبخاصة ما يتعلق بتاريخ المغرب السياسي والثقافي والحضاري ، وترجمة أعلام المغرب ، وهناك لجان عدة من أعضاء الأكاديمية ، لجنة القيم الروحية ولجنة التراث ولجنة اللغة العربية ولجنة التربية والعلوم ، وهناك ندوات تنظمها هذه اللجان في موضوعات تدخل ضمن اختصاصها .



([1]  ) انظر وثائق الأكاديمية كتاب وقائع استقبال الأعضاء الجدد .

( الزيارات : 1٬943 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *