الامة مصدر الشرعية

لا شرعية خارج نطاق إرادة الأمة , ولا يحتجّ بأيّ شرعية لا تعبر عن إرادة الأمة, ولا شرعيّة للتاريخ , ولا يحتجّ بالماضي لإلغاء الحاضر , فالحاضر مستقلٌ عن الماضي , وجيل الحاضر مؤتمنٌ على عصره , وهو أعرف بما يُصلحه و يلائمه من الاختيارات والمواقف وله سلطةٌ على واقعه , وما يراه حسنٌ فهو حسن , وما يراه سيئاً فهو سيء , في ظل الثوابت التي أقرتها الشريعة لحماية الإنسان , وأهمها الكرامة الإنسانية والحرية الفكرية والشورى في الحكم واحترام حقوق الإنسان والمساواة الإنسانية في الحقوق والواجبات ومقاومة الظلم والعدوان وحماية حق الحياة , ولا يمكن لإرادة الأمة أن تُلغي ما شُرع من الأحكام الشرعية التى جاءت لحماية مصالح الأمة , فإذا اتجهت إرادة الأمة لإقرار أحكام خاطئة وظالمة ومنافية لحقوق الإنسان فلا يُعتد بهذه الإرادة , ولا تُسمع لأن الأمّة الواعية لا تجتمع على ضلال , فإذا اتجهت الإرادة لإقرار أحكام خاطئة فهذا دليل على جهل الأمة وتخلفها , فالأمة التي لا تقدس الحريّة ليست جديرة بالحرية , والأمة التي تقر نظام العبودية ليست جديرة بالحرية , والأمة التي تدافع عن الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي ولا ترفع شعار المقاومة ضد العدوان هي أمة جاهلة ومتخلّفة , ولا تُحترم إرادة الشعوب المتخلفة في اختياراتها الخاطئة والضارّة بمصالحها .

والغاية من الثوابت الشرعية حماية الشعوب المتخلفة من نفسها لكيلا تختار المواقف الخاطئة في معتقداتها وقيمها وسلوكياتها ومعاملاتها ، وكلّما ارتقت المجتمعات الإنسانيّة اتجهت إرادة الأمة لتجسيد ذلك الرقي في المواقف والاختيارات ، وتُحترَم إرادة الأمة فيما يحقق مصالحها ولا تُحترَم إرادة الأمة فيما يلحق بها الضرر ، وقد تجهل الأمة ذلك الضرر ، أولا تدرك خطره بسبب الجهل والتخلف ، وهناك بعض الشعوب ترفض الإصلاح وتحمي قيم التخلف, وتخشى من الحرية وتقلل من أهمية العلم وتشكك في قدرات العقول ، وتتمسك بالتقاليد الخاطئة والضارّة ، وهذه الشعوب تحتاج إلى إصلاح واقعها ونشر الثقافة فيها وتعليمها ما تحتاج إليه ، وهذا أمرٌ تحتاج إليه كلّ الشعوب المتخلفة للتغلب على أسباب التخلف ..

ولا يلام الجاهل إن أخطأ في اختيار طريقه ، وإنّما يلام العالم إذا اختار الطريق الخاطئ بالرغم من علمه بسوء اختياره ، ويلتمس العذر للمجتهد فيما يراه ويؤمن به ، والأمة الواعية تُحترَم إرادتها في كلّ ما تراه محققاً لمصالحها ، وهي أقدر على معرفة مصالحها في المكان والزمان ، وبخاصة في مجال الحقوق والواجبات والأنظمة والمعاملات بشرط أن ينسجم ذلك مع الثوابت الإسلامية ..

ولا تكره الأمة على قبول مالا تريد ، ولا إرادة لمكره ، والإكراه يلغي الإرادة ، ولا يحتج بإرادة مكرَه أو خائف أو مستضعف أو جائع أو مستذل ، في أيّ عقد من العقود أو تصرف من التصرفات التي تحتاج إلى الإرادة.

( الزيارات : 1٬498 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *