الانسان المخاطب..

نفحات روحية الانسان المخاطب..

كنت أتأمل كثيرا فى بعض المصطلحات التى نستعملها دائما فيما نكتبه او فيما نقوله , وليست هناك مترادفات فى اللغة القرآنية الا بدلالة خاصة , واهم ماكان  يلفت نظرى هو العلاقة بين العلم والمعرفة , ولكل منهما دلالة تختلف عن الاخرى , فالعلم هو ما يؤدى الى انطباع صورة المعلوم فى الذهن , والمعرفة اعم واشمل وتحتاج المعرفة الى قدر من التدبر والتأمل , واداة العلم هو الحواس الظاهرة ,  واهمها العقل , اما المعرفة فتحتاج الى تأمل فيما هو معلوم مما انطبع فى القلب من المعانى , واحيانا تحتاج المعرفة الى صفاء وعناية وحسن فهم , وليس كل من اكتسب العلم يمكن له ان يفهم المراد به , الفهم يحتاج الى نور يدرك به ما تجاوز قدرات العقل , والعلم لا يتجاوز الامور العقلية , اما الفهم فهو اعمق واوسع لانه يختلف باختلاف قدرات المخاطب به , المعرفة هي ما ينطبع فى القلب من المعانى التى لا حدود لها والتى تتجاوز قدرات العقول , والعلم يقابله الجهل وهو مدرك بذاته , واداته الحواس والتجربة الانسانية وتاريخ الانسان  , العلم نقيض الجهل , فاما ان تعلم الشيء اوان تكون جاهلا به ,  والعلم هو رؤية الاشياء على حقيقتها كما هي , واداة العلم هو التعلم عن طريق اداته وهو العقل , والعقل اداة للتمييز والتمييز لا يعنى حسن الفهم , فالفلاسفة يحسنون العلم والتمييز في المعقولات ولا يعنى انهم يحسنون الفهم , فالفهم يحتاج الى نور الهي يضيءطريق  العالم لكي لا يضل او ينحرف ,اهل العقول يتوهمون انهم على الحق معتمدين فى ذلك على موازين ثابتة,  ولا يعنى انهم على الحق دائما , من يهده الله ينير طريقه ويلهمه رشده , ما اشد جهل بعض العلماء فيما يخاطبون به , وليست كل العقول يمكن الثقة بها , العقل الغريزى يحسن التمييز ولا يحسن الفهم الذى يقوده الى الهداية  , اما العقول النورانية التى تجردت عن الاهواء الغريزية فهي المؤهلة لفهم الخطاب التى خوطب به الانسان المكلف , المخاطب هو الله وهو الخطاب الذى وصل الينا عن طريق الوحي والنبوة , وهو الخطاب الوحيد الذى لا يأتيه الباطل , وما عداه فهو جهد العقول والناس متفاوتون  فيه , ولا احد يمكنه ان يدعي الحق فيه الا فيما ترجح للعقول انه الحق , والمخاطب هو الانسان المكلف وهو متجدد زمانا ومكانا وفى قدراته ومتأثر بما يحيط به من بيئات ومشاعر ومصالح ومؤثرات , وما خوطب به الانسان هو ما يجعله اكثر رقيا فى انسانيته واختياراته وانظمته وما يختاره لنفسه , المعرفة تاملات باحثة عن الحق قد ترتقى وقد تنحدر , وهي متأثرة بما حولها , وهي داعية الى الخير المطلق للانسان ولمجتمعه ,  ومالا يحقق هدفه الذى اراده الله لعباده من المصالح التى تحقق الكمال فلا يعتد بها , اختلاف الناس فيما خوطب به الانسان حتمي , ولا احد اولى بالحق من احد . والبحث عن الحق حق للمخاطب ولا حدود لحرية المخاطب فى البحث عن ذلك الحق وذلك الكمال , اختلاف الناس امر طبيعى ما لم يؤد ذلك الخلاف الى ظلم وعدوان , رسالة الدين واحدة وهي الايمان بالله والعمل الصالح ومقاومة اعداء الانسان وهم كثر ممن تجاوزوا الحدود , الدين يقاوم كل انواع الفساد فى الارض ومظاهر الفساد كثيرة , واهم مظاهر الفساد ما اغتصب من الحقوق ,  واهمها الاموال التى ارادها الله ان تكون رزقا لكل خلقه , الثروات الطبيعية لكل الخلق تقسم بينهم بالعدل ولا يحرم مستضعف من رزق الله ,  ولكل انسان  قيمة جهده وعمله ولا يتجاوزه بظلم مهما كان شكل ذلك الظلم , لا ينسب الى الدين ماليس منه من   مصالح واهواء , اقرب الناس الى الله هم الصالحون ولا يتجازون حدود عبوديتهم لله تعالى , ولا شيء خارج الاسباب الظاهرة التى تدركها العقول لكي تقام الحجة على الانسان فيما اختاره لنفسه , العلاقة مع الله امر خاص بصاحبه وهو مسؤول عما يفعله , اساءة الفهم ليست مبررا للتجاوز والعدوان , المطامع والاحقاد والاهواء والشهوات امور ترتبط بغرائز النفوس , فاذا تمكنت من صاحبها وترسخت كانت مرضا وادت الى انحراف وضلال , مهمة التربية الروحية انها تخفف من تلك الغرائز , لكي تكون اقرب الى الاعتدال , مهمة الدين ان يجعلك افضل فى عقيدتك فلا تشرك بالله احدا من خلقه مهما كانت مرتبة صلاحهم فى نظرك ولا احد يتجاوز عبوديته لله رب العالمين , ومهمة الدين ان يعلمك ما يجب ان تعرفه من حقوق الله عليك وحقوق كل الآخرين فلا تتجاوز عليهم بحق من حقوقهم ..

 كنت اتامل فى ذلك وانا ابحث عما خوطب به الانسان المكلف والمخاطب ولا حدود للثقة بالانسان اذا كان باحثا عن الحق وملتزما به , الصالحون من كل الطوائف والمذاهب ومن كل الشعوب هم اقرب الى الله بصلاحهم واستقامتهم ,  والمعتدون الظالمون هم ابعد عن الله , الانسان هو خليفة الله فى الارض وهو مؤتمن على ما يريده الله من الحياة الانسانية ان تكون عليه وهي  موطن امتحان لذلك الانسان فى كل الازمان ..

( الزيارات : 1٬182 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *