التامل والبحث عن الطريق

التامل والبحث عن الطريق

عشت طفولتي الى قرابة العشرين من عمري في صحبة السيد النبهان طيب الله ثراه في مدينة حلب في بيئة دينية وفي ظل تربيةً صوفيةً  اصيلة راقية المفاهيم عن معنى الاسلام كمنهجية كمال في السلوك , ومنهج فهم ايماني لمعنى التكليف  فى الحياة ، وكنت ارى الاسلام فى تلك  الفترة من حياتى منهجية متكاملة ذات بعد روحي للتعبير عن مرتبة الانسانية  تمثل الكمال في كل شيء , والالتزام بالقيم الانسانية الرفيعة , واهمها الادب في السلوك الاجتماعى  والتكافل كتعبير عن احترام الحياة لكل عباد الله ، لم اكن اصدق ان هناك من يكذب فيما يقول او يغش فى المبايعات  او يرتكب مالا يليق من افعال النقصان ، كنا نحب الكمال فى كل شيء  لان الله يحب ذلك ,  ونتقرب الى الله بعمل الخير ، لم نفعل اي شيء لاجل غاية مادية ، الخير يطلب لذاته  لانه خير ، والشر لا يليق بالانسان ، وكنا نخجل من العمل الناقص ولو مع عدو او فاسد ، كنت اعتقد ان المسلم لا يفعل مالا يليق من الاوصاف المذمومة من منطلق ايمانى ، وعندما سافرت لاول مرة الى دمشق لاجل الدراسة كنت كسمكة خرجت من الماء ، او كعصفور خرج من قفص  آمن كان يشعره بالدفء  والسكون ، واراد ان يطير وحيدا وشعر بالهيبة  من الابحار بعيدا عن الشاطئ ، شعرت بالوحدة والغربة , واكتشفت عالما جديدا وفسيحا كمحيط لانهاية له ،واصطدمت بالحياة كما هي عليه , وكان يجب ان افكر من جديد فى كل شيئ واتعلم الجدبد ، وعندما اقتربت من كل الآخرين رأيت ملامحهم كما هي عليه ، وكبر الكثيرمنهم  باستقامتهم وصدقهم وتعلقهم بالكمال ، وصغر الكثير ممن كنت اراهم كبارا ، وكانت حقبة دمشق غنية بدروسها ومفاجآتها ، واكتشفت عالما جديدا اكثر واقعية يستحق التأمل من جديد ، عالم مختلف عما تربيت عليه ، الكل يزاحم لاجل دنياه ، يحب ويكره ، ويصدق ويكذب ، والكل يبحث عن ضالته المنشودة، وكدت ان افقد ثقتي بذلك الانسان ، واخذت اعيد التفكير من جديد لكي افهم الحياة واكتشف ذلك الاتسان فى كل خصوصياته الغريزية ، وبدأت الحقبة الجديدة ,  التامل واتساب المعرفة من الحياة نفسها ، حقبة معرفة ذلك الانسان فيما يحركه من البواعث والدوافع الغريزية والفطرية ، وعكفت على محاولة فهم السلوك الانساني ، واكتشفت ان الانسان هو وليد مكوناته الذاتية ، الفطرية التي خلقت فيه والتى تحركه ، ولا سبيل الى التحكم فيها والسيطرة عليها , واهمها  العوامل المكتسبة من التربية والتعليم والبيئة التي اسهمت في تكوينه ، الفكر الانسانى  هو وليد كل ذلك ، الفكر هو ما تنبته الارض مما يزرع فيها من الازهار والاشواكً ، الارض الخصبة تنبت ما يعبر عنها وما هي مستعدة له ، والارض القاحلة تنبت الاشواك التي تكثر بالاهمال والنسيان ، المجتمعات التي يعم الجهل فيها  ويكثر الظلم  ويترسخ الاذلال يبرز اثر كل ذلك في ثقافتها وفكرها ، وينمو فكر التطرف  والعنف في ظل مشاعر الكراهية للتعبير عن الاحتقان الناشئ عما في النفس من الشعور بالظلم والاذلال ، واكتشفت فيما بعد ان التطرف ينمو في مجتمعات الاستبداد , والكراهية تكبر في المجتمعات الطبقية ، الكراهية والتطرف والعنف ليس من الاسلام ، وانما هو مما تعيشه مجتمعات المسلمين من الجهل والظلم والاستبداد ، الجهل يولد التعصب والظلم يولد الكر اهبة والاستبداد يشجع العنف ، ما نراه فى المجتمعات الاسلامية هو ثمرة لواقع اجتماعى ناتج عن الجهل بالاسلام وتسخير الاسلام لتبرير ما عليه تلك المجتمعات من القيم الفاسدة التى ترسخب بسبب الجهل والظلم والتخلف , لا بد من فهم لرسالة الله فيما خاطب الله به الانسان لكي يسهم فى اصلاح الحياة بما صالح للحياة من النظم التى تحترم فيها روحية الرسالة الالهية التى جاء بها الاسلام ..

٠

أعلى النموذج

 

أسفل النموذج

 

( الزيارات : 558 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *