التصوف فى الميزان

كلمات مضيئة..التصوف فى الميزان

التصوف منهج  ايمانى وروحي وتربوى واخلاقي يعتمد على ركنين متكاملين وكل منهما يكمل الاخر , اذا استقامت الاركان استقام البناء كله ,

 الاول : هو قاعدة فلسقية ذات طبيعة ايمانية و بعد انسانى , وترى فى الوجود تجليات نورانية تستمد نورها من النقطة الازلية التى هي الله تعالى  خالق الوجود وكل شيء بامر الله  , وقد نسب الى  بعض ائمة الصوفية فى هذه الفكرة القول بوحدة الوجود وان الخالق والمخلوق يعبران عن وجود واحد هو الله وليس هناك وجود اخر يماثله , وفكرة وحدة الوجود قال بها ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض  وهي فكرة فلسفية قديمة قال بها عدد من الفلاسفة الاقدمين والمحدثين , ومنهم الفيلسوف اليهودى  سبينوزا , ولعله تأثر باراء  الفيلسوف اليهودى ابن ميمون الاندلسي , ومن المؤكد  ان ابن عربي الحاتمى  كان مفهومه لوحدة الوجود تختلف عن وحدة الوجود لدى الاخرين , انها تعبر عن رؤية اسلامية اصيلة من منطلق الايمان بان الله تعالى هو نور السموات والارض كما جاء فى القران  وان رحمته وسعت كل شيء وهو معكم اينما كنتم , والله من ورائهم محيط  وان الوجود واحد بضفتيه المادية والروحية ,  وان الحياة الروحية لاتنفصل عن الحياة المادية , وان الله تعالى هو الواحد الاحد الذى يتصف باوصاف الكمال ,   وله وجود حقيقي  مطلق خارج المكان والزمان يليق به كما وصف نفسه فى القران  , وعندما يستمد هذا المفهوم من التصور الاسلامى  الموافق للرؤية القرآنية ولا يتناقض مع اي اصل من اصول العقيدة فمن الطبيعى ان تكون المفاهيم مقبولة ,  لان دلالة المصطلحات تختلف بما يراد بها فما لم يثبت التجاوز والانحراف فيها فيؤخذ بما قامت الادلة على قبوله من تلك المعانى  , معظم رواد المنهج الصوفي يرون فى الوجود معنى الحكمة الالهية ويرون فى الانسان صفة  العبدية المطلقة لله تعالى  , وينتفى بذلك المعنى المذموم  الذى قال به الفلاسفة حول وحدة الوجود  , لم يقل احد من الصوفية بوحدة الخالق والمخلوق ولا بوحدة الله والكون , فالعبدية كوصف  للانسان هي جوهر الفهم الصوفي  وهي اهم  ثوابت  الفكر الصوفى ,  ومن المصطلحات الصوفية الحجاب والانس والخشية والخوف وكل المقامات تؤكد على التفريق بين الربوبية والعبدية , وكيف يستقيم معنى وحدة الخالق والمخلوق مع اثبات صفة العبدية التى تقوم عليها التربية الصوفية,  التكليف فى المفهوم الصوفى يؤكد على معنى العبدية التى تتطلب الرضا والتسليم من منطلق المحبة التى تربط الانسان بربه  , ومع هذا فالخوض فى هذه القضايا ليست مستحبة والانشغال فيها من العبث الذى يلهو به جهلة الصوفية الحقة من اهل الشطحات المبهمة , وعندما نتحدث عن الفيض الالهي الذى تحدث عنه الامام الغزالى نتيجة المجاهدات فهو فيض معرفة بالله ان تكون بها اكثر فهما لمعنى العبدية ومن ابرز اثارها الادب مع الله فيما حكم وقدر ..

الثانى :وهو الركن الذى تعتمد عليه الصوفية وهو منهج التربية الروحية وتنميتها فى القلوب , وهو منهج تربوى متكامل يعتمد على فهم الطبيعة الفطرية للنفوس  بما تنطوي عليه من غرائز فطرية تولد مع ولادة الانسان وهي التى تقوده لحماية حياته الانسانية بشوقه الفطرى لاسباب كماله , فهو يشتاق بطريقة ملحة لكل ما ارتبطت حياته به من الطعام والشراب والزواج ومن استعداده للدفاع بطريقة فطرية عن كل اسباب وجوده , مهمة التربية الصوفية انها امسكت بزمام ذلك الانسان المكلف والمخاطب والمؤتمن لكي يمسك بزمام نفسه فلا يرضخ لكل مطالبه ويختار ما ينفعه وهو الذى يقرر ما يريد , انه يعبد الطريق الذى يقوده الى الله , فلا يقبل على الله الا اذا كان مستعدا لذلك ادبا وصفاءا وصدقا , وبفضل تلك المجاهدات يكون الانسان اكثر قربا من الله بما يحبه الله منه , انت تتقرب الى الله بما يحبه منك من العمل الصالح , كل الصفات المذمومة يجب الاقلاع عنها واستبدالها بالصفات المحمودة ,..

الصوفية هم الذين اهتموا بالاعمال وليس بالاقوال ,  الصوفية تعلمك ان تكون اكثر ادبا مع الله ومع كل الاخرين  واكثر التزاما باحترام الحقوق واكثر استقامة فى معاملاتك لاتظلم ولا تعتدى وتكون انسانا اكثر رقيا فى فهمك لمعنى الحياة وكرامة الانسان ..

ليست الصوفية الحقة مانراه من مظاهر سلبية واعتقادات خاطئة وتقاليد متوارثة تعبر عن تراكمات تاريخية اسهم فى ترسيخها التقليد والجهل والتعصب ,  وهي غير مبررة وليست لها دلالة اخلاقية او دينية , مهمة كل مجتمع  وهو المخاطب والمكلف والمؤتمن ان يجدد ما يحتاج الى تجديد وان يصحح ما يحتاج الى تصحيح وان يختار ما ينفعه وما ينهض به , من اراد النهوض فلا احد سينهضه  الا كانت لديه ارادة النهوض , المخاطب مسؤول عما يختاره , التجديد منهج العقلاء للبحث عن الطريق والعلم اداة لحسن الفهم والعقل منارة الهداية ..

( الزيارات : 533 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *