الثقة بالعقل لفهم الدين.

 كلمات مضيئة..الثقة بالعقل لفهم الدين ..

شغلت قضية المعرفة الفلاسفة الاقدمين والمفكرين المحدثين , وعكفوا على  دراسة  مفهوم المعرفة ومدى قدرتها على التوصل الى الحقيقة الكلية عن الكون والحياة والانسان , وتشمل كل اهتمامات الانسان من الوجود والخلق والالهيات والطبيعة والحياة والموت , والقضية الثانية الاكثر اهمية هي مصادر تلك المعرفة , ومن اين يستمد الانسان معرفته وهل هذه المعرفة يقينية ام ظنية , هناك ظواهر يمكننا ادراكها بالملا حظة,  وهناك قوانين طبيعية يمكننا اكتشافها عن طريق العقل , الدين قدم لنا تفسيرا للحياة والكون والخلق وهو التفسير الوحيد بالنسبة للمؤمنين , والايمان نعمة كبرى لان المؤمن لا ينتابه ذلك التردد والشك والحيرة وهو يتامل فى الحياة , الايمان يمنح المؤمنين اليقين والسكون , ايمان العجا ئز كما يسميه الامام الرازى هو الاصدق والاقوى ولا ادعو اليه وهو ايمان ينقصه الفهم  , ما ينشغل به  العلماء من الاهتمامات والانشغالات الفكرية لا يشعر به اولئك الذين يؤمنون عن طريق الجود الالهي الذى يكرم  الله به من شاء من عباده من الذين خصهم بمعرفته فكانوا بما امنوا به اكثر سعادة واستقرارا , مصادر المعرفة امران النقل والعقل , وهذا منهج علماء الاسلام , او نقول الوحي والعقل , ما اجهل ذلك الذى يريد ان يقيم الدليل على وجود الله , ابسط بديهيات المعرفة ان هذا الكون بكماله وبنظامه وبما فيه من مطاهر الطبيعة وتعددها لا يمكن ان يكون بغير خالق حكيم اوجد هذا الوجود واحكم صنعه , وهو يمثل الكمال المطلق , الدين اعطانا مفهوما مريحا للحياة ولم يستطع العلم ان يقيم دليلا واحدا ينقض به ذلك التصور الدينى , والايمان بالله يستلزم الايمان بما جاء من عند الله عن طريق الوحي والنبوة , هذه هي الحقيقة المعرفية الاهم فى منطلق البحث عن المعرفة , الوحي جاء يخطاب تكليفي موجه الى العقل الانساني , وهنا تبدأ مهمة العقل فى البحث عن الحقيقة وعليه ان يتاكد من ذلك الخطاب اولا وهنا تختلف العقول في البحث عن ذلك ,  وهناك الامر الاهم وهو البحث عن دلالة ذلك الخطاب , العقل هو المخاطب , وهو مكلف ان يفهم , والانسان متجدد ومتعدد وتعتريه الانفعالات وتتحكم فيه غرائز فطرية وتتفاوت قدراته فى الفهم وهو وليد زمانه ومجتمعه , وهذا يفرض التعدد والاختلاف , اذن يجب الثقة بالعقل وهذا امر لا يقبل النقاش  لانه هو المخاطب , فما يراه العقل فهو الحق بالنسبة له , الخطاب متجدد ويخاطب به ذلك الانسان , كل مكلف مخاطب , الاحياء مخاطبون والاموات ليسوا مخاطبين , كل جيل مخاطب , الخطاب واحد والمخاطب متجدد ولا احد اولى بالفهم والتفسير والتاويل الا بدليل وحجة,  و لا احد هو اقرب الى الله من الافراد او الاجيال او الشعوب او المذاهب الا بمن امن و عمل صالحا, لا وصاية لاحد على احد , ولا افضلية الا بالحق والحجة , وما تجاوز الوحي والنبوة فهو من جهد العقول , ويحتمل الصواب والخطأ , عظمة النص فى سعة دلالته , ما كان من جهد العقول فهو خاضع لمعايير النقد العلمي , كل جيل له فهمه الخاص به المعبر عن قضاياه واهتماماته , البحث عن الكمال هو منهج الباحثين عن الحق ولكن مفهوم الكمال ليس واحدا فلكل فرد كماله الخاص به , العقل يستمد معرفته من الحياة وقوانين الطبيعة وتاريخ الانسان وتجارب المجتمعات , عندما يزداد علم الانسان بقوانين الطبيعة وحياة الانسان تزداد معرفته ويكون اكثر فهما لما امره الله به , كل من يتعلم فهو فقيه فيما تعلمه , لا يمكن لغير اطباء الابدان ان يتحدثوا عن قضايا الابدان واحكامها , لكي يكون العالم فقيها فيجب عليه ان يكون فقيها فيما يريد البحث عن احكامه من القضايا وان يدرك مدى اهميتها وامكانية العلم بها ا  , كل عالم مؤتمن على ما تعلمه , من العلم الا يتحدث احد في غير ما تخصص فيه , من واجب الفقيه ان يختلط بالناس لكي يكتشف قضاياهم وهمومهم وما يشغلهم , من اعتزل الناس فلا ثقة بما يقول من احكام , لا بد من العلم اولا وحسن الفهم ثانيا والتقوى ثالثا , كل المفاهيم تتجدد باستمرار وتعبر عن حالة مجتمعها , تتقدم بتقدمه وتنحدر بانحداره ..

 تراثنا هو جهد اجيال متعاقبة , ويحتاج الى فهم لعصره ولمجتمعه , والفقه يتجدد باستمرار لكي يكون صالحا لمجتمعه ويحقق المقاصد المرادة منه , عندما نثق بالعقل فاننا نحتكم اليه , فما جاءنا عن غير طريق العقل من ثراثنا فاننا نعرضه على معيارين الشرع والعقل معا , المعرفة الالهامية اذا لم يقبل بها الشرع والعقل فلا يمكن  قبولها , وهي وليدة الاهواء , ولا ثقة بها , ما خالف الشرع والعقل معا فلا حاجة اليه , كل تراثنا يجب ان نخضعه لهذا المعيار الشرع والعقل , ويراد بالشرع ما هو من ثوابته التى لا خلاف فيها , حاجتنا الى العقل ملحة لكي نرتقي به , العقل هو الاداة لفهم المخاطب به , النص وحده لا يفهم الا بمن يحسن فهمه والا وقع الانحراف والضلال , عندما نجدد ثقتنا بالعقل والعلم فاننا نبنى فهما اصيلا لمعنى الدين لكي يعبر عما يريده الله من عباده ان يكون صالحين .

( الزيارات : 712 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *