الحقوق واستقرار النفوس

 

علمتني الحياة

أنّ النفس البشرية لا تستقرّ إلا إذا حصلت على كامل حقوقها في الكرامة والحريّة وكلّ الحقوق الثابتة للإنسان سواءٌ كان رجلاً أو امرأةً أو طفلاً أو حاكماً أو محكوماً وكذالك في المعاملات اليوميّة فالكلّ يبحث عن حقه ولا يتنازل عنه وإن لم يُظهِر ذلك لضعفه أو لمصلحة يرجوها من الآخر …وإذا أردنا السلام والاستقرار الاجتماعي فعلينا أن نحصن مجتمعنا ضدّ المظالم الاجتماعية كما نحصن ضدّ الأمراض والأوبئة والخوف يُسكت صاحبه عن حقه ولكنّه لا يسقط الحقوق.. وقد يولد الحقد الداخلي والاحتقان المخيف والمشكلة لا تكمن فقط في الجانب السياسيّ وفي علاقة الحاكم بالمحكوم ولكنّها موجودة في كلّ العلاقات الإنسانية بين الإنسان والآخر في الأسرة الواحدة بين الزوج والزوجة وبين الرجل والمرأة وبين ربّ العمل والعامل وبين المسلم وغير المسلم وبين الدولة والدول المجاورة ولكلّ طرفٍ حقوقه ولا يمكن لأحد أن يتناول عن حق مشروع له

وتكمن المشكلة الحقيقية في أنّ كلّ طرفٍ يعتقد أنّه يملك من الحقوق أكثر مما يستحق ويترسخ لديه شعور بأنّه صاحب حقّ فيما يطالب به أو فيما يتمسّك به ولو احتكم الجميع إلى معيار عادلٍ ورضوا به لانتهت المشكلة ولكن لا أحد يرضى بهذا والكلّ يتمسك بالحقّ الذي تصوره له نفسه وأحياناً يزداد الوهم لديه ويرى نفسه أكبر من حقيقتها فيزداد الوهم لديه فإذا كان يملك القوة  فقلّما يرضخ للحقّ إلا كما يراه هو ، وهذا شأن الأقوياء في الدفاع عن مواقفهم ,وقلّما يرضخ القوي للحقّ ,وهذا هو السبب الأكبر في الخلافات والمنازعات والأحقاد والحروب فالكلّ يظن أنّه على حقّ ويدافع عن حقّه والكلّ يبرز عدوانه على الآخر  ..   

والضعيف أولى بالعدل من القوي والقويّ أقدر على التنازل من الضعيف والعدل بين غير المتساويين في القوة والظلم ويحتاج الضعيف إلى قوة تقف إلى جانبه وهنا يبرز دور الدين في التربية وتغذية قيم التسامح وإشاعة الرحمة بين الأطراف المختلفة والميزان يجب أن يتجه إلى جانب الضعيف لأنّه أحوج للعدالة من ذلك القوي وقلّما نجد الإنصاف لدى الأقوياء فالشعور بالقوة يعمي صاحبه ويغرقه في بحر الغرور ويأبى التنازل أو التراجع حفاظاً على كرامته وكأنّ الضعيف لا كرامة له وأخاطب القضاة وأقول لهم العدل المطلق ظلمٌ مطلق اِعدلوا وأحسنوا العدل فالعدل إذا خلا من الإحسان كان ظلماً ولئن أخطأتم في ميزان العدل فلا تخطئوا في ميزان الإحسان وتعاطفوا مع الضعيف المظلوم فهو أحوج للعدل من القويّ الذي يملك القوة لحماية حقوقه, والعدل أمر نسبيّ يعود تقديره إلى القاضي ولأن يخطئ القضاء في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة وتشدّدوا في إثبات الأدلة لدفع أيّ ظلم محتمل ولا تتخلوا عن إنسانيتكم وأنت تقضون والتمسوا العذر للمستضعفين والمستذلين والجائعين والمحرومين فيما يصدر عنهم فالنّفوس المظلومة مريضة وقلّما تشعر بما تفعله من تجاوزات في لحظات اليأس والإحباط ,ومن كمال العدل حماية المجتمع من الجريمة والفساد و الرشوة فلا رحمة بمن يروّع المجتمع في أمنه واستقراره ولا رحمة بمن يعتدي على الأرواح والأموال والحقوق , والفساد شرّ كله ولا يُقضَى على الفساد إلا بالقوة والردع ومن العدل التشدّد في العقوبة لمنع الجريمة والقاضي الذي يملك الحكمة يحسن اختيار حكمه لتحقيق الغاية المرجوة من تطبيق العدالة لكي يشعر المجتمع بالأمن والاستقرار..

( الزيارات : 776 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *