الخصوصية الانسانية المحجوبة بالعقول

نفحات روحية… الخصوصية المحجوبة بالعقول.

مازالت الدراسات التى كان موضوعها الانسان هي الاكثر اهمية فى تاريخ الفكر الانسانى , فالانسان هو ذلك المجهول الذى يرى الظاهر منه ويخفى كل ماعداه , لا شيء من الانسان يمكن فهمه والتحكم فيه , من اليسير ان نرى الابدان الظاهرة وهي القوة الاولى التى يمكن التحكم فيها , ومعظم الدراسات الطبية اهتمت بها , ليست هي كل شيء , اهتم فقهاء الاسلام بما هو ظاهر وقيل عن فقهاء الاحكام بانهم فقهاء الظاهر وهو المدرك بالحواس الظاهرة , عظمة الانسان تكمن فى خصوصيته الانسانية التى تميزه عن الحيوان , فما هي هذه الخصوصية الانسانية التى اكرم الله بها الانسان , ما غاب  عن ذلك الادراك هو غيب والانسان يؤمن بالغيب , والغيب يدرك بامرين الايمان به عندما يصلك عن طريق الوحي الالهي الذي يتنزل على الانبياء,  وهذا حق لا شك فيه , وهناك طريق آخر ان تدركه عن طريق ادراك آثاره الظاهرة  , وهذه هي القوى التى تخفى ولكنها تدرك وهي اكثر اهمية , قدرات الابدان محدودة وهي لا تتجاوز مقدار ما يحتاج اليه الانسان , فلا يمكن للبصر ان يتجاوز المسافة التى يحتاج اليها الانسان ولا يمكن للسمع ان يتجاوز  مقدار الحاجة , ولكل حاسة اداتها الخاصة بها ما عدا اللمس فكل البدن هو حاسته , كل ما يهدد البدن مما يناقضه بزيادة او نقصان فانه يثير الاهتمام , فلو لمست باسفل قدميك حرارو او برودة فسوف تشعر بذلك لانه نقيض لك وكذلك الخضونة والنعومة في نقيض وتدرك سريعا فانت تحس بلمسة النقيض  , القوة البدنية هي الاهم ويشترك الانسان والحيوان فى هذه القوة , كل الحيوانات تملك ما يملكه الانسان  من الحواس الظاهرة , كل دراسات الفقهاء اتجهت الى ذلك السلوك الظاهر , مباحث الطهارة اهتمت بطهارة الابدان من النجاسات الظاهرة , العبادات اهتمت بالاداء الصحيح الذى استوفى كل الاركان فان لم تؤد بالطريقة الصحيحة فهي فاسدة , عندما اهتم علماء اصول الفقه بالتكليف كان اهتمامهم بالتمييز والتكليف الشرعي وله معاييره,  واحيانا يتأخر الرشد عن موعده , لان الرشد يخضع لقوة اخرى ليست هي الكمال البدنى , احيانا يكون الكمال البدنى ولا يكون الرشد , وهنا نجد الاهتمام بالقوة الثانية وهي القوة العقلية , ومن اليسير ان نربط الرشد بالكمال البدنى , او ما هو مظنة  للكمال البدنى  , ولا يمكن لاحد ان يكتشف الخلل والمرض العقلى الا بسلوك خاطئ يدل عليه , معنى ذلك ان العقول تتصرف بطريقة واحدة ووفق معايير عقلية , هذا امر نسبي وليست المجتمعات سواء , معايير الصواب والخطأ ليست واحدة , ماهي معايير الاخلاق , ما الذي يحدد لنا ماهي معايير الصواب , كيف يمكننا ان نكتشف ذلك الخيط الرفيع بين الصواب والخطأ , لا بد من ميزان عادل وهي البوصلة التى تحدد لنا اين نحن فى رحلة التشابك بين الثوابت والمتغيرات وبين الحق والباطل , كنت اتامل فى كل ذلك ولا اجد الجواب , القرآن كلام الله جاء عن طريق الوحي ونقل الينا عن طريق التواتر النقلى والحفظ فى الصدور وهذا يجعل نصه فى مرتبة اليقين , ولكن تفسيره جهد عقلي متعدد ومتفاوت ,ليست كل التفاسير سواء وتتفاضل صحة وفهما  وقبولا , التفسير جهد يتحكم فيه الانسان , والانسان وليد زمانه ومكانه وهوليس في مرتبة الكمال واحيانا تتحكم فيه اهواؤه , فيرجح ما يراه صوابا وهذا حق له , وكل الاجتهادات الفقهية هي جهد عقلي ناتج عن رؤية صاحبه متأثرا بزمانه ومكانه , القدرات العقلية متفاوتة وكل مخاطب مكلف ان يفهم ذلك الخطاب بما يترجح له انه الصواب , تعددت المناهج متأثرة بزمانها ومجتمعها فكانت اكثر تعبيرا عن حاجة ذلك المجتمع , لا احد اولى بالحق من الآخر , الخطاب الالهي عام لكل الخلق , لا احد اقرب الى الله من احد , العقول كالابدان ذات معايير ثابتة, العقل ميزان واداة للتمييز , ليست العقول على حق دائما وهي كالحواس محكومة بالمصالح تقبل وترفض ما تراه الاقرب لما هو مراد , الابدان تحتاج لوقود ذاتي , اذا لم يكن الوقود فلايمكنها ان تبحث عما تحتاج اليه من اسباب كمالها , وكان لا بد من القوة الثالثة المحركة وهي وقود الحركة الانسانية وهي القوة النفسية المزودة بالغرائز الفطرية  للبحث عن الكمال , عندما تغيب تلك القوة او تتوقف يتوقف كل شيء فى ذلك البدن , قوة طلب الاشياء وهي قوة ذاتية مقتحمة وملحة ولا تعرف التوقف , تطلب ما تحتاج اليه , عندما تجوع تطلب الطعام والشراب وعندما تشعر بالبرد تطلب الدفء  واللباس , وعندما يقع اي عدوان عليها تغضب وتنتفض للدفاع عن وجودها وماتعتبره حقا لها , وهذه القوة توجد فى الانسان والحيوان معا فالكل يبحث عن اسباب كماله , الفرق بين الانسان والحيوان ان الحيوان لا يميز بين ما كان له او ليس له اما الانسان فهو مخاطب وليس جديرا به ولا مقبولا ان يأكل مما ليس له ,  هذه القوى الثلاث يملكها كل الناس بدرجات متفاوته , لا احد يفضل الآخر فيها , ولكل قوة من هذه القوى الثلاث لها كمالها الخاص بها , ولكن اين يكمن ذلك الكمال , وكيف يمكننا ان نقول هذا هو الكمال , علماء الاخلاق يعتبرون الوسط هو الكمال , ولكن ما هو معيار الوسط , اين تكون النقطة التى يمكن اعتبارها هي الافضل والاكمل , احيانا نجد تناقضا فى المعايير , كنت انصت للجميع واجد ان لكل فرد قناعته فيما يفعل ويختار , كنت ادر ك ان هذه المرحلة هي الاشق , لاننى لا اجد الجواب عن الحيرة , لا احد لا اجد لديه جانيا من الحق فيما اختار لنفسه , كنت فيما مضى اكثر حماسا لما يترجح لى انه الافضل , اصبحت اكثر فهما للتاريخ وللمواقف المختلفة والتناقضات والمغالبات , كنت اقول لنفسي لوكنت فى مكان من انكر عليه فقد افعل ما يفعل فلما ذا الانكار  , كنت ابحث عن تلك الخصوصية الانسانية التى تجعلنا اكثر رشدا فيما نختار , ماالذى يجعلنا نفعل الخير لانه خير , وما الذى يميز الانسان عن الانسان الآخر , كنت ابحث عن ذلك الصفاء القلبى الذى يمكننا ان نعتبره معيارا للتفاضل عند الله , هناك امر خفي عن القوى الثلاث لا ندركه وقد نحتاج اليه , كنت اجد الكثير من المفاهيم السائدة ليست واقعية وهي مجرد مثاليات تتحكم فيها الاوهام , كنت ابحث عن ذلك الانسان المجهول الذى لم نكتشف حقيقته بعد , كنت اقول لنفسي لا بد من وجود حقيقة هي اسمى من كل ما يشغلنا تجعل الانسان ارقى فهما للحياة وكنت ابحث عن ذلك الانسان الذى هو اقرب الى الله  ويفهم عن الله ما يريد من الانسان , عندما اتأمل فى الحياة اجد فيها سرا لا يمكننا ادراكه , هناك قوة رابعة هي اسمى وارقى , ابحث عنها , كنت اجد كل ما فى الحياة يقودنا الى ذلك المجهول الذى لا يمكننا التوصل اليه , لعل تلك القوة هي قوة الانسان  فى خصوصيته الانسانية وهذا سر الحياة اختص به الله وليس مما يجدر ان يهتم به الانسان.ز ..

( الزيارات : 1٬129 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *