الدين لا ظلم فيه

الظلم

علمتني الحياة أن أكره كلّ من يستغلّ الدين لتحقيق أهداف شخصيّة لا علاقة لها بالدين ، فالدين ليس مطية لبلوغ أهداف دنيوية ، ومن حقّ كلّ إنسان وكلّ طائفة وكلّ تاجر وكلّ حاكم أن يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية وطموحاته في الحياة ، ولكن لا يحقّ لأحدٍ من هؤلاء أن يستغلّ الدين لتحقيق أهدافه ، وهذا من الكذب والتزوير والخداع ، وهذا الخداع قد ينجح في البداية ولا يدوم الخداع ، وقد يدفع صاحبه ثمن هذا الخداع ، وهذه ظاهرة قديمة وما زالت قائمة وسوف تستمرّ ، والشعوب الجاهلة والمتخلّفة أكثر تأثراً بهذه الظاهرة فهي سريعة الاستجابة لما يعرض عليها ولما يثير عواطفها ، وهي ليست قادرة على التمييز ومعرفة الدوافع والأهداف فمن أراد المنزلة الاجتماعية تظاهر بالعلم وقد يكون جاهلاً بأحكامه ، وتقرّب للعامة بما يرضيهم ، وادعى لنفسه الكمال ونسب لنفسه ما لا يملكه من استقامة ونزاهة ، وتشدّد في المواقف والفتاوى تظاهراً بالورع والتقوى ، واخفي عن العامة ما يريده مما يكرهون ، فيصبح حجّة موثوقة ، والتاجر الذي يتظاهر بالورع والتقوى طمعاً في استمالة الصالحين والثقة به ، ولا يتورّع عن أكل أموال الناس بالباطل والغش والاحتكار وتحقيق الأرباح الفاحشة ، والحاكم الطامع في السلطة يتظاهر بدفاعه عن الدين ويرفع شعاراته ويقاوم خصومه باسم الدين ، ولا يتورع عن ظلم شعبه واضطهاد معارضيه وقتل منافسيه وسرقة أموال شعبه ، والتهرب من دعوات الإصلاح باسم الدين واتهام معارضيه بأعداء الدين ، فما يرضيه فهو مما أمر به الدين ، وما لا يرضيه فهو مخالف للدين وهذا من الخداع المذموم ، والزوج يظلم زوجته ويمنعها من حقوقها المشروعة ويطلِّقها متى شاء بغير ذنب ارتكبته وتزوَّج عليها أخرى من غير مبرر سوى أنه أراد إشباع شهواته متجاهلاً مشاعر زوجته وجراحها النفسيَّة ، ويحتجُّ لذلك باسم الدين وأن الدين يبيح كل ذلك ومن اعترض عليه فقد خالف أوامر الدين ، والدين أباح هذه التصرُّفات لمبرِّرات اجتماعيَّة ومصالح عامَّة ولم يقرُّ ظلماً إذا ثبت الظلم .

والأب يمارس سلطة الوصاية والهيمنة على أولاده الكبار العاقلين ، ويعطي لنفسه الولاية على أنفسهم وأموالهم ، ويتجاهل أي حق من حقوقهم الشرعيَّة , ويخشى الأولاد من العقوق ومخالفة أوامر الدين بالبرور وطاعة الأبوين ،والبرور لا يعني إلغاء إرادة الأولاد ولا ينقص من حقوقهم , ولا عقوق في ممارسة الأولاد لحقوقهم المشروعة وإنما يتمثَّل العقوق في التقصير في الواجبات والحقوق المفروضة لصالح الآباء في النفقة والطاعة والوفاء والأدب والوقوف معهم في الشيخوخة وإشعارهم بالمحبَّة والاحترام .

( الزيارات : 2٬382 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *