الرحمة خصوصية انسانية

كلمات مضيئة .. الرحمة  خصوصية انسانية                                                                 

من اجمل الكلمات في اللغة وأرقاها دلالة هي كلمة الرحمة ، ويراد بها ذلك المعني الانساني الدال علي التعاطف والمحبة والرأفة ، وقد جاء استعمالها في القران الكريم اكثر من مأتين وستين مرة وجاءت بمعاني متعددة بحسب استعمالها ، وكلها تعبر عن نفس الدلالة فيما يدل على معنى التراحم الانساني ، وارتبط الانسان باخيه الانسان ، ومن كلمة الرحمة اشتقت كلمة  الرحم وذوي الأرحام وهم الذين يتعاطفون فيما بينهم ويتبادلون الرحمة ، والرحمة صفة من اوصاف الله تعالى ، وهو الرحمن الرحيم ، والله تعالى ارحم بعباده من انفسهم ، وهو ارحم الراحمين ، وكل العباد يحتاجون الى رحمة ربهم ومغفرته ورضوانه ، ومصدر الرحمة هو الفلب وليس العقل ولا النفس ، فالنفس هي موطن الغرائزالفطرية . الشهوانية والغضبية ، ولذلك تتوجه التربية لكبح جماح تلك الغرائز لكيلا تدفع صاحبها في لحظة طغيانها الشهواني الى الطمع في كل ماتستلذه من الطعام والمال ومتع الدنيا ، وفِي لحظة الغضب تندفع للتعبير عن ذلك الغضب بكل وسائل التعبير عنه من إساءة واستفزاز وشتم وانتقام ، ومهمة التربية ان تنمي قيم الخير والرحمة في تلك النفس . عن طريق كبح جماح تلك الغريزة البهيبمية التي لا تعرف حدودا ولا قيودا ، اما العقل قمهمته التمييز بين الاشياء ، وتتحكم فيه معاييره المادية ، العقل يدلك على ما فيه مصلحتك ، انه يدلك علي الطريق الذي يأخذك الى ما تريد ، انه يأخذك الى الخير ان اردته , ويدلك على الشر ان اخترته ، العقل خادم مطيع لك وانت الذى تتحكم فيه ، وهومأمور بأمرك ويفعل ما تريد ، عقلك هو اداة لك ومستشار عاقل لا يغشك اذا استشرته في الامر ولا يتخذ القرار نيابة عنك ، ان أردت الخير دلّك على طريقه ورسم لك خارطة طريق له ، وان أردت الشر والعدوان قادك اليه ورسم لك طريقه , وبين لك  أخطاره وتركك تفعل ما تريد ، ان أردت القتل دلك ذلك العقل علي الطريقة التي تقتل بها والأداة القاتلة ورسم الطريقة التي يمكنك ان تخفي جريمتك ، العقل اداة لك يخدمك فيما تريد وهو كاللسان يعبر عما تريد ان تقول ، ان اردته ان يرحب بمن تلقاه فعل ذلك ، وان اردت ان يشتمه فعل ذلك من غير تردد ، وهو كاليد التي تأمرها ان تصافح فتفعل  ما امرتها به  , وان اردتها ان تضرب فانها تفعل وتقتل من تريد ، انها اداة لذلك العقل الذي تصدر الأوامر منه ان تفعل ماتؤمر به ، جند العقل واحيانا جند الغريزة , والغريزة موجهة ومتحكمة , والعقل اداتها الناصح الامين , احيانا يقع الانصات له واحيانا لا يملك من امره شيئا , وهو كجندى  مطيع يفعل ما يؤمر ,  والجندي يفعل ما يؤمر به ، انه لا يفكر ولا يقرر ، الجند يفعل ما يريده قائده من غير تردد ، لا يخرج عن طاعته ولا يتمرد ولا يثور  ، العقل يؤدي مهمته التمييزية والنفس تؤدي وظيفتها الغريزية ، جماح الغرائر تقتحم كل  اسوار العقول  , ولكن من هو صاحب القرار فى السلوك الانسانى ، هو الانسان المكلف والمخاطب والمؤتمن ، بكل ما فيه ، هناك مراكز قوى اخري تعمل لدى الانسان وتؤدي دورها كاملا ، هناك الفطرة وهي مصدر الايمان والقوة الروحية ، وهي قوة مغالبة  وتمسك بزمام الغرائز والعقول  وتغذي فيهما  قوة الايمان وتمسك بزمام الشهوات  وتمنعها من الانزلاق  وتوجه تلك القوة  نحو الخير فيجد صاحبها سعادته فى  فى اسعاد الاخرين  , ويجد لذته  فى غير ما تستلذه النفوس  , واللذة هي اللذة فهناك من يجدها  فى شهواته المادية وهناك من يجدها فى لذة روحية , وخصوصية اللذة الروحية انها عصية لا يشعر بها الا من كان من اهلها , واللذات المادية تنتهي سريعا وتخلف بعدها ندما ,  وهناك القلب الذي يحرك العواطف والمشاعر ويختص به الانسان وينفرد به وليس المراد بالقلب هو ذلك القلب الصنوبرى المادي الذى ينبض بالحياة وانما هو القوة التى تحركه وتجعله موطنا للحياة ، ذلك القلب اذا كان صافيا ونظيفا كان مصدر الرحمة ويستمد رحمته من الرحمة الالهية ، وهذا القلب هو الذي يحرك مشاعر الخير في الانسان وهو الذي يغذيها ، ويمسك بزمام صاحبه ويمنعه من افعال الشر والعدوان والظلم ، ولذلك القلب اسراره  الخاصة به وتلك الخصوصيات لا تدركها العقول ولواتسعت معرفتها لكل قوانين الكون العلمية  , مصدر الرحمة هو القلب المشبع بالايمان ، فاذا تمكنت الرحمة من الانسان اتجهت كل قوته العقلية للبحث عن الطريق الموصل اليها ، وصدر الامر الي اللسان لكي ينطق بالكلمة الطيبة تعبيرا عما في القلب وتنشرح القلوب لتلك الكلمة التى صدرت من القلب وتركت اثرها في الاخرين  ولو كان تلك الكلمة خالية من الفصاحة والبيان , انها تحدث اثرها فى سامعها كنبتة فى ارض خصبة تورق ثم تخرج ازهارا ، الرحمة عطاء الهي للانسان لكي يتميز بها عن الحيوان ، فالحيوان لا يعرف الرحمة , انه يقتل ويستمتع بفعله ولا يشعر بعاطفة ولا يحس باي ندم  وكانه لم يفعل شيئا ، الحياة الانسانية رقي في المشاعر التي مصدرها القلب ، قساة القلوب تضعف لديهم العاطفة الانسانية ومشاعر الرحمة  , انهم  لا يندمون على ما فعلوه ولا يعترفون بذنب اقترفوه , انهم فى غفلة عن ربهم , الغرائز يملكها الحيوان كما يملكها الانسان، والحيوان يملك عقلا يقوده الى حاجاته ، ويختص الانسان بعواطف الرحمة لكي يكون بها التعاطف والتراحم والتقارب ، اذا انتفي ذلك في الانسان. وتحكمت فيه أنانيته كان قاسيا في مواقفه وكبرت أطماعه وكان اكثر استعدادا للطغيان والعدوان ، وعدوان الانسان اشد وحشية من عدوان الحيوان لان الحيوان يقتل دفاعا عن نفسه لكي يبحث عن طعامه ، اما الانسان فانه يستخدم عقله للتعبير عن رغبته في الانتقام ، كل شيئ يفعله الانسان ، انه يقتل بوحشية  لا يعرفها الحيوان  , رسالة الدين انه ينمي قوة الخير في الانسان ويعمق مشاعر الرحمة فيه ، تلك هي رسالة الدين وهي رسالة الله الى خلقه ، العدالة من منطلق الدين هي عدالة لا تنفصل عن الرحمة ، هي عدالة ذات رؤية شمولية تكافلية انسانية ، منطق التكافل ليس هو منطق المساعدة  والتفضل ، منطق التكافل يجعل العدالة حقا انسانيا  وهو ان يحمل القوي الضعيف ، وان يتكفل الغني بالفقير، وان يرعى الكبير الصغير ، تلك مسؤولية كونية تكافلية ، التكافل منهج حقوقي في الحياة ، لا فضل فيه ولا منة ، الرحمة خصوصية انسانية ولها دلالاتها الحقوقية ، لا فردية مطلقة خارج المصالح الاجتماعية  التى هي حق  لكل خلق الله , خالق الانسان ضامن لحقوق خلقه  فيما ارتبطت الحياة به , كل انسان مؤتمن على من ارتبطت حياته به وعليه ان يضمن طعامه وامنه وكرامته ، لا بد من اعادة النظر في مفهوم الحقوق والملكيات الفردية من منطلق جديد للعدالة ، يحقق العدالة كما ارادها الله لكل عباده ، لا بد من التصحيح في مفاهيم العدالة الحقوقية ، وهو خيار وحيد للتساكن الانسانى ، العدالة بكامل اركانها او المقاومة للدفاع عن العدالة , من حق كل مظلوم ان يدافع عن حقوقه , من اغتصب منه اي حق من حقوقه فمن حقه ان يسترده , وهذا هو الجهاد المشروع ولا جهاد فى العدوان , الجهاد هو للدفاع عن الحقوق بكل الوسائل الممكنة من غير تجاوز ولا مشروعية للحروب العدوانية التوسعية , انتاج السلاح والاتجار به جريمة ضد الانسانية ..

 وكنت اتساءل هامسا في حواري الداخلي مع نفسي :هل من الممكن ان تكون الحياة الانسانية للاقوياء دون الضعفاء ، وان ينفرد البعض بكل شيء وان يحرم البعض الآخر من كل شيء ، تلك قسمة ضيزى ، ولا يمكنها ان تكون ، لا احد لا يدافع عن وجوده عندما بتعرض لخطر يهدد ذلك الوجود ، العدالة القانونية هي من صنع الانسان ومن إنتاجه  ليحمي تجاوزاته باسم القانون , معظم مفاهيم العدالة ليست عادلة  , والانسان الاقوي هو الذي وضع لها مفاهيمها كما توارثها جيل عن جيل ، توارث المفاهيم لا يعني انها عادلة  وهي العدالة ، يجب ان نعيد النظر بين فترة وأخرى بتلك المفاهيم القانونية المزيفة للعدالة لكي تواكب عصرها وتعبر عن مفهوم للعدالة يحقق العدالة من منطلق التكافل الانساني للدفاع عن الحياة ، الحياة بكل اسبابها لكل عباد الله ، والثروة الكونية لكل الخلق وهي رزق من الله لكل عباده ، ولكل احد قيمة جهده العادل وبه يكون التفاضل والتمايز ، ولا تفاضل فيما كان من الثروة الكونية ، وهي كمياه الأنهار لا يمنع منها احد ولا ينفرد بها احد ، القوانين الوضعية منظمة للحقوق كما وضعها مجتمعها  وحامية لها ومؤكدة ،ترتقي برقي مجتمعها وتنحدر بانحداره , لقد حان الوقت لكي تتحرر العدالة من سلطة القانون وقيوده لكي تعبر عن العدالة الانسانى كحق من الله اكرم به كل عباده , لا يحرم عاص من العدالة , فالعقوق لا يحرم ولدا من ارث ابيه ولا يخرجه من نسب ,   العدالة القانونية لاتلغي العدالة الالهية ولا تحرم احدا من الخلق من رزقه الذي اراده الله ان يكون حقا لهم ، ما زاد عن قيمة الجهد فهو لمجتمعه لانه ثمرة من ثمرات ذلك المجتمع ، المال لا ينمو بذاته وإنما ينمو بالجهد الانساني ، الارض تعطي للفلاح قيمة جهده ، والبحر يعطي لمن يبذل جهده في استخراج كنوزه ، ولا اكتناز لمال ولا انفراد به مع حاجة مجتمعه اليه ، ولذلك كان احتكار حاجات الانسان محرما واستغلال ضعفه من الربويات ، التغيير قادم والعدالة حتمية ، اما باختيار عاقل تلهمه العقول وتسعى اليه ، وإما باكراه ناتج عن غضب يفقد فيه الجائع رشده، وللجوع انياب حادة تفتح بها الابواب المغلقة وتستعاد بها الحقوق المغتصبة ، من لم يتعلم من التاريخ فسوف تعود أحداثه كما كانت ، رسالة الدين هي رسالة الله لكل خلقه وأركانها الايمان بالله واحترام الحقوق لكل العباد وهذا هو الخير وتلك هي معني الرحمة التي تميز بها الانسان عن الحيوان ، الأرحام جامعة لما تفرق , والاسرة الكونية هم من ذوي الأرحام والكل متكافل متراحم ، والأرحام تمتد لكي تكون لكل الخلق في نطاق الاسرة الكونية ، ما اقسى ما يفعله الجهل باهله ، الانانية والفردية هي ثمرة للطغيان ولا احد يعيش خارج مجتمعه ، قد تكون حاملا أومحمولا ، ذلك هو التكافل ، الضعيف محمول بسبب فقره او ضعفه او صغره او عجزه ، وذلك كله لا يفقده حقا من حقوقه ، تلك هي رسالة الله التي حملها الأنبياء لكي يقاوموا طغيان الانسان على الانسان ، افراد الاسرةً جميعا سيأكلون فوق مائدة ممدودة ، وهم يتحابون ما دامت العدالة قائمة وهم متصارعون متحاقدون متباغضون عندما ينفرد احدهم بحق يملكه كل الآخرين ، الرحم الواحدة جامعة والرحم الانساني يتسع لكل الخلق ، لا احد خارج التكليف ، الحرية الفردية ليست مطية للتهرب من المسؤولية التكافلية ، الرحمة صفة الهية. وهي من الجود الالهي الذي يمد الله به من احب من عباده والراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ، قساة القلوب ممتحنون ومبنلون لانهم اعرضوا عن الله فكانت الدنيا مصدر شقاء لهم ، الصدفات والاحسان ليست بديلا عن العدالة ، العدالة اولا ثم يكون الاحسان والتراحم فيما يعطي للعدالة مفهومها الاخلاقي، الظلم والعدوان لا يعالج الا باحترام العدالة والالتزام بها في كل الحقوق ..

أعلى النموذج

٢٢

أسفل النموذج

 

( الزيارات : 606 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *