الزيارة الثالثة

ذاكرة الايام : الزبارة الثالثة

عندما عدت صيف عام 1975 الي حلب لم اجد السيد النبهان طيب الله ثراه كما اعتدت ذلك  ، شعرت بالغربة والوحدة ، ولاول مرة لا اراه واشعر بغيابه ، شعرت ان الكلتاوية حزينة في ذلك العام ، واصبحت كجسد بغير روح ،. كنت ازور حلب من قبل واشعر انه كان ينتظرني ويفرح بي وكان يرسل عددا من اخوانه لاستقبالي عند ابواب المدينة ، وكان بالنسبة لي هو مصدر النور الروحي الذي كان يتسرب الي داخلي ، وسافرت لاول مرة الي الجزائر تلبية لدعوة من الوزير مولود قاسم وزير التعليم الاصلي ، للمشاركة في الملتقي الاسلامي. الذي انعقد في مدينة تلمسان المجاورة للمغرب ،. كان الملتقي. مهرجانا. اسلاميا. سنويا وهو موجه للشباب ، كان الملتقى معبرا عن الحماس والانفعال ، كانت الاناشيد الوطنية ذات الدلالات التاريخية منذ ايام الثورة  والكلمات الحماسية ، وكان الملتقى  يضم كفاءات علمية وفكرية كبيرة ، والتقيت بعدد من العلماء والمفكرين ،. منهم الشيخ محمود الصواف والدكتور صبحي الصالح والكاتب احسان عباس والمؤرخ عنان ، وعرفت لاول مرة الصديق عمار الطالبي ’  وعدد من المؤرخين والادباء، كان مولود قاسم شخصية طموحة وجادة ، وكان في حالة انفعال دائم ، وكان يتابع الملتقي باهتمام ويحضر كل الجلسات. ويسهر الليل كله ، وهو يتابع. ، وكان طلاب الجامعات يحضرون بكثافة ، وعرفت لاول مرة. مدينة الجزائر ووهران وكل الغرب الجزائري ، وعندما عدت الي الكويت وجدت دعوة مستعجلة من المغرب للمشاركة للمرة الثالثة في الدروس الحسنية ، لم اتردد قط  واسرعت الى المغرب ، اصبحت اشعر بالدفء الاجتماعى في المغرب ، لم اعد غريبا ، واصبح لي الكثير من الاصدقاء من وجوه المجتمع المغربي ، ومن ابرزهم. الوزير القوي الحاجً مممد باحنيني والسيد احمد بنسودة والسيد الداي ولد سيدي بابا ، والوزير العربي الخطابي ، وكبار علماء المغرب ، و عدد من السفراء ومنهم سفير السعودية شيخ الارض وسفراء الخليج ، ووصلت الرباط ، ووجدت نخبةً جديدة من المدعوين. من علماء العالم الاسلامي ، ودعيت لاول مرة لالقاء محاضرة عامة في دار الحديث الحسنية وجامعة القرويين. ، واخترت موضوعا. لدرسي ، بعنوان :؟مفهوم الربا في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة ، واستقبلني الملك كعادته. بكل ترحيب ،. كنت سعيدا بثقة الملك واهتمامه. ، واعطاني ذلك شعورا. بالثقة. ، كانت الهيبة الدافئة. ولَم تعد الرهبة  المربكة ، واشعرني ذلك. بسكون داخلي ، اهتمام الملك. اشعرني بالثقة والشعور باهمية الكلمة وشموخ العلم  ، وتحدثت عن مفهوم الربا كما يراه الفقهاء ، ثم طرحت مفهومي للربا ، الربا الجاهلي كما كان ، وكما يمكن ان. نفهمه. ، من منطلق المعني اللغوي وهو الزيادة التي ارتبطت بظلم واستغلال , وهو معتي متجدد الدلالة , ولَكي عصر. رباه  المعبر عن الاستغلال ، وتكلمت عن الاجور. والارباح واوجه الاستغلال. في كل المعاملات المالية ، واعتبرت الحد الادني للاجور لا يقل عن الحاجة والعقد المتفق عليه لا يلغي العدالة ولا ارادة لمذعن او مكره  ، ، وليس من العدالة ان تكون قيمة عمل الانسان اقل من تكلفته ، وان الكفاية مضمونة بالوجود الانساني ، ولو في حالة العجز والصغر ، ولا احد من عباد الله خارج الحق في الحياة بكل اسبابها ، واخرجت ذلك الدرس في كتاب طبع فيما بعد في الرباط بعنوانً : مفهوم الربا في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة ، كان الملك ينصت باهتمام ، وكانه لا شيئ يشغله عن العلم الا العلم. ، ناقشني في بعض الافكار كعادته ، كان المغرب في تلك الايام. مشدود الاعصاب. لقرار المِحكمة الدولية حول الصحراء المغربية ، واعترف بان الروابط بين  القبائل. الصحراوية وملوك المغرب. هي علاقات بيعة تاريخية متوارثة ، والبيعة تثبت السيادة لان البيعة هي الوسيلة التي تعبر بها القبائل عن ولا ئها وتلزمها بالطاعة والنصرة ، وكانت اسبانيا تشجع البوليساريو لاقامةً كيان انفصالي في الصحراء لكي تحافظ علي نفوذها فيه ، كما تفعل كل دولة. استعمارية عندما تنتسحب ، لم يظهر علي الملك اي انفعال خارج ما كان يفعله في العادة في تلك الدروس ، كان الكل بترقب ، ولَم يظهر علي الملك اي انفعال بما. كان كل العالم. يتحدث عنه ، وغادرت المغرب الي الكويت ، وفجأة وعلي غير توقع اعلن الملك عن اهم خطوة. في تاريخ المغرب والتي اذهلت العالم كله واربكته  واحرجت اسبانيا ، وهي تنظيم مسيرة. خضراء سلمية تضم ثلاثمائمة وخمسين الف شخص. . تحمل القران الكريم ولا تحمل اي سلاح. بيدها ، مسيرة في الرمال . نحو الصحراء ، اكثر من الف كيلومتر ، في ارض ليس فيها. ماء ولا طرق ولا طعام لكي تواجه الجيش الاسباني وتدخل الصحراء وتنزل علم اسبانيا وترفع بدلا عنه علم المغرب ، لم اتصور قط. ان الملك الذي كان. يتتبع الدروس ويناقش بهدوء. كان. يعد بصمت مع ثلاثة من معاونيه العسكريين اكبر مسيرة في التاريخ بكل اثقالها ، اتجه الاعلام كله نحو المغرب منسائلا ، وما ذَا لوفشلت المسيرة السلمية. التي تحمل القران , هل يمكن للجيش الاسباني ان. يواجه. مسيرة. لاتحمل السلاح. وتحمل القران ، كتابها المقدس وكان الكل يقول : وما ذَا لو تصدي الجيش الاسباني. لتلك المسيرةً. بالسلاح ، كل العالم كان يتساءل  انه الرهان على على الحق بالسلام ، قبل اقل من شهر كنت في المغرب ولَم اشعر بشيئ ابدا عن المسيرة ، قضية الصحراء هي قضية الشعب المغربي ، سياسة التفكيك والتمزيق يجب انً تفشل ، تلك. معركة العرب جميعا ، لقد اعتاد الاستعمار عندما يخرج. ان يقيم دولا لكي. يتحكم فيها ، وهم. وكلاء عنه ،. وشعرت بانفعال. شديد، كنت في سن الشباب. حيث يكون الانفعال. شديدا ، تأملت كل ذلك. ، كان لا بد الاان اكون مع المغرب ولو بكلمة مشجعة ، وهو جهد المقل لسببين : لانني اؤمن بان الصحراء مغربية كشان كل صحراء فى الجزائر وليبيا  وموريتانيا ، وان. اقتطاعها من المغرب لتكوين دولة صغيرة بقرار اسباني. هو عدوان علي الشعب المغربي وعلي الامة العربية ، وهناك امر اخر ويجب ان اعترف به وهو انني احببت المغرب من خلال تلك الرحلات الثلاث اليه ، وكان لا بد من الوفاء ولو بكلمة تشجيعية ، تصورت جيش المغرب وهو يشارك بجيشه. في حرب رمضان علي الجبهات العربية ، قبل عامين فقط ، واليوم يحتاج المغرب لكلمة. تشجيعية من العرب ان يكونوا معه في ذلك الموقف ، ان يفهموه اولا وان يكونوا معه ولو بكلمة او موقف او تصريح ، من قال ان مبدأ تقرير المصير يطبق كمبدأ للتفكيك والتمزيق، مبدأ تقرير المصير هو مبدأ يطبق للتخيير بين الاستعمار والاستقلال ، ولا يطبق في اطار. الشعب الواحد لتمزيقه ، من حق اية دولة ان تسترد ما اغتصب من أرضها ، وكان اهم برنامج. يقدمه التلفونزيون الكويتي فى تلك الفترة هو المائدة المستديرة ، وكان يقدمه. الدكتور الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي صاحب المواقف الشجاعة وكان من افضل الكفاءات الكويتية في مشاعره القومية ، كان يواكب كل الاحداث القومية بكفاءة عالية ، استضافني. في حلقة عن الصحراء المغربية والمسيرة الخضراء التي لم تبدأ بعد ، وتكلمت لمدة ساعة. وشارك في الندوة احد المؤرخين المختصين ، واتمني ان احصل علي نسخة من تلك الحلقة من الصديق الدكتور. عبد الله النفيسي ، وكتبت اول مقالة بعنوان الصحراء المغربية خلال التاريخ ، ونشرت في جريدة الرأي العام الجريدة الاهم فى الكويت ، وكان ذلك قبل انطلاق المسيرة  ، واحتفظ بنسخة من تلك المقالة ، وحققت المسيرة اهدافها بطريقة سلمية ، ونزل العلم الاسباني ، ورفع الاستاذ احمد بنسودة علم المغرب مكانه ، وعندما سألته بعد عدة سنوات عن شعوره بكي وهو يروي.لى مشاعره. في تلك اللحظات التاريخية. التي اعتبرت من اهم منجزات عهد.الحسن الثاني وعادت الصحراء كما عادت تطوان وطنجة من قبل ، وبعد عشر سنوات. دعيت الي مدينة العيون الصحراوية والقيت محاضر ة حضرها شيوخ القبائل الصحراوية ، وكتبت مقالة عن تلك الزيارة بعنوان : ذاكرة الطفولة فوق الرمال. نشرتها جريدة الراي العام. الكويتية. في عام ١٩٨٥. واستقبلني. الصديق الشيخ لاراباس ماء العينين. في العيون. . حفيد الشيخ ماء العينين مؤسس مدينة السمارة. الصحراوية ،. وكان الدكتور شبيهنا. حمداني ماء العينين. هو ابرز طلابي الذين اعتز بهم ، وكان عضوا في الديوان الملكي. ، وكان. من اعز اصدقائي الوزير الصحراوي السيد خلي هنا ولد الرشيد ، وكان يزورني عندما كان وزيرا للصحراء ، واوجه له تحياتي ، كان احد الوجوه. التي كانت تمثل الصحراء ، تلك ذكريات والكثير ممن ذكرت اسماءهم ما زالوا احياء امد الله في حياتهم. وانا اوجه لهم تحياتي ..

ر

( الزيارات : 563 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *