الصوفية منهج ادب وخلق.

 ذاكرة الايام..حوار واختيار ..

شيء ما فى اعماقنا لا يمكننا تجاهله من اثر التربية الصوفية فى الطفولة , كان صديقي الشريف  الدكتور يوسف الكتانى رحمه الله يقول لى فى لحظات التأمل ,

مهما فعلنا فالصوفية فى اعماقنا راسخة الجذور قوية اصيلة , ما كان فى الطفولة لا يمكنه ان يزول بسرعة ولو اردت ذلك , احيانا كنت ابتعد كثيرا عن الصوفية كظاهرة اجتماعية ذات ادبيات خاصة واهتمامات تعبر عن منهج فى التفكير قد يكون مختلفا عما اعتدنا ان نهتم به , احيانا كنت اشعر بشيء من التناقض , بعض ماكنت اراه لدى كثير من المنتمين لهذه المنهجية  الروحية لم اكن اراه ولم يكن ليقنعنى , وبعضه كنت انكره وهو كثير , هناك ما لادلالة له وهو من مخلفات العصور مما اعتاده الناس , وهناك ماله دلالة ولكنه ابتعد عن تلك الدلالة الى سلوك ظاهرى متكلف تتحكم فيه الاهواء حينا ويعبر عن جهل اهله ولو بحسن نية , وهناك القليل ممن التزم واستقام وحسن فهمه وارتقى ادبه , كنت اثق بامرين هما:

  الثقة بالعقل وهو موطن التكليف ولا يمكن اغفال الاحتكام اليه او التشكيك باهميته او تجاهل اثره , قد اقول كما قال الامام الغزالى ان العقل هو موطن التمييز وان القلب هو موطن الفهم , وان العقل لا يمكنه ان يتجاوز الحواس التى هي جند له تساعده على التمييز , وان الايمان القلبى اثبت وارسخ وهو الذى يقود الى اليقين , لم يغفل الغزالى دور العقل ولا يمكن لمثله ان يتجاهل دور العقل والاحتكام اليه فى كل المعقولات , ما ينكره العقل فلا يمكن الثقة به لانه مخاطب ولولا الثقة به لما كان مخاطبا ومؤتمنا  , وان الشريعة بنيت على مصالح العباد اولا وهي المقاصد المشروعة  , ولا يمكن تجاهل الاسباب الظاهرة التى تدركها العقول , وهناك امر اخر لا بد من الثقة به وهو العلم , الثقة بالعقل والثقة بالعلم امران لا يمكن تجاهلهما او الاستخفاف بهما , كنت انكر اي سلوك يعبر عن الاستهانة بهما , ومثل هذا التجاهل لا يصدر عن اهل الصدق ورموز الحق من رموز المنهجية الصوفية , احيانا يتحكم الوهم ويكبر ويظن الجهلة انه هو الحق والصواب ,  الجهل لا يقود الا الى جهل , العقل معيار للفهم والعلم اداة لسلامة الفهم لكيلا تتحكم فيه الاوهام والوساوس , لم اكن احب التكلف فى المفاهيم , لا انكر بعض المفاهيم الا اذا وجدت سببا للانكار ولا اقبل ما لا قناعة لى به , ولا اقلد فيما كنت مكلفا به , كنت افهم الصوفية كمنهج تربوي روحي يعمق المفاهيم الايمانية ويجعل العلاقة مع الله اكثر فهما وصدقا وادبا , والعلاقة مع الناس اكثر استقامة وخلقا واحتراما , اما علاقة الانسان بنفسه فانها تجعله اكثر تعلقا بالكمال ومحبة له واداة ذلك ان تحاسب نفسك وان تمسك بزمام اهوائك وشهواتك وان يصدر منك مايليق بك كمالا وما يجعلك اقرب الى الله بمحبتك للخير , الصوفى الحق لا يحقد ولا ينافق ولا يطمع ولا يتعلق قلبه بما ليس له من حقوق , ويكون اكثر ادبا مع كل الاخرين من الخلق , ولا يتعصب الا للحق ويكون اكثر رحمة وادبا , الصوفية الحقة تعلمك كيف تختار الطريق المستقيم الذى يحبه الله من عباده , الصوفية ليست مذهبا,  وانما هي منهج وطريق  يمكن لمن اراد ان يسير فيه من غير حرج , من حسن ادبه وخلقه فهو من اهل هذه الطائفة , ومن ساء خلقه وقسا قلبه وانحدر سلوكه فلا يمكنه ان يكون من اهل هؤلاء , كل الناس يمكنهم ان يكونوا من هؤلاء , سواء عرفوا هذا الطريق او جهلوه , صادفت فى حياتى رجالا كانوا ابعد الناس عن الصوفية ولم يسمعوا بها قط وكانوا اهل فهم وخلق وادب , وكانوا بعملهم الصالح اقرب الى الله من كل الاخرين , وصادفت آخرين كانوا من اعمدة التصوف فى نظر انفسهم وكانوا اكثر الناس جهلا بحقيقة التصوف كانوا يحقدون ويحسدون ويطمعون وينافقون ويعتدون على الحقوق ويسيئون لكل  المستضعفين , وهم يتوهمون انهم اهل صلاح وقرب من الله ,

اهم ما يقودك اليه المنهج الصوفي هو الادب وحسن الخلق , وكل ما يقودك الى هذه الثمرة المطلوبة فهو حسن , كل ما فى الصوفية اذالم يثمر الادب مع الله اولا والادب مع الناس ثانيا  فهو وهم لا قيمة له ولا ينفعك عند الله ابدا , ليس المهم ان تفعل اكثر وانما المهم ان يثمر فعلك عملا صالحا يحبه الله منك ,

مازلت اتساءل ..

هل انا صوفي حقا .

عندما اشعر بصفاء داخلى واجد سكونا فى القلب وادبا مع كل الاخرين اقول لنفسي اننى من هؤلاء ..

وعندما اجد فى داخلى  غفلة عن الله وطمعا فى الدنيا وقسوة وعلوا وغرورا اقول اننى لست من هؤلاء القوم وادعو الله ان يجعلنى افضل مما انا فيه ..

ان تكون افضل فالطريق اليه مفتوح وهو معبد لكل من اراد ان يختاره , واذا اردت ان تكون  كما انت طامعا حاقدا قاسيا مغرور ا متعاليا غضوبا معتديا فلست من هؤلاء ولو حضرت مجالسهم وجلست على مقاعدهم ..

  خيار صعب ومنعطف ارادي وما تختاره هو المقدر عليك فاحسن الاختيار ..

( الزيارات : 1٬013 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *