العلم بين الامس واليوم..

   ذاكرة الايام..العلم  بين الامس واليوم..

اعترف اننى تعلمت من طلابى اكثر مما تعلمته من اساتذتى ,  كان الاستاذ يعلمنى ما لديه مما تعلمه من قبل , كنا ننصت ولا خيار لنا الا ان نفعل ونقبل , معظم الاساتذة كانوا يرفضون من يخالفهم او من يناقشهم , أحيانا كنت اسمع واحيانا كنت اشرد بعيدا وكاننى غير موجود , كان من السهل علينا ان نعود الى الكتاب لنفهم اكثر , بعض ما كنت اسمعه لم يكن يقنعنى , كنت اتامل فيه بعيدا عن الاستاذ , كان الاستاذ يفرح اذا وجد من ينصت له بغير مقاطعة له  , لم يكن مقبولا ان  تخالف الاستاذ فيما اختاره , قلة من الاساتذة كانوا يحرصون على تكوين الملكة العلمية من خلال منهج التحليل المركز الذى ينمى الملكة , الاساتذة ليسوا سواء , ليس كل من تعلم يمكنه ان يكون عالما وليس كل عالم يمكنه ان يكون معلما , اهم ما يجب على المعلم ان يعرفه ان يحترم من يخاطبه من طلابه , والا يستخف به , وان يصل اليه , التلقين هو منهج الدراسات الاولى للمبتدئين , اما فيما بعد فمهمة الاستاذ هو التكوين وهذه مهمة كبيرة وتحتاج الى موهبة واستعداد واخلاص , تعلمنا الكثير من طلا بنا لان الطالب عندما يسالك عن مسألة فانما يوجه اهتمامك لامر قد لا يخطر ببالك ويوجب عليك ان تفكر فيه واحيانا تذهب الى مكتبتك لكي تبحث عنه , احيانا تحاول ان تقترب من الجانب الذى كان بعيدا عنك او خفيا , وقد يفتح لك بابا للتامل والتفكير , ما نكتبة فى بداية حياتنا هو ثمرة لجهد من سبقنا ونحن متأثرون به وناقلون له , اما ما نكتبه فىما بعد فنحن نعبر فيه عن ارائنا كما اتضحت معالمها فى تفكيرنا من خلال الحوارات المختلفة فى تجربتنا مع طلابنا فى الصفوف الدراسية , طلا بنا اكثر تعبيرا عن واقعهم , الفكر وليد التجربة الانسانية , تفاعل الانسان مع الحياة يثرى الفكر ويغنيه ويجعله اكثر نضجا وواقعية , عندما نتحدث عن نقل وعقل فالعقل هو اداة فهم النقل , عندما يتعدد المخاطب فكل مخاطب مؤتمن  على الفهم , ولا يجوز له ان يلغى ذاته لانه مخاطب ومكلف , وفيما لا يعلم فعليه ان يجتهد فى البحث عمن يعلم ولا عذر له فى التقليد المطلق , لانه مسؤول , من الطبيعى ان تتعدد مناهج التفكير معبرة عن استعداد كل شخصية انسانية فيما ترجح لها انه الحق والصواب , ما زلت لا افهم المذهبية المطلقة الفقهية ولا الطائثية , كنت افهم التعدد الناتج عن الفهم وليس عن التقليد المطلق ,  المذهبية المطلقة تعنى انك على صواب مطلق وغيرك على خطا , وهذا غير واقعي , قد يترجح لى الحق فى راي او موقف , وقد يترجح لى رأي الاخر فى موقف اخر , كنت الاحظ ان النصف الثانى من القرن الثانى واعتبره من افضل العصور الاسلامية فهما وحرية وازدهارا , وقد ظهرت فيه اهم المذاهب الفقهية وازدهرت فيه العلوم , وكل منهج كان يعبر عن عصره ومجتمعه وقيمه ومصالحه , لم يكن هناك اي تناقض ابدا , بل كان هناك تكامل فى منهج البحث عن الحق , ولو كان اي صاحب مذهب فى مكان الاخر الذى يخالفه لترجح له ما رآه الاخر , كنت اتساءل عن ذلك الترتيب التاريخي بين المذاهب فلم يكن فى الامكان ان يكون ابو حنيفة فى المدينة ولا ان يكون مالك فى العراق , وكان حتميا ان يكون الضافعي هو الثالث بينهما وليس الاول او الثانى , عندما تتحد الاطراف يكون الوسط خيارا وحيدا جامعا لما تفرق مقربا ما تباعد , عندما ازدهر التدوين عكف الكل على جهد السابقين فكان ازدهار التدوين اكثر واوضح مما كان , وفى ظل التدوين ترسخت المذهبية والتقليد والتعصب , وعندما يشتد الجهل فى مجتمع يكون التقليد اقوى وارسخ , ويصبح التعصب حتميا , لم يتراجع دور العلماء ولم يكونوا اقل اخلاصا وتقوى , ولكن اصبح التعصب اشد مما كان , وضغط العامة جعل الكل يكتفى بالتقليد خوفا من ان  يتهم بالجهل والتفريط , لا اقول لان الذمم قد ضعفت والضمائر قد ماتت , ولكن اقول ان  التعصب قد ضيق الخناق على حرية المجتهدين , واهل الحكم لا يعنيهم امر العلم ولا اهله , وهم مستغنون بمن هم معهم عن كل الاتقياء والصالحين فلا احد يغتر بما يروى من حكايات  , ولا مصلحة لاهل الحكم والسلطة فى اثارة العامة فيما يثورون لاجله , عندما يتخلف المجتمع تظهر آثاره فى سيطرة العوام على  العلماء , ومعظم المصلحين امتحنوا فى حياتهم لان التعصب كان اقوى منهم تاثيرا ورسوخا  ,

تاملت كل ذلك وانا اكتب كتابى عن تاريخ المذاهب الاسلامية , كانت تساؤلات واشعر ان هذه الامور تستحق اكثر من التأمل , لكي نفهم الاسباب التى ادت الى تخلف انتاجنا العلمى  فى قيمته العلمية , ما زلنا نحلم بالافضل ولو بعد حين , ليس المهم ان ننشئ المزيد من المدارس والجامعات وانما المهم ان ننشئ الانسان وان نحسن تكوينه اعدادا وتربية وتاهيلا لكي يكون هو اداة الاقلاع الى عصر افضل مما نحن فيه ..

 

 

 

 

 

 

( الزيارات : 712 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *