العوامل المؤثرة في تكوين صورة الإسلام في الغرب

العوامل المؤثرة في تكوين صورة الإسلام في الغرب

تعتبر الكتابات الغربية عن الاسلام المصدر الأهم لمعرفة صورة الاسلام والمسلمين في الغرب, وتشتمل الكتابات الغربية ما تنشره المجلات والصحب من مقالات وبحوث, وما يصدر عن الكتاب الغربيين من مؤلفات ودراسات, تتناول كل ما يتعلق بالاسلام والمسلمين, سواء في مجال التعريف بشريعة الاسلام واحكامه وعقائده وقيمه, او في مجال التعريف بحياة المحتمعات الاسلامية, الممتدة في المنطقة الجغرافية التي يشكل المسلمون فيها الاكثرية, مما يطلق عليها البلاد الاسلامية.

والكتابات الغربية كثيرة ومتنوعة, وقلما نجد دراسة عن تاريخ الحضارات لا تحظى فيها الحضارة الاسلامية بقسم وافر من الاهتمام, سواء في مجال الآداب والعلوم والفنون والفلسفة او في مجال التعريف بدور المسلمين في تطوير الزراعة والصناعة والتجارة.ومن الطبيعي ان تختلف هذه الكتابات الغربية من حيث موضوعيتها ودقتها وصدقها, فمنها ما هو جدير بالتقدير نظرا لدقته وموضوعيته وانصافه, ومنها ما هو متحيز يخفي عداؤه تحت ستار من المنهجية المفتعلة, معتمدا في ذلك على روايات ليست موثقة.

وأهم هذه الكتابات ما تزخر به الموسوعات العلمية ودوائر المعارف التي تعتبر من ابرز المراجع التي يعتمد عليها والتي يحتج بها, سواء بالنسبة للباحث المختص او القارئ العادي, ومن البديهي ان يرجع اليها الاعلام لمعرفة الكثير مما يريد معرفته عن الاسلام والمسلمين.ةتعتبر دائرة المعارف البريطانية من المراجع المعتمدة التي تحدثت عن الاسلام وخصصت له اكثر من مائة صفحة, تناولت فيها تاريخ الفرق الاسلامي’, والعقائد الاسلامية والعبادات والتصوف الاسلامي, كما تناولت تاريخ الاسلام وتاريخ الدول الاسلامية. وقد اسهم الاستشراق بدور كبير في تكوين صورة الاسلام في الغرب من خلال ما صنفه المستشرقون من مؤلفات وما اعدوه من بحوث عن العالم الاسلامي.

والاستشراق ظاهرة ثقافية ومعرفية تغذيتها مشاعر وتطلعات وانفعالاتلاستكشاف ذلك المجهول المحاط بالغموض والرموز, وهو الشرق, والشرق في نظر الغرب كون جديد, وصفة مغايرة للغرب, صامدة ومتوترة ومفعلة, تقاوم ولا تستسلم, تتحدى ولا تضعف.. وقد نشأت حركة الاستشراق كظاهرة ثقافية بعد ذلك الصدام بين الحضارة الاسلامية المتوثبة والحضارة الغربية المسيحية المتخاذلة في عصر النهضة الاسلامية. ولما بدأت الحضارة الاسلامية بالتراجع في الجال الثقافي والسياسي والعسكري قامت الحروب الصليبية, واستعاد العرب ثقته بنفسه, وبدأت مرحلة المواجهة والتصدي للعالم الاسلامي, وأخذ الاستشراق يؤدي دوره الثقافي والنفسي متأثرا بالموروث التاريخي للشخصية الغربية في نظرتها للحضارة العربية والاسلامية.

وصورة الاسلام اليوم في الغرب هي وليدة ذلك الموروث التاريخي الكامن في اعماق الشخصية الغربية, التي لم تستطع التغلب من قبضة تلك التراكمات التي سيطرت على العقلية الغربية, وجعلتها اسيرة مواقف وقناعات وتصوارات ليست منفصلة وليست موضوعيه.. ولذلك جاءت محاولات الغرب لاستكشاف العالم الاسلامي مقرونة بالوصاية عليه. وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذله المستشرقون في العالم الثقاني, سواء في مجال التحقيق العلمي والتأليف المعجمي او في مجال إعداد الموسوعات العلمية فان المنهج الاستشراقي وقع في اخطاء جسيمة, ويعود سبب ذلك الى ما يلي:

اولا: الحكم المسبق على الاسلام, سواء فيما تعلق بموقفهم من القرآن والتشكيك في الروايات المتعلقة بالجمع والقراءات, او في ما يتعلق بالموقف من السنة والسيرة.

ثانيا: جهل المستشرقين بحقائق الاسلام, وهذه ضاهرة نجدها في كثير من الباحثين الغربيين الذين يجهلون الاسلام ويعتبرون عقائده واحكامه وقيمه من اسباب التخلف, لأنها ليست صالحة للعصر الحاضر.

ثالثا: الاعتماد على الروايات الشاذة لدعم الافكار الخاطئة التي تجعل الاسلام في موطن الإدانة.

والغرب اليوم من خلال موروثه التاريخي ينظر للعلم الاسلامي وللشعوب الاسلاميه من خلال المرآة التاريخية المثقلة بالانفعالات النفسية والعواطف السلبية, ولهذا فان العقلية الغربية سرعان ما تستجيب لكل موقف سلبي يحمل في ثناياه تشويه صورة الاسلام وتكريس التصور الموروث.

وفي ضوء المقدمة التاريخية يمكننا فهم العلاقة القائمة اليوم بين الاسلام والغرب, وسوء الفهم المتبادل الذي يجعل صورة الاسلام في الغرب سلبية (المعالم), قاتمة الملامح, قاسية متوترة, يطبعها الغضب والانفعال, ويسيطر عليها التطرف والعنف, حتى اصبحت صورة الغرب في نظر المسلم مقترنة بالتعالي والاستفزاز والتجاهل والحقد والكراهية, مما يجعل النفوس مهيأة لتقبل الانفعال, ومستعدة للاستجابة لدواعي الغضب, دفاعا عن الكراكة, وتعبيرا عما يجيش في النفس من الانفعالات.

ومن المؤسف ان الغرب هو الاقوى حضاريا وعسكريا واقتصاديا لم يحرص على تصحيح هذه الصورة, وبخاصة من خلال اعلامه القوي القادر على الاقناع, وبدأت الآن آثار هذا الموروث التاريخي تطغى على سلوكيات المجتمع الاوروبي وقناعاته وافكاره وسياسته, ولسنا بحاجة للتذكير بخطورة المواقف والتوجهات التي يتبناها الغرب على الصعيد السياسي والتي تحمل الكثير من الدلالات والمؤشرات على تبني الغرب لسياسة معادية للعالم الاسلامي, مما يثير مشاعر التوتر في النفوس ويعمق الفجوة بين الاسلام والغرب, وينعكس ذلك بصفة مباشرة على الاوضاع الامنية والاستقرار الاجتماعي, وخاصة بالنسبة للاقليات الاسلامية التي تعيش في البلدان الاوروبية.

ويعيش الغرب اليوم تحت تأثير كابوس مخيف يجسده اهتمام الاعلام الغربي بالظاهرة الاسلامية او ما يسمى بالاصولية الاسلامية التي اصبحت المحق الرئيسي في اهتمامات الاعلام الغربي, الذي اخذ يتتبع باهتمام كبير ما يجري في العالم الاسلامي من احداث, ويفسر ذلك بطريقة خاطئة في معضم (الاحبن).وأود ان اؤكد ان الاسلام اليوم لايختلف عن اسلام الامس, وان شعارات اليوم هي شعارات الامس, والجديد في الامر يتمثل في ظاهرتين:

الظاهرة الاولآ: زيادة الوعي في المجتمع الاسلامي بأهمية الاسلام كاختيار فكري ومنهج ثقافي والايديولوجية المستوردة التي فشلت في تحقيق اهدافها.

الظاهرة الثانية: تدخل الغرب كطرف مباشر ومحرض ضد الاسلام من خلال اعلامه ومواقفه, مما أدى الى مقاومة هذا التدخل والتنديد به والتحذير من اخطاره, وتطرف الغرب في مواجهة الصحوة الاسلامية أدي الى ظهور شعارات التطرف لمواجهة هذا التدخل, واصبحت كلمة الاصولية والجها من الكلمات التي تخيف الغرب, والاصولية بمفهوم الانتماء ليست جديدة, فلقد قاومت البلاد الاسلامية الاستعمار والاحتلال بعبارات الجهاد والاستشهاد, ورفعت شعارات الاسلام لايقاظ المشاعر الوطنية والشعور بالذاتية المتميزة.

ولو تأملنا في بعض المصطلحات التي يرددها الغرب عن السلام لوجدناهامصطلحات مغايرة لمفاهيمها الحقيقية, فالتطرف والاصولية والجهاد والاستشهاد كلمات اصبحت في نظر الغرب دالة على منهجية الاسلام في الرفض والتعايش والتساكن والاستهانة بحياة الابرياء, واستخدام العقيدة الدينية لتبرير التطرف والعنف والاعتداء على الآخرين.

ان من اليسير علينا ان نجد التطرف في كل المجتمعات في الغرب والشرق, في المجتمعات الدينية والمجتمعات غير الدينية ايضا, فلماذا يوصف الاسلام بالتطرف والعنف, وتوصف الاصولية الاسلامية مرادفة للعنف, ولمذا توصف الشعوب المدافعة عن حريتها واستقلالها بالشعوب الحية الجديرة بالاحترام, ويعترف لها بحق الدفاع عن كرامتها وحريتها وحقوقها, ولايعترف للشعوب الاسلامية بحق الدفاع عن كرامتها وحريتهاواستقلالها.ان الاسلام يحض على احترام حق الانسان في الحياة والكرامة, ويحرم كل انواع الاعتداء, ويجعل العنف في موطن الادانة والانكار, لانه دليل على خلل في الشخصية الانسانية, وفي نفس الوقت فان الاسلام يدعو المسلمين للدفاع عن عقيدتهم ودينهم وكرامتهم, ويحضهم على الجهاد لمقاومة المعتدين, وليس هناك تناقض بين الدعوة الى احترام حق الحياة والدعوة الى الجهاد, لان الجهاد هو اداة حماية الحياة.وهذا لايمنعنا من الاعتراف بوجود سلبيات في مواقفنا وسلوكياتنا تسهم بطريقة واضحة في تشويه صورة الاسلام في الغرب, واهم هذه السلبيات ما يلي:

اولا: تسخير الاسلام لخدمة اهداف سياسية, واستغلال العاطفة الدينية لدى الشباب لاثارة مشاعر التعصب المذهبي والطائفي, وهذه ظاهرة سلبية لانها ادت الى اختراق الجماعات الاسلامية وانقسامها وتناحرها.

ثانيا: تعدد المرجعيات الدينية وتعصب كل مرجعية لآرائها ومواقفها, وهذه التعددية مضرة ومفسدة لانها تؤدي الى المواجهة والفتنة, وتسيء لصورة الاسلام, ولو توفر الاخلاص في هذه المرجعيات لاحتكمت الى الاسلام وتضافرت في سبيل الدفاع عن عقيدته وثقافته,

ثالثا: فقدان الجاليات الاسلامية في اوروبا لقيادات واعية ملتزمة بالقيم الاسلامية, وبعض افراد هذه الجاليات يسيء لسمعة الاسلام, بسبب سلوكه المنافي للقانون او للاخلاق, ولايجوز ان يتحمل الاسلام مسؤولية السلوكيات الخاطئة المنحرمه.

رابعا: غياب حوار حضاري وديني وثقافي بين الاسلام والغرب, وبين الاسلام والمسيحية, ولايجوز ان تكون غاية هذا الحوار دعوة المسلمين الى الاستسلام والتسامح في حقوقهم والتخلص عن خصوصياتهم والانسلاخ من انتمائهم, وانما يجب ان تكون غاية هذا الحوار استكشاف كل فريق للفريق الآخر, واحتراف كل طرف لعقيدة الطرف الآخر.

والعنف ظاهرة مرضية وهو دليل خلل في السلوكية الانسانية, ويجب ان يعالج الخلل المؤدي الى هذه الظاهرة, عن طريق التوعية والترشيد ومعالجة السلبيات, والاعتراف بالحقوق المشروعة للمواطن في الحرية والكرامة, الالتفات الى اهمية الجوانب الاجتماعية التي توفر الامن النفسي للمواطن.

والتطرف غالبا ما يكون وليد تطرف, والتطرف ثمرة حتمية لتطرف سابق مقروب بالاذلال, فاذا ضاقت اوروبا بما تراه من سلوكيات التطرف في مواجهة الغرب فعلى الغرب ان يخفف من قبضته الحديدية في اذلال الشعوب وفي تجاهل مطالبها المشروعة في الاستقلال الكامل, سواء في الموقف السياسية او في السياسات الاقتصادية.وسياسة الهيمنة التي يمارسها الغرب على الشعوب الاسلامية تولد مواقف التطرف وسلوكيات الغضب واذا كنا نحرص على تصحيح صورة الاسلام في الغرب فان هذا التصحيحي لا يتضمن الدعوة الى تسامح مذل ولا الى تفريط بحق من الحقوق, ولا الى اسقاط فريضة الدفاع عن كرامة الامة في مواجهة اخطار محدقة, وهذا ليس تصحيحا وانما تشويه وتفريط ويحتاج التصحيح الى مراعات الخطوات التاليه:

1.تكوين جهاز اعلامي اسلامي قادر على ابراز القيم الاسلاميه الاصيلة, ومقاومة القيم الخاطئة, عن طريق التوعية والترشيد واعداد برامج التربوية والثقافية التي تجسد القيم الاسلامية الصحيحة, في احترامها لكرامة الانسان وحقوقه الانسانية.

2.مقاومة التطرف الناشئ عن جهل وانفعال وتوتر, عن طريق تشجيع منابر الحوار الموضوعي, وايجاد المناخ الملائم للتعبير عن الرأي في اطار تعددية فكرية يحترم كل فريق فيها حق الآخر في التعبير.

3.الاهتمام بتكوين الدعاة والمرشدين,واختيار الدعاة المؤهلين نفسيا وثقافيا وسلوكيا للقيام بمهمة التوجيه الديني, والتعريف بالقيم الاسلامية الاصيلة, والتصدي للسلوكيات الخاطئة والمنحرفة التي تسيء لسمعة الاسلام وتعرض الجاليات الاسلامية للمضايقات التي تسيء لمكانتها وتعرض مصالحها للخطر.

4.اعادة الاعتبار لدور المسجد في المجتمع الاسلامي, كمؤسسة للعبادة وكمدرسة للتربية والتثقيف, وكمنبر للحوار والتكوين, والحرص على استقلالية المساجد وحرمة رسالتها الدينية والثقافية, وابعاد المساجد عن الصراعات التكتلات المذهبية والطائفية والسياسية, لكي يحتفظ المسجد بقدسيته ويؤدي رسالته الروحية.

5.اختيار قيادات اسلامية قادرة على التوجيه السديد, وان تكون هذه القيادات متخلقة باخلاق الاسلام, مستوعبة للمفاهيم الاسلامية, قادرة على حماية مصالح الجاليات الاسلامية, وان تتصف بالحكمة والنزاهة وحسن التدبير وبعد النظر, والا تكون ضيقة الافق سريعة الانفعال تعرض مصالح هذه الجاليات لاخطار تسيء اليهم وتهدد استقرارهم.

واؤكد على خطورة الدعاة الذين يتملقون عواطف العامة بالمواقف المتطرفة, والتشديد فيما يسره الاسلام, والحرص على اثارة التفرقة والفتنة بين المسلمين, فلا مصلحة للاسلام في اثارة اي خلاف, ولا مصلحة للمسلمين في اي موقف يضعف من قوتهم ويمزق وحدتهم, وعلينا ان نرفع شعار التعايش والتساكن من غير تفريق وان نمد يدنا للآخر من غير ضعف, وان ندافع عن حقوقنا المشروعة بالحجج المقنعة, وبالحكمة المطلوبة.

وفي الوقت الذي ندعو فيه الى ضرورة تصحيح صورة الاسلام في الغرب عن طريق التعريف الصحيح بالاسلام, وانكار السلوكيات الخاطئة والمنحرفة, فان من واجب الغرب ان يحرص على تصحيح صورته لدى الشعوب الاسلامية, عن طريق احترام الخصوصيات الدينية والثقافية لهذه الشعوب, والاعتراف بحق المسلم سواء في مجتمع غربي او في مجتمع اسلامي ان يدافع عن عقيدته وثقافته ومصالحه بكل الوسائل المشروعة التي اباحها الغرب لنفسه في دفاعه عن مصالحه الحيوية.وعندما يوقف الغرب اثر ذلك الموروث التاريخي في فكره وعواطفه وتوجهاته فسوف يسهم في تكوين الظروف النفسية التي تخفف من حجم التوتر الذي يشجع سلوكيات الانحراف. والغرب عندما ينظر الى الاسلام بموضوعية وانصاف فسوف يتمكن من ايجاد البيئة الملائمة لحوار حضاري بين الاسلام والغرب يؤدي في النهاية الى توفير اسباب الاستقرار في سبيل ارساء دعائم الامن والسلام.

 

 

( الزيارات : 1٬461 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *