الفقه واهل الاختصاص

كلمات مضيئة .. الفقه واهل الاختصاص

ما اشد جهل اولئك الذين يبحثون فى بطون الكتب عن رأي لعالم او فتوى تبرر لهم ما يريدون , وعندما يسأل هؤلاء عما يفعلون يحتجون بهذا الراي او تلك الفتوى , ويعتبرون ذلك انه الدين والاسلام , الدين يستمد من مصادره الوحي والنبوة , ولا يستمد من اقوال الفقهاء لان الفقهاء مختلفون فى الفهم , فما ينفرد به البعض لا يعتبر حجة , ولا يستشهد به لاثبات حكم , كل فقيه يعبر عما يراه , وهو متاثر بمجتمعه ومعبر عن قناعته , ولا اتهم البعض باي وصف ينفى عنهم صفة العلم والتقوى , وانما افترض توافر الشرطين معا العلم والتقوى , الرأي الفقهي يعبر عن القائل به وما ترجح له , ويمكننا ان نستدل على الراي المخالف برأي فقيه اخر , ولذلك لا بد من الاجتهاد الجماعى الصادر عن جهة مختصة ومؤتمنة , ومع ذلك فهى  مسؤولة عما تفتى به , ورأيها يعبر عن حاجة اجتماعية مرتبطة بزمانها , ومن حق من قال برأي ان يرجع عنه الى ما يراه الافضل والارجح , وراي اي جماعة علمية لا تلزم غيرها , ومن حق اي جماعة اخرى ان ترى ما تراه الارجح والاوفق لها والاعدل والانسب , لا شيء من جهد العقول يمكن القول بانه الحق الذى لا يقبل الخطا , ما تجاوز الوحي فهو من جهد العقول وتتحكم فيه المصالح المرجوة وتحترم المقاصد , الرأي الفقهي يعبر عن رأي الاسلام ولايعبر عن الراي المذهبى , فلا مذهبية فى الفتوى ولا التزام باي مذهب وانما يعتمد على الدليل , ويستانس برأي كل الفقهاء , واقربهم للدليل هو الارجح , ولو كان هو المرجوح فى نظر الفقهاء , وعندما ينسب الراي للدين فلا ينسب لقائله , تلك مناهج وآراء تتجدد تتقارب او تتباعد ولا اهمية لذلك , اما الدليل فيبحث عن ثبوته اولا كدليل لا يحتمل الشك فلايثبت الدليل مع احتمال الشك فى ثبوته , اذا ثبت الدليل فلا بد من البحث عن الدلالة المرادة , وتستعرض كل الاراء الواردة للاستئناس بها ثم تغلق كل الكتب ويكون البحث عن الدلالة الارجح المناسبة والمرادة والتى تحقق مراد الحكم من تحقيق مصالح العباد , يمكن للدلالات ان تتعدد وتتجدد لتلائم المراد منها , الغاية من دراسة كتب السابقين هي تكوين ملكة الاستدلال , وليست حفظ الاحكام , الاحكام تلا ئم مجتمعها وزمانها , احكام العبادات يعتمد فيها على الدليل , ولا شيء خارج الدليل , اما المعاملات فهي متجددة وتحترم فيها اصول المعاملات من حيث تطبيق العدالة ومقاومة الظلم والطغيان والاحتكار والمعاملات الربوية والكسب الظالم والعدالة فى الاجور وانواع الكسب الفاحش , وهذه المعاملات تعتمد على اعراف اهل الاختصاص فيما يرونه عدلا او ظلما , وهم اعلم بانواع الغش والفساد والاحتكار , لا رأي لغير اهل الاختصاص , ما لا علم له  او خبرة او اختصاص فلا يحتج برأية , ولا يكتب فى المعاملات الا من اتقن المبايعات وعرف انواع الغش والفساد , ما تجاوز العدالة فهو خارج الشرعية , وكل اهل اختصاص يجب ان يضعوا قانونا لحماية الحقوق وضبط المعاملات , وهذا هو الفقه , الفقيه هو من يحسن الفهم فيما هو معروض عليه , الحفظة مؤتمنون على ما يحفظون واهل الرواية مؤتمنون على صحة ما يروون ولا يتجاوزون ذلك الى مالا يحسنون , العدالة ليست كافية لحسن الفهم والتقوى ليست كافية اذا انتفت الخبرة والاختصاص , لا راي لغير اهل الاختصاص فيما اختصوا به , وهؤلاء مخاطبون ومكلفون ومؤتمنون , الفقه هو الذى يستمد من الواقع ومن قضايا الناس , اصحاب الاختصاص هم الفقهاء , الاطباء والمهندسون والتجار والصيادلة والمزاعون والعمال والمدرسون , كل فريق من هؤلاء هم الفقهاء اهل الفهم فيما يختص بامورهم ويسألون اهل االاختصاص فيما يجهلون  , وهم يضعون الضوابط التى تحدد مفاهيم العدالة ومعنى المسؤولية ومعنى الاهمال ومجالات التجاوز المهنى والمسؤولية عن الاخطاء , قانون كل مهنة هو فقهها , لا احد يفتى فى قضية لا يعلم عنها شيئا , ذلك من العبث ان يستشار من لا علم له فيما يستشار به , لكل عالم اختصاصه ولا يتجاوزه الى غيره , الفقه جهد عقلي متجدد باستمرار , ولكل عصر فقهاؤه ولكل مجتمع من يدرس قضاياه , لا احد اولى من احد بما هو من امره ومن اختصاصه , من واجب اهل الاختصاص ان يستشيروا اهل الاختصاص الاخر لكي يبنوا عليه احكامهم الفقهية , طبيب القلب لا يمكنه ان يقرر فى مدى مسؤولية طبيت التخدير فيما قصر فيه , من يقرر المسؤولية التقصيرية هم اهل الاختصاص , مهمة الفقه ان يدرس قضايا الناس ونوازلهم المستجدة لكي يطبق عليها مفهوم العدالة , لا شيء من النظم والدول والمؤسسات والمصارف تنسب الى الاسلام ,  فهذا هو الجهل بعينه , هذه مؤسسات وقوانين من وضع الانسان لتحقيق مصالحه , احيانا تحترم فيها الثوابت الاسلامية كليا او جزئيا اولا تحترم , وتوصف بانها عادلة او جائرة , القانون الذى يحترم العدالة هو اقرب الى الاسلام والمصرف الذى يحترم الثوابت الاسلامية فلا يحتكر ولا يستغل حاجة المودعين ويسهم فى التخفيف من استغلال الاموال لحاجات المستضعفين فهذه ليست من الاسلام ولا عبرة بالتسميات , فما يحقق العدالة ويمنع الفساد والاحتكار والاستغلال  يقترب من الاسلام بمقدار ما يحقق الاهداف الانسانية كالعدالة وتخفيف الفوارق الطبقية , ما نريده ان يرتقى فهمنا لمعنى الدين لكي يكون الدين اداة لنهضة مجتمعنا واحترام حقوق الانسان والاعتراف بالكرامة لكل مواطن , الدين يدعونا الى التفكير واعمال العقل والثقة بالعلم والاستقامة فى السلوك ومحبة كل الاخرين وتنمية القدرات الروحية لكي يكون الانسان اكثر انسانية ومحبة للخير ..

( الزيارات : 520 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *