القدسية للمبادئ

علمتني الحياة

أنّ القدسية للمبادئ وليست للأشخاص , فلا قدسية للأشخاص مهما علا شأنهم , ويعلو مكان هؤلاء بحسب التزامهم بالمبادئ التي تستحقّ الاحترام , وكلما تقدم المجتمع ارتقت معاييره في نظرته إلى سلوكيات المجتمع , وكلمة القداسة ليست محببة في وصف الأشخاص , فالقداسة والجلالة لله تعالى , و ليس محببا  إطلاقها على الملوك والحكام , وإنّما يوصفون بألفاظ دالةٍ على أشخاصهم ومهماتهم كالرئاسة والإمارة والقيادة ويدعى لهم بالحفظ والرعاية والتوفيق , وليس من المحبّب استعمال لفظة العظمة أو صاحب العظمة  فالعظمة لله, ويمكن استعمال الألفاظ الدّالة على الاحترام والتوقير , وهذا لا مانع منه , وإن كانت هذه المبالغات من مخلّفات الماضي حيث كانت الألقاب من الوسائل التي كان الحكام يتبارون في وصف أنفسهم بها , وهذا من الجهل الكبير الذي يدل على التخلف , فالحاكم يقوم بمهمّة رسمية وهواعلى مسؤول وهو مؤتمن على مسؤوليات عالية , لحماية الحقوق وتحقيق العدالة والدفاع عن مصالح شعبه , وهو مؤتمنٌ ايضا على العقيدة والأخلاق والقيم  وحقوق الانسان واحترام العدالة,ويملك سلطة تنفيذ الأحكام بالقوة الرّادعة فإن أحسن وأصاب فقد استحقّ الشكر والتقدير وأن ظلم وأساء واعتدى على الحقوق والحريات بغير حقّ مشروع فتجب مساءلته عما فرّط فيه , والدين يؤيد كلّ حاكمٍ عادلٍ ويحض على طاعته ويعارض كلّ حاكم فاسد , ولا يمكن لأحد أن يدعي من السلطة الدينية ما لا يملك ولا أن يدعي العصمة الدينية , فلا عصمة لغير الأنبياء , والحاكم يجتهد في اختيار المواقف , ويُعذَر إذا أخطأ في اجتهاده , ويلتمس له العذر فيما عجز عنه ولا يفضل غيره إلا بالعمل الصالح , ويستحق احترام التقدير لا احترام القداسة , ولا ولاية له على النفوس والأموال إلا في نطاق ما يسمح به القانون, وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة, ولا يمكن لأحدٍ أن يستظلّ بمظلة الدين للمطالبة بحقّ لا يملكه , ولا أن يبرّر – باسم الدين – سلوكاً ظالماً أو عدواناً على الآخرين , فالدين يأمر باحترام حقوق الإنسان والالتزام بأ حكام الشريعة سواءً في مجال العقيدة أو في مجال الأحكام , ولا يحمي الدين أيّ ظلم أو عدوان من أيّ طرف على آخر , ولا وصاية لأحد على الدين أو أحكامه , وأيّ نظامٍ يحترم أحكام الدين فالدين يعترف به ويشجعه , وأيّ نظامٍِ لا يقيم العدل بين الناس ,ويشجع الفساد والظلم والاستبداد فلا يمكن للدين أن يقره أو يشجعه ..

ولا تُوصف الدولة بالدولة الدينية , وإنّما تُوصف الدولة بأنّها تحترم أحكام الدين وتلتزم بأحكام الشريعة ,كلياً أو جزئياً , والدين لا يقدم نموذجاً ثابتاً للحكم أو للنظام السياسي , وإنّما يضع مبادئ ثابتة للحكم ,كالشورى والمشاركة في القرار, واحترام الحقوق والحريّات والأموال واحترام إدارة الأمة في اختيار الحاكم , واشتراط الكفاءة في اختيار الحكام والولاة , واحترام العدالة والقضاء والاستقامة وتحريم المعاملات الظّالمة كالربا والاحتكار والغش والاستغلال , ولا يدعو الدين لأي نموذج للحكم , ولا لأيّ شكلٍ من أشكال الممارسة السياسية , أو الأحزاب السياسية , فهذا مما تختاره الأمة ويحدده الدستور بحسب إدارة الأمة واختيارها , وهذه أمورٌ متغيرةٌ , وتتحكم فيها المتغيرات الزمانية والمكانية , وكلّ نظامٍ يحقّق الثوابت الأساسية فى الحكم ويرعى المصالح العامة يجب احترامه والدفاع عنه , والشرعية تتمثل في احترام الإدارة الشعبية , ولا شرعيّة عن طريق القوّة , والإكراهُ مذمومٌ وغير ملزم ,ولا إرادة لمكرَه , والمنافق والمتملق لا يصلح للسلطة , والمفرّط في حقوق شعبه تجب محاسبته , ومغتصب السلطة كمغتصب المال لا شرعية له , والفساد يُقاوم بسلطة الدولة ,والدولة مؤتمنة على المصالح العامة.. والعدوان مذمومٌ ومرفوضٌ ولا سلطة لقويّ على ضعيف إلا بالحقّ ..

( الزيارات : 839 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *