القيم والتقاليد المغربية

 

  القيم والتقاليد المغربية…

يتميز المغرب بخصوصيات حضارية تتمثل في اعتزازه الكبير بتاريخه وثقافته وتقاليده وما زالت التقاليد المغربية قائمة ويعتز كل المغاربة بما ورثوه عن أسلافهم من عادات وقيم وتقاليد , وكنت أكبر هذه الظاهرة وهي ظاهرة حضارية فما زالت المائدة المغربية متميزة بطعامها وطريقة إعدادها وكيفية إعداد أطباقها , وما زالت المرأة المغربية تعتز بملابسها المغربية في المناسبات العامة والأفراح وما زال البيت المغربي يتمسك بخصوصياته في البناء والتأثيث,  وهذا كله يدل على أصالة راسخة واعتزاز بالشخصية , وهذا أمر يدعو للتقدير وهومؤشر على رسوخ هذه القيم ..

ونجد في معظم القيم والتقاليد المغربية أثر الثقافة الإسلامية في تكوينها والإسلام عميق الجذور في الثقافة المغربية بالرغم من وجود مؤثرات مغرية ذات جذور أوروبية إلا أن هذه المؤثرات لم تستطع أن تغالب التقاليد المغربية الأصيلة. وكنت أرى هذه التقاليد أكثر رسوخاً في المدن الصغيرة والأحياء الشعبية والأرياف وفي الشمال والجنوب وبخاصة في تطوان في الشمال وأغادير في الجنوب ووجدة في الشرق ..ومنطقة سوس في جنوب المغرب غنية بتراثها المغربي الأصيل…

وأتوقع أن يحافظ المغرب على تقاليده الأصيلة وهذا مما ينمي مشاعره الوطنية ويوجد علاقة عاطفية بين الأرض ولإنسان والوطن , والمغربي محب لوطنه معتز بتاريخه , وهذا من أهم أسباب صمود المغرب في صراعه الطويل مع الصليبية المجاورة لحدوده والتي كانت تطمح في السيطرة عليه وتكمن قوة المغرب في تماسكه الداخلي وفي تمسكه بعقيدته الإسلامية التي كانت من أهم أسباب انتصاراته , وكان الإسلام هو الملهم الأكبر للمغاربة في جهادهم ضد الغزاة الأوروبيين ..

وخلافا لما كان يعتقد في الماضي من تراجع دورالاسلام في حياة المغاربة فإنني أتوقع أن الإسلام سيزداد أثره في الحياة المغربية وسوف يسهم في تطوير هذه التقاليد والقيم السائدة إلى الأفضل بفضل نمو المشاعر الإسلامية وزيادة الاهتمام بالثقافة الإسلامية في المغرب مهما كانت التحديات والصعوبات فالإسلام أصيل في الشخصية المغربية…

والاهتمام بالتربية الإسلامية  الصحيحة في المدارس والبيوت سيجعل المجتمع المغربي أكثر استقرارا في حياتهم الاجتماعية , ويجب أن تكون ثقافة الإسلام مستمدة  من الإسلام بطريقة مباشرة , وليست مستمدة من الإسلام بطريقة مباشرة وليست مستمدة من ثقافة الإسلام كما تراها السلطة..           

وكنت أحرص خلال محاضراتي وأحاديثي أن أتحدث عن ثقافة الإسلام كما هي في الإسلام، وكنت أجد آذاناً صاغية وفهماً جيداً لهذه المفاهيم والأفكار، وثقافة الإسلام لا تخيف ولا ترهب، وإذا وقع التسليم بها والقبول بمضامينها فإنها ستسهم في تعميق الوعي الاجتماعي، والمجتمع يحتاج إلى نافذة أمل تريحه من أعباء واقعه، والثقافة لا تخيف، ولكن الذي يخيف هو اليأس والقنوط، ولا حدود لسلوكيات اليائسين ..

ولاحظت أن معظم الطبقة المثقفة في المغرب تعتقد أن ثقافة الإسلام هي ثقافة السلطة، وأن الإسلام يعني السلطة ، ولذلك فقد كانت هناك طبقة يسارية تحارب ثقافة الإسلام من منطلق مقاومة ثقافة السلطة، وثقافة الطاعة وفكرة القداسة الدينية ، وهذا مفهوم خاطئ، وليس في ثقافة الإسلام ما يؤيد ذلك، وشؤون الحكم مرتبطة بإرادة الأمة، والدين ليس مظلة لأي حكم، ولاحظت أن بعض الرموز الدينية الأقل علماً وورعاً كانوا يروجون لبعض الأفكار ويستخدمون بعض العبارات التي كان المجتمع المؤهل ثقافياً لا يستسيغها ويعتبرها ثقيلة على مسامعه ، وربما يلتمس العذر لهؤلاء في ذلك، وكنت ألاحظ ما يبدو على الوجوه من مشاعر الضيق ..

ولم تكن الملكية في المغرب بحاجة إلى تبرير وإقناع، فهي ملكية راسخة، ورسوخها النفسي أقوى من رسوخها الدستوري ، والملك يحظى باحترام أكيد لدى معظم المغاربة على مختلف اتجاهاتهم، وكان هذا المقدار يكفي لحماية الملكية كنظام سياسي، وكنت أخشى على الملكية من أنصار الملكية وحماتها الذين كانوا يسيئون للملكية في سوء فهمهم لطبيعة الشعوب وفي بعض سلوكياتهم غير الذكية وفي مبالغاتهم فيما يقولون وفيما يروون ..

ولاحظت فيما بعد تراجع هذه الظاهرة، وبخاصة بعد أن وجه الملك محمد السادس اهتمامه للقضايا الاجتماعية وعكف على ترسيخ الدور الاجتماعي والإنساني للملك ، وأدخل إصلاحات هامة على مفهوم السلطة ، وهذه خطوات موفقة ومؤثرة ، وهي الطريق الصحيح لدعم الملكية فى المغرب من خلال دورها فى تحديث الافكار والتقاليد والنظام   ..

وكان الملك يحرص على دعم القيم المغربية الأصيلة وفي ترسيخ التقاليد سواء ما ارتبط منها بالمفاهيم أو ما تعلق منها بالعادات واللباس ويعتبر ذلك من أسباب استقرار المجتمع، وربط حاضره بماضيه، وتذكير المغاربة بتاريخهم وحضارتهم، ومن هذا المنطلق كان النظام يدعم المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية ويشجع الطرق الصوفية ويعتبر ذلك من أسباب الوحدة الاجتماعية,  وهذا منهج يساعد على مواجهة الأفكار الدخيلة ، فما رفضه المغاربة الأسلاف من أفكار يجب أن يرفضه المغاربة الأحفاد، حفاظاً على الخصوصيات المغربية في العقيدة والقيم والسلوك والعادات ..

وكنت أتفهم هذه السياسة في ترسيخ العلاقة بين الجيل الجديد والأجيال السابقة، وبالرغم من شعارات التحديث والتجديد فقد كان الوفاء للتاريخ ولتقاليد الأسلاف هدفاً وطنياً وشعاراً يعبر عن الأصالة والوفاء ..

وما زالت المؤسسة الملكية تعتبر نفسها مؤتمنة على التقاليد الأصيلة سواء ما ارتبط منها بالمفاهيم والقيم أو ما ارتبط بالعادات، والأصل إبقاء ما كان على ما كان، وما زالت بعض المصطلحات تستعمل كما كانت في الماضي في المراسلات الرسمية وفي اللغة المتداولة ، فقد كانت كل المراسلات الإدارية تبتدئ بالسلام على أمير المؤمنين والدعاء له بالنصر والتأييد ، ويقام حفل البيعة والولاء في كل عام بمناسبة عيد العرش ,وتشارك في هذا الحفل كل القيادات الإدارية في جميع جهات المغرب، وتتقد م كل جهة من جهات المغرب بالولاء أمام الملك بالانحناء إلى مستوى الركوع ثلاث مرات ، وكان لهذا الحفل دلالة هامة في الماضي، فمن تخلف عن تقديم الولاء فهذا دليل على نقض بيعته، ولم يعد لهذا دلالة سوى ما يمثله من وفاء للتاريخ ..

وكنت أحترم كل خصوصيات المغرب، وبعض هذه التقاليد كان جديداً عليّ، وبعضه كان مفيداً ونافعاً ودالاً على أصالة ، وهناك تقاليد أخرى يمكن الاستغناء عنها بما هو أفضل منها ,وقد وقع تغيير كبير فى المفاهيم والتقاليد فى عهد الملك محمد السادس , واعتقد ان الملك جاد فى مواصلة اصلاحاته على جميع المستويات, وهذا ما مكن الملكية من الرسوخ والصمود ..

( الزيارات : 4٬502 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *