الكنز المفقود

ذاكرة الايام..الكنز المفقود
منذ طفولتي الاولى كنت احب القراءة ، كنت اقرأ كل شيئ اجده امامي ، كنت اقرأ الجرائد اليومية والمجلات والكتب الخفيفة والقصص والروايات ، وكنت اقرأ كل كتاب اصل اليه ، وكنت اريد ان اعرف كل شيئ عن الحياة ولَم يكن يقنعني ما كنت فيه من  الثقافة المعتادة فى المدرسة ، وأخذت اسمع كل الأحاديث ذات الطبيعة العلمية الهادفة من الراديو ، واتابع كل محاضرة علمية في اَي مكان ، كنت احب كل ما هو علمي وأضيق بالخطب المحفوظة والمكررة المليئة بالمبالغات التي لا تنسجم مع الواقع ولا يقبلها العقل ، لم اكن احب قصص الاطفال ولا مبالغات القصص والحكايات ، كنت اضيق بما كنت اسمعه او أقرؤه من تلك المبالغات التي كنت ا جد فيها سذاجة او استخفافا بالعقول , وكنت اضيق بكل ذلك  ، ووجدت نفسي اذهب كل صباح ومساء الي دار الكتب الوطنية في حلب ، واقضي النهار كله فيها ، اختار من الكتب الأدبية والفكرية ما يروق لي ، كنت اقضي اليوم كله في تلك المكتبة وأستعير بعض الكتب لاقرأها في الليل ، تعرفت على الكثير من الكتب الأدبية والفكرية ، واقرأ لكل الكتاب والمفكرين ، ومن كل المدارس الفكرية ، كنت اريد ان افهم لنفسي وبنفسي ، وكنت احب مصادقة من اجد فيه محبة العلم ، وانصت له وندخل في حوار ، كنت اريد ان اعرف الحقيقة وان اعرف طريقي بنفسي ، كنت اجد ان المدرسة قاصرة ، لم استفد كثيرا من المدرسة ،كانت مناهجها تقليدية وتلقينية ولَم يكن يعجبني ذلك ، ولَم اكن احب المنهج التلقيني ، كنت اريد ان افهم بنفسي ، كنت اريد ان اخترق كل الاسوار لكي اكتشف ذلك العالم الاخر ، كانت المكتبة هي عالمي الاول الذي كنت أحبه واجد ذاتي فيه ، كنت كعصفور في قفص يريد الحرية ولو كانت قاسية ، لم تخفني قط تلك الرحلات الخارجية البعيدة عن مكان اقامتي  التى اعتدت عليها فيما بعد ، وكنت اجد نفسي في ذلك الفضاء البعيد ، اريد ان أخوض في ذلك البحر البعيد ولو كانت أمواجه صاخبة  ومخيفة ، كنت اريد ان اكتشف تلك الجزر النائية المنعزلة ، كنت ابحث عن شيئ لا اعرفه في ذلك الركام من المقتنيات  التراثية التى كانت شائعة ، كنت اريد ان اكتشف الحياة بكل ما فيها ، لم اكن اعرف المستحيل ولا اخاف من اقتحام كل مجهول ولو كان مظلما ومرعبا ،.لا ادرى سبب ذلك الاصرار الكبير على اقتحام ذلك المجهول البعيد ,  كنت اشعر بالوحدة والغربة ولو كنت في مجتمع كبير ، كنت ابحث عن الدفء النفسي والروحي ، كنت أصادق الكثير ممن اقرأ لهم من خلال كتبهم ،. اقبل او ارفض ، لا احد كان خارج التأمل ، لا اقبل الا ما اراه صحيحا ، لا اهادن ولا أجادل ، ولا احب الجدال ، مالا يعجبني كنت أغادره وأتجاوزه ، ولا انشغل به ، شعوري بالوحدة لم يؤلمني قط ، عندما اكون وحيدا اشعر بالأنس وأخاطب نفسي ، كنت ناقدا لنفسي علي الدوام ، كنت اعرف مواطن ضعفي ، كنت شديد المحاسبة لنفسي عن أخطائي ، كنت أسامح كل الاخرين اذا اخطؤوا ، والتمس لهم العذر ، ولَم اكن أسامح نفسي ابدا ، لا عذر لي فيما أخطأت فيه ، لم اصطدم مع احد ولا احب ذلك ، ما لا يعجبني من المواقف كنت اعرض عنه ، وأتجنب أصحابه ، من غيرتكلف اواساءة لاحد ، لم اكن وصيا علي الاخرين ولا احب ذلك ،. ومن حق الاخر ان يختار طريقه ، كنت قليل الكلام والاهتمام بما لا يعنيني من امر الآخرين ، كنت اعرف الناس بنفسي ، وعندما اخلد الى التأمل أحاسب نفسي بقسوة ، ما زلت كثير الندم علي ما أخطأ ت فيه فيما يتعلق بالاخرين ، كنت احاول ان اصلح ما اخطأت فيه ولو بعد حين ، ما اكثر ما نخطئ فيه ولو من غير قصد ، لا يمكن للانسان ان يكون غير ما هو عليه ، هذا هو الممكن ، ما زلت الهث ولا أظن انني سأصل الى شيئ فلا شيئ سوي ذلك السراب الذي يتراءي لنا انه الماء الذي سوف يروي الظمأ ، ولسنا ببالغيه ، هناك شيئ نبحث عنه ، ونحن نجري في رحلة الحياة ، كنت اغبط ذلك الرجل الذي لا تغريه تلك الرحلة الشاقة وراء ذلك الكنز الموهوم تحت الركام ، انه يستمتع بالحياة اكثر. ، اشياؤه الصغيرة قد تكون هي الحياة وهي ذلك الكنز الذي يمنحه تلك السعادة في داخله ، كل الحالمين بالمجد يعيشون في ذلك الوهم الذي يلهثون خلفه ، انه السراب الأبدي الذي يتراءي لهم في ذلك النفق الطويل الذي لانهاية له ، ما اقسى ان يكون الفجر الموعود هو ذلك السراب من الأحلام الجميلة..

( الزيارات : 670 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *