المبالغات فى المرويات التاريخية

كلمات مضيئة..المبالغات فى المرويات التاريخية

 كنت اتساءل باستمرار : هل ما نقرأه  فى كتب التاريخ هل هو الحقيقة كما وقعت , لا اظن ان ذلك هو ما فعله المؤرخون , ما يكتب اما ان يكون معاصرا لما وقع وهذا قليل   او يكتب فيما بعد معتمدا على الرواية , قد يكون ذلك بعد اجيال , ما يروى هو الذى يكتب , وما يروى هو الذى يراد له ان يروى ويعرف , المنتصرون يكتبون ما شاؤوا ويبالغون فيما يروون , والمنهزمون قلما يكتبون شيئا , لا احد يكتب عنهم بانصاف , الناس مع المنتصر باستمرار , كل ماكان سيئا يصبح حسنا , الغدر يسمى اقداما ودهاءا , والعدوان يسمى شجاعة وجهادا , لا شيء فى نظر المنتصرين لا يمكن ان يكون , كل الحصون تفتح للمنتصرين  , وكل الاسوار تهدم , وكل القيم الاخلاقية تتراجع ويكون المنتصرون فوق النقد والمحاسبة  ويستحق الاشادة والتمجيد , لا شيء من القيود توقف مسيرة المنتصرين  نحو الانتصار, كل الوسائل والطرق ممكنة ومعبدة  , ومن المؤسف ان يستخدم الدين مطية لمن يريد ان يبرر ما يفعله , ولو كان معتديا وظالما  وهناك من العلماء من هو جاهز باستمرار لا صدار الفتوى , ولذلك قرر العلماء اغلاق باب الفتوى لكيلا يعبث العابثون باصول الدين وثوابته , وقد اجتهدوا فى وقف الاجتهاد لمنع الفوضى  والفساد , لا اجتهاد لعابث ولا لجاهل ولا لمن يريد الدين مطية للدنيا , وهم الاكثر فى كل عصر , لا ثقة في المرويات التاريخية الا فيما ثبتت صحته وصح اسناده واستقام متنه , وكان ممكنا فى العادة ومما لاترفضه العقول لوضوح المبالغة فيه , والمبالغات كثيرة وكلما عم الجهل كانت العقول اكثر قبولا للمبالغة ولو كانت الوقائع غير ممكنة , التاريخ ليس اسطورة واحداثه ليست خارجة عن السياق العام لحركة التاريخ وقوانين المغالبات , الانتصار له اسبابه  والهزيمة لها اسبابها , لا شيء يحدث صدفة وبلا مقدمات , مفهوم الدولة فى الماضى يختلف عن مفهومها اليوم , مازالت القوة هي العامل الاهم فى تكوين الدول , لكل عصر خصوصيته , من طبيعة الشعوب ان الاقوى يطمع فيمن هو اضعف منه , هذه قاعدة فى الافراد والدول , كل الاقوياء اذا شعروا بالقوة وملكوا اسبابها امتدت اطماعهم لمن هم اضعف منهم , المال والسلاح عاملان اساسيان , وهناك الايمان وهو عامل نفسي يدفع صاحبه للتضحية بغير حدود , الدين عامل اساسي  فى حالة الدفاع عن النفس , العقيدة الدينية تصنع المعجزات فى تاريخ الشعوب اذا استقام اهلها , الشعوب المغلوبة اذا كانت لها عقيدة فلا تغلب ولو هزمت , فى النهاية ستنتصر لامحالة , المبالغات احيانا تكون مفيدة لانها تلهم الشعوب قوة تحتاجها فى معارك الدفاع عن النفس , لكل عصر خصوصيته , الموقف الصحيح هو الذى يؤدى الدور المطلوب منه , احيانا نكتشف المبالغات وهي كثيرة في المرويات ولكنها تؤدى الدور المطلوب منها فى عصرها  , احيانا تكون الحاجة اليها , وهي فى الامور العلمية التى يترتب عليها نتائج فهي غير محمودة ومعيبة , وفى مجالس العلم ليست مقبولة , ومن اعتمد عليها فلا يمكن ان يوثق به , كنت اضيق بظاهرة  المبالغة فى المرويات التاريخية , وهناك من المؤرخين من يجد فى المبالغة ما يثير الاهتمام , ومن طبيعة النفوس انها تميل للمبالغات , واؤكد اننا نحتاج الى منهجية نقدية لتراثنا لكي نختار منه ما هو صحيح ومفيد , ماهو غير صحيح لا ينبغى ان نشغل انفسنا به , ومالا يفيد فلا حاجة بنا اليه ..

( الزيارات : 584 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *