المجتمع وقابلية التغيير

 

 

علمتني الحياة

أن المجتمعات قابلةٌ للتغيير ومستعدة لقبول الجديد من الأفكار والعادات والتقاليد , والمجتمعات التي تخشى من التغيير وتتمسك بثوابتها لا يمكنها أن تقف في وجه موجات التغيير المتتابعة , فالتغيير أمرٌ حتميٌ , قد يكون إلى الأفضل وقد يكون إلى الأسوأ , وهنا تُسهم الثقافة والتربية في توجيه المجتمع نحو الأفضل , وكلّ جيلٍ يحمل معه أفكاره وقناعاته ولو نظرنا إلى حجم التغيير خلال خمسين سنة ما بين مرحلة الشباب والشيخوخة لأيّ جيل لوجدنا الكثير من أوجه التغيير , فما كان مرفوضاً ومذموماً أصبح اليوم محموداً ومقبولاً , واختلفت القيم السائدة في المجتمع , وتغيرت المفاهيم والمعايير , وأهمّ ظاهرة إيجابية هو اختلاف النظرة إلى التعليم والثقافة , والاهتمام بالصّحة وممارسة الرياضة , وتغيير بعض العادات المرتبطة بالغذاء وزيادة الوعي بحقوق الإنسان , وبخاصة حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق العامل والفلاح وهذه جوانب إيجابيّة , فما كان مقبولاً في الماضي لم يعد مقبولاً اليوم , بفضل انتشار العلم , فالأسرة التي كانت ترفض إرسال بناتها إلى المدرسة أو الجامعة أصبحت مقتنعة بأهميّة الدّراسة والتخصص العلميّ وعمل المرأة , والمرأة التي كانت ترضخ لإرادة والدها في تزويجها بمن يريد ويختار ولا يرى أحد الزوجين الآخر إلا يوم الزفاف وهذا لم يعد مقبولاً , ولا أحد من الزوجين يقبل به , ولم يعد الفلاح والعامل يرضى أن يعامل كالعبيد , ولا يملك حقّ الاعتراض , وإلا تعرض للمهانة , وكانت الزوجة في البيئات الجاهلة تعامل من الزوج بمهانة , يطلّقها متى شاء , ويتزوج عليها متى شاء , ولا أحد يعترض على ذلك …

وهناك ظواهر سلبيّة , وهي ليست ناتجة عن ازدياد الثقافة , وإنّما هي ناتجة عن فهم خاطئ لمفهوم الحريّة , فالحريّة لا تعني الانحلال الأخلاقي ولا تقود إلى قلّة الأدب مع الآخرين , ولا التمرّد على قيم الأسرة , ولا التطاول على حقوق الآخرين , وزادت سلوكيات السّفه في مظاهر الحياة وفي الإنفاق الاستهلاكي , وضعف الرادع الديني والأخلاقي لدى التّاجر والعامل والموظّف والمعلم والقاضي , وأصبحت الضمائر تشترى بالمال , وانتشرت الأنانية في المجتمع , وتراجعت عواطف الرحمة وتفككت الأسرة وضعف الوفاء , ولم تعد الرموز الدينيّة تحظى بالمصداقية الأخلاقيّة التي كان يتمتع بها العلماء في القديم …  وهذه الظواهر السلبيّة ليست بسبب انتشار التعليم ومبادئ الحرية , فالثقافة لا تأتي إلا بخير , والثقافة تزيد من وعي الإنسان , إذا استوعب أهداف الثقافة في تكوين قابليّات سليمة واستعداد للعمل الصالح , والتغيير إلى الأفضل هو هدف الثقافة , والهدف من الثقافة هو تكوين المواطن والنهوض بمستوى وعيه ..

( الزيارات : 681 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *