المفاوضات العادلة

علمتني الحياة

أنّ المفاوضات بين طرفين لا يمكن أن تكون ناجحةً إلا إذا كانت بين طرفين يملك كلّ واحدٍ منهما القوة التي تمكّنه من الدفاع عن حقه ، ولا مفاوضات بين قويّ وضعيف ، وبين منتصر ومنهزم ، ومعيار العدالة نسبي ، وتتحكم فيه القوة ، وعندما يكون أحد الأطراف ضعيفاً فإنّه لا خيار له إلا أن   يرضح لمعا يير الطرف القوي ، وكلّما تخلّف المجتمع تخلّفت معايير العدالة , ولهذا جاءت الأديان السماويّة بإقرار معايير للعدالة تحقق العدالة بين البشر , بين الإنسان والإنسان في الحقوق الإنسانيّة وبين الشعوب والأقوام , وفي إطار المجتمع الواحد وبين الرجل والمرأة ..

ومن العدالة أن يؤمن الإنسان في داخله بأهميّة العدالة , وأن يرى نفسه كالآخر الأقلّ منه مكانةً وقوةً , فلا يمكن للأبيض أن يرى نفسه هو أفضل من الأسود , وألا يرى ابنُ النسبِ الرفيع أنه أعلى مكانة من ذلك الذي لا يملك ذلك النّسب , وأن يشعر جميع البشر أنّهم يملكون حقوقاً متماثلة ومتساوية , وهذا أملٌ لا يمكن أن يتحقق من الناحية الواقعية ما دامت القيم السائدة توفّر ظروفاً للقوّة لا يملكها الناس بطريقة عادلة , لقد انتهى من الناحية القانونية نظام الاسترقاق ولكنّه لم ينته في الناحية الواقعيّة وقد انتهى في القوانين الدوليّة عصر الاستعمار , وما زالت العقليّة الاستعمارية قائمةً ومسيطرةً في العلاقات الدوليّة , والعالم الجديد يحتاج إلى معايير جديدة للعدالة ومفاهيم جديدة للحقوق ترتقي بمستوى العلاقات الإنسانية إلى أفقٍ أسمى وأعلى يحقّق العدالة المطلقة كما يجب أن تكون لا كما يمكن أن تكون ، والمفاوضات تحكمها معايير المصالح المتبادلة وقد تثمر هذه المفاوضات عن اتفاقات غير عادلة وتنازلات من الطرف الضعيف عن بعض حقوقه وإذا كان الطرف القويّ تحميه قوته فمن يحمي الطرف الضعيف ؟ وكل عصرٍ يفهم العدالة بصورة معبرة عن الاعراف والقيم السائدة في ذلك العصر, ففي عصر الإقطاع لم يكن الإقطاع في نظر المجتمع مخالفاً للعدالة وفي عصر الاسترقاق لم يكن الاسترقاق مخالفاً للعدالة, وفي عصر الاستعمار لم يكن الاستعمار ظلماً وعدواناً في نظر من قاموا به , وكانت لفظة الإرهاب تطلق على كلّ من يقاوم الاستعمار والاسترقاق والأنظمة الاستبدادية وكان بعض رجال هذا الدين يبررون هذه المظالم باسم الدين وبخاصّة في العصور الوسطى التي شهدت تحالف الكنيسة مع الإقطاع والاستبداد لحماية مصالح رجال الكنيسة وهذا يدفعنا إلى التفكير في صياغة معايير جديدة للعدالة والارتقاء بمستوى القيم الإنسانية إلى الأفق الأفضل .

( الزيارات : 1٬060 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *