الناس مع مصالحهم وليس مع مبادئهم


 

 

                         

 

علمتني الحياة

أنّ معظم الناس مع مصالحهم أكثر مما يكونون مع مبادئهم , وقلّة من هؤلاء من يضحي بمصالحه في سبيل مبادئه , فإذا انسجمت المبادئ والمصالح رُفعَت شعار المبادئ واختفت المصالح خلف المبادئ , وإن وقع التناقض بين المصالح والمبادئ تردّدت النّفوس في المواقف ، والمصالح غالبة في معظم الأحيان , ولا أحد ينسى نفسه في هذا التدافع بين المصالح والمبادئ , ومن عرف هذا استطاع أن يفهم سلوكيّات البشر , وأن يحسن توقع ما يمكن أن يكون ..

ومعظم النّاس مع الغالب إذا غلب ومع المنتصر إذا انتصر , ومع القويّ إذا ارتبطت المصالح به , وهذا من ضعف الإنسان ويدل هذا على ضعف إيمانه بالله , ومن يضحي في سبيل مبادئه يعتقد لا محالة أنّه منتصر في النّهاية , ويغلب عليه هذا الاعتقاد , والطّامحون تكثر أوهامهم , ويرون أنفسهم أكبر من أحجامهم , وهنا تكمن مقاتل الرجال الطامحين والمغامرين من حكّام وقادة وزعماء وثوّار وقادةِ أحزاب , وهذا مما يدفعهم إلى التغالب مع الآخر , وقد يكتشفون فيما بعد أحجامهم الحقيقية , فليس كلّ ما يفكر فيه الإنسان هو الحقيقة , والعقلاء أكثر واقعيّة في الفهم , وأقلّ رغبة في المغامرة , ولا يفرضون ما يجب أن يكون , وإنما يفترضون كلّ الاحتمالات الممكنة , ومعظم الناس تتعايش مع نظامها السياسيّ ولو كان فاسداً حماية لمصالحهم , ويتعاملون مع من يكرهون إذا ارتبطت مصالحهم به , ويبرّرون لأنفسهم ذلك لا قناعةً منهم بما يفعلون , ومن استطاع أن يمسك بمصالح الآخرين تمكن من السيطرة عليهم , وهذا ما تفعله بعض القيادات والزعامات والأنظمة والدول , ومن يملك المال يستطيع أن يستخدمه لتوسيع نفوذه والسيطرة على غيره , والمال هو السلاح الأكبر الذي تُشترَى به الولاءات ويتسع به النفوذ , وفي نفس الوقت فإن النفوذ جالب للمال إذا أحسن صاحب النفوذ في استغلال نفوذه ..

ويعذر الناس فيما يفعلون من تقديم المصالح ومراعاتها في المواقف , ويعود سبب هذا إلى الضعف والجهل , وأهل التضحية قلّة من الناس , وهم إمّا أن يكونوا مؤمنين بحقّهم ومستعدين للدفاع عنه , وإمّا أن يكونوا يائسين ومحبطين ولا خيارَ لهم إلا التضحية وإما أن يكونوا مُستَذَلّين وقد بلغ الإذلال قمته , وعندئذ يشتد الغضب وتنمو الرغبة في الانتقام , وأنصح الأنظمة السياسية أن تفتح النوافذ والأبواب لدخول الهواء النفي ومراعاة مصالح الناس في شؤون عيشهم لامتصاص الغضب والتخفيف من الشّعور باليأس والإحباط , وهذا مما يحقّق الاستقرار ويخفف من مشاعر الاحتقان والغضب ..


 

 

( الزيارات : 934 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *