النسب العالى لا يرفع الصغار

 

علمتني الحياة

أن النسب العالي لا يرفع من شأن الصغار وأصحاب السلوك السيئ ، وإنما يعزز مكانة الكبار ويضيف إليهم ميزة النسب الرفيع والانتماء لأسرة تحظى بالمكانة العالية في مجتمعها ، والنسب المتواضع لا يقلل من مكانة الكبار الذين يكبرون بعلمهم وأخلاقهم وجهادهم ومواقفهم، وهؤلاء وإن كانوا في أسرة متواضعة في قرية نائية، فإن أسرتهم تكبربهم وقريتهم تعرف باسمهم ، وذاكرة كل جيل لا تتسع لأحداث الماضي ، وإنما تتسع لما يشغلها ويهمها من أحداث الحاضر ، ووفاؤها لهؤلاء المعاصرين هو أصدق وأعدل من وفائها للسابقين ، وهذا لا يعني التنكر للماضي ولتضحيات الأسلاف ،وإنما يعني الاهتمام بالحاضر ، وتكريم من يستحق التكريم من أبناء كل جيل، والشعوب الحية تهتم بأعمال الرجال ولا تهتم بأنسابهم ،والأخلاق الرفيعة والأعمال الصالحة والمواقف والتضحيات هي معايير الأنساب الرفيعة ، وينقطع النسب الرفيع بانقطاع التواصل بين الآباء والأبناء والأحفاد ،فالأسرة الوطنية التي اشتهرت بمواقفها لا يمكن أن تنجب خائئا لوطنه ،وإذا أنجبته فلا تتواصل معه ، وتنقطع صلة النسب بين الطرفين ،والأسرة الجاهلة المعروفة بسلوكها السيئ قد تنجب الرجل العظيم بعلمه وجهاده وأخلاقه ،ويرتفع النسب الوضيع بالأخيار والكبار ،ويهبط النسب الرفيع بالأشرار والصغار.

ويلتمس الخير في مواطنه وفي مظانه ، وكل جيل مدعو للحفاظ على سمعة أجداده ، فهذا تراث يرثه الأبناء فلا يليق بأبناء النسب الرفيع أن يصدر عنهم ما لا يليق بهم ، من السلوكيات السيئة ، فإن فعلوا ذلك فقد فرطوا بما يملكون كمن يبيع تراثه بثمن بخس ،فلا يفخرن أحد بنسب آبائه إذا لم يحافظ على مكانة ذلك النسب ، ولا يخجلن كبير من نسبه المتواضع ،فهذا مما يجعله كبيرًا في نظر مجتمعه ، ومثل هؤلاء كمن يبني مدينة جميلة في أرض نائية ،وكمن أقام حديقة جميلة في أرض صحراوية ، وكمن أقام المدارس والجامعات في مجتمع أمي متخلف ،ولا حدود لعطاء الرجل العظيم في مجتمعه ، ومن المؤسف أن التاريخ يحدثنا عن تاريخ الملوك الفاتحين ،ولم يحدثنا عن تاريخ المقاومين العظماء والمصلحين الكبار ممن حرروا مجتمعهم من العبودية والتبعية والأمية والجهل ، فنهضة الأمم قادها رجال عظماء ،وبجب الوفاء لهؤلاء ، لا بتكريم أحفادهم ، وإنما بتكريم من ساروا على طريقهم فالوفاء للمبادئ وليس للأشخاص ،وأوسمة التكريم تعطى لمن يستحقها لا لمن يطالب بها ، والقداسة للدين وليست لرجال الدين ، والحرية لمن يحترم حرية الرأي وليس لمن يسيء استخدام هذه الحرية بالإساءة للأديان وبالتشويه للتاريخ ولمن يستخدم هذه الحرية للإساءة للآخرين أو للدفاع عن الفكر المريض الذي يشجع الفتنة ويقوض دعائم الاستقرار الاجتماعي ، فالحرية أداة لتكرين الإنسان وليس سلاحاً للإساءة للإنسان بالشتم والقذف ، والإعلام أداة للتثقيف وليس أداة للتضليل ، ولا قيمةلإعلام مأجور ، ومن باع قلمه فقد باع ضميره والأحرار يأبون ذلك .

( الزيارات : 1٬705 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *