النظام المصرفي وفقاً لأحكام التشريع الإسلامي

النظام المصرفي وفقاً لأحكام التشريع الإسلامي

المصارف

 

إن النظام المصرفي الذي يقوم على الفائدة نظامٌ مُخالف للشرائع السماوية، وإن الشريعة الإسلامية لم تكتفِ ببيان حُرمة الربا فحسب، بل عمدَت إلى فتح طرُقٍ كثيرة لاستثمار الأموال المدّخرة، وحرّمت الاكتناز والادخار السلبي، ودعَت إلى السعي في الأرض لتنمية هذه الأموال، ولإثبات ذلك يكفي أن نذكر أنها قد وضعَت نظاماً يتهدد أصحاب الأموال بفقدها خلال مدة معينة إذا لم يقوموا باستثمارها، وهو نظام الزكاة، فبمقتضاه يجب على أصحاب رؤوس الأموال أن يدفعوا من أموالهم حقاً معلوماً للفقراء، وهذا يعني أن أموالهم ستنقص سنةً بعد سنة حتى تفنى، إن هُم لم يقوموا باستثمارها.

ونحن حينما نطبّق النظام الإسلامي لا نحتاج إلى دعوة الناس لاستثمار أموالهم، فسيعملون هم على استثمارها بأنفسهم، أو يدفعونها لمن يستثمرها، حتى يستطيعوا دفع حقوق الفقراء منها، وإلاّ أتت الزكاة على جميعها. وقد يتساءل متسائل:

هل يمكن أن يحلّ النظام اللاربَوي في المصارف، وفي الأعمال التجارية محل النظام الاقتصادي الحاضر؟ وهل يمكن أن يزدهر الاقتصاد وفق الأنظمة اللاربويّة[1]؟

لا شكّ أن الشريعة التي تحرّم الربا هي شريعة إلهية قبل كلَ شيء، فإذا اعتقدنا بأنه لا يمكن أن يحلّ النظام اللاربوي محل النظام الربوي، فكأننا قد آمَنّا بأن الكون قد عُلِّقَت مصالحه بنظامٍ فاسد، ترفضه الفطرة، ويُحرّمه الدين. وكأننا نقول بأن الفطرة قد خُلِقَت على الزيغ والضلال، إذا كانت ترفض مصالح الناس الثابتة. وعندئذٍ يضعفُ أمامنا الأمل، وتنهار بين أيدينا القِيَم. أما إذا كُنّا نعتقد حقيقةً بصلاحِ النظام الإلهيّ، فإنَّ علينا أن نعمل لنشر هذا النظام وإحلاله محل الأنظمة المُخالِفة للدين والفِطرة.

ولا شكَّ أن هذا التغيير الذي تطلبه في النظام المصرفي إنما يعتمد أولاً وأخيراً على دعامة هامة هي (إرادة التغيير) والإيمان بصلاحية النظام الإلهي، ليحلّ محل الأنظمة الوضعيّة.

إن إرادة التغيير ليست عملية سهلة، وإنما تحتاج إلى إرادة صلبة وعزيمة ثابتة وإيمان مُطلَق بصلاحيّة هذا النظام والسَنِّ على تطبيقه.

وإننا نلاحظ أن الفكرة الشيوعية كانت حلماً من الأحلام، بل كانت أملاً يراود الأذهان، وكثيراً ما اتُّهِمَ قادة الفكر الشيوعي بسخافة العقل وعقم التفكير، ولأنهم نادوا بمبادئ ونظُم يصعب على العقل التقليدي أن يتقبّلها، لا في ميدان الاقتصاد فحسب، بل في ميدان السياسة والاجتماع أيضاً. فمثلاً قاموا بإلغاء الملكية الفردية وأحلّوا محلها الملكية الجماعية وهذه أبعد منالاً وأصعب تحقيقاً من إلغاء نظام الربا في المصارف،  ومع ذلك فإننا نرى أن المذهب الماركسي قد انتصر في النهاية، وحقق حلمه الذي كان يراوده، وأتى بالجديد من الأفكار والنظُم وقام بتجربة استطاعت أن تثبت إمكانية تحقيقها على الأقل، إن لم نقُل أنها تضارع النظُم التقليدية المتعارفة وتتفوق عليها، لا لشيء إلاّ لوجود إرادة التغيير. ومع ذلك وضعوا لأنفسهم نظماً مصرفية بعيدة جداً عن النظُم المصرفية التقليدية.

أما نحن فلم نحاول أن نفكّر في التغيير، وهذا هو سبب التخلُّف الذي نعانيه. وإن محاولة تغيير النظُم المصرفية من نظُم ربوية إلى نظُم لاربويّة ليست بالصعوبة التي نتصورها، لكنها تحتاج فقط إلى أن نكلّف أنفسنا عناء البحث وجُهد العمل، ثم نباشر المهمة بعزم وتصميم وثقة بالنجاح، حتى نُقبِل على العمل والأمل يداعب نفوسنا، والثقة تملأ قلوبنا بنجاح النظام الجديد[2].



[1] قد يقول كثيرٌ من الناس أن هذا مستحيل، وقد يحسب بعض رجال الاقتصاد أن النظام الاقتصادي نتيجة حتمية لا يمكن تغييرها بشكل من الأشكال. وقد يقولون أيضاً أن نظام الفائدة مرتبطٌ ارتباطاً كلياً بالتقدُّم الاقتصادي، بحيث لو ألغينا نظام الفائدة لذهَبَ الازدهار الاقتصادي إلى الجحيم، ولكن هذا الكلام ليس سليماً، فإن التجارب البشرية منذ فجر التاريخ أثبتت قدرة الإنسان على صنع المستحيل، لكن من طبيعة الناس أنهم يؤمنون بالموجود المرئي لهم ويكفرون بالمعدوم، فالاستحالة نسبية وليست حقيقية.

[2] إن نجاح النظام الجديد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعوامل متعددة:

1- الإيمان بالنظام الجديد إيماناً كبيراً بحيث يدفع هذا الإيمان صاحبه إلى التغيير فيه، ودراسته دراسة واسعة تُزيل غموضه، وتكشف مجاهله.

2- الإيمان بعدم صلاحية النظام القديم بحيث يدفعه هذا إلى إظهار عيوبه ومساوئه والعمل على تحقيق نظام آخر. وهذا يتطلب من رجال الاقتصاد المسلمين أن يقفوا دائماً في وجه النظام الاقتصادي الذي يعتمد على الفائدة ويحاولوا تغييره بنظامٍ آخر.

3- أن يملك هؤلاء الأشخاص الذين يُريدون التغيير قدرةً فكرية كبيرة وطاقة اجتهادية ضخمة تُمَكّنهم من التفكير بحرية في عالم مجهول يُحاولون اقتحامه وكشف الحجُب عنه.

4- أن تقوم بدعم هذا النظام الجديد حكومة قوية قادرة مؤمنة به، حريصة على تطبيقه، فتفرضه في بلادنا بعزمٍ وتصميم.

5- تحريم النظام القديم تحريماً قاطعاً.

وبهذا يمكن أن يتحقق هذا النظام، وعندئذٍ يُعتبَر بديهياً جداً، ويُعتبَر غيره مستحيلاً.

( الزيارات : 760 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *