النقد الذاتى لما كتبناه

ذاكرة الايام…النقد الذاتى لما كتبناه
عندما كنت اكتب كتابى عن نظام الحكم فى الاسلام وكنت يومئذ فى الثلاثين من العمر , ولم يكن بامكانى ان احكم على ما اكتبه فقد سبقنى الى ذلك اعلام كبار وشخصيات علمية متميزة قديما وحديثا , كنت اتساءل مع نفسي فى كل فصل من فصول الكتاب وفى كل صفحة من صفحاته عما كنت اكتبه , كان الكتاب يتألف من ثمانمائة صفحة وقد نشرته جامعة الكويت عام 1972 وكتب مقدمته الدكتور عبد العزيز كامل مدير الجامعة انذاك , كنت اقول لنفسي ما اكتبه هو تاريخ نظام الحكم عند المسلمين وكما كان فى معظم الدول الاسلامية وقد لا يختلف عما كان لدى الدول الاخرى وبخاصة ذلك التنظيم الادارى للدولة الامامة وولاية العهد والوزارة والامارة وواجبات كل منهم وما يمكن ان يدخل ضمن اختصاصه فهناك وزير عام الصلاحية وهناك وزير تنفيذ لا يملك الا التنفيذ لما يكلف به من اوامر الامام , وهناك امارات متعددة وهناك ولايات للقضاء وولاية للمظلم وولاية للحسبة , كنت اشعر ان هناك ما وقع تجاهله فيمن كتبوا عن نظام الحكم , كنت ابحث عن الخصوصية الاسلامية التى تتمثل فى احترام الارادة الشعبية فى اختيار الحاكم والمفهوم العلمي للبيعة كعقد ملزم يربط الطاعة بالوفاء لمطالب الامة , وهو ما اشار اليه بعض العلماء وهم قلة من القدامى ومن المتأخرين , ورأيت اضطرابا كبيرا عند العلماء وهم يناقشون فكرة الثورة على الامام الجائر , او الفاسق , وكذلك فى بحث اهل الحل والعقد وكذلك مفهوم الشورى هل هي ملزمة او غير ملزمة وما زلنا نناقش هذه المسائل بعيدا عن الواقع , كان الامام الماوردى فى كتابه الاحكام السلطانية يصف ما كان فى عصره , لم يكن ما كتبته ليقنعنى بانه يمثل اضافة مفيدة تعبر عن الخصوصية الاسلامية فى شرعية الحكم ومفهوم البيعة وحقوق المواطن , كنا نكتب عن الحكم كما كان وليس كما يجب ان يكون لكي يكون فكرنا معبرا عن طموح شعوبنا فى ارساء دعائم حكم اكثر شرعية وعدلا , , كانت الدولة تنسب الى العصبية الحاكمة التى هي الاقوى والتى تمكنت من التغلب على كل الاخرين المنافسين , وعندما تسقط الاسرة الحاكمة يقال سقطت الدولة وخلفتها دولة اخرى قد تختلف اختياراتها ومدنها الكبرى واحيانا يكون لها مذهبها الاعتقادى والفقهي وعلما ؤها , لم تكن الدولة ذات مؤسسات ثابتة او ثوابت , وكان الفقهاء يبررون كل سياسة للحاكم ولذلك رفع العلماء شعار اقفال باب الاجتهاذ لكيلا يتمادى فقهاء السلطة فى تبرير ما كان من المظالم واغتصاب الحقوق والعدوان على المعارضين بغير قيود ولا موانع , وكانت الشعوب المستضعفة ترى كل تجاوز ولا تملك القدرة على الانكار , وكان من السهل على الحكام ان يسلطوا العامة على من يخالف او يعترض او يتمرد , وامتحن الكثير من العلماء وانصرف اخرون الى العزلة , فى الوقت الذى كان فقهاء السلطة يعبثون باسم الدين بما يشوه صورة الدين , ما اقسى ما فعله الجهل بمجتمعنا فى عصور التخلف والجهل , كنت اتمنى ان اكتب عن ذلك فى كتابى عن نظام الحكم فى الاسلام , ولكننى لم افعل لاننا ما زلنا نكتب القليل عما يجب ان نكتبه , لكي لا نقترب من الواقع الذى نراه يقودنا الى مزيد من الجهل بحقيقة الاسلام كمنهج يدعونا الى الافضل الذى يجعل مجتمعنا اكثر عدلا ورحمة وانسانية فى مفاهيمه وفى انظمته الوضعية التى تعبر عن طموحات مجتمعنا الاسلامى الى النظام الذى يجسد صورة الاسلام كدين سماوى يدعو الى الايمان بالله اولا واقرار عدالة حقيقية فى الاموال والحقوق ومفاهيم راقية للحياة تحقق الامن والاستقرار.
( الزيارات : 814 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *